بعد اثني عشر عاما من الكذب اعترف توني بلير على استحياء بأن قرار غزو العراق الذي قادت الولايات المتحدة الأمريكية حملة الترويج له في ٢٠٠٣ وتزعمت تنفيذه بدعم من حليفها البريطاني التقليدي كان قرارا خاطئا. رئيس الوزراء البريطاني السابق في لقاء تلفزيوني له مع شبكة “ سي ان ان “ الأمريكية قدم اعتذارا ضمنيا عما وصفه بالأخطاء الاستخبارية والأخطاء في التخطيط قبل الحرب وخلال الاستعدادات لمرحلة ما بعد الاطاحة بصدام . لماذا يأتي هذا الاعتذار الأن وقد مر على الحرب أثنا عشر عاما غرقت خلالها البلاد في دوامة طائفية بشعة استمرت أطراف خارجية بتغذيتها فتحول العراق إلى حطام أمني وسياسي واجتماعي، لا جيش ولا مؤسسات، فقط عمليات تفجير يومية وضعت البلاد في مقدمة نشرات الأخبار مع تغير أعداد القتلى من عملية لأخرى، أكان بلير في غفلة من مأساة عراقية صنعتها يداه وتابعها العالم على مدار سنوات؟ أم كان في معزل عما تعج به منطقة الشرق الأوسط من كوارث رسم هو بتبعيته لواشنطن ملامحها؟ لماذا الأن يعتذر بلير؟
ربما لأن لجنة تشيلكوت للتحقيق في قرار الحرب على العراق التي تشكلت قبل ست سنوات قارب عملها على الانتهاء ويبدو أن بلير يحاول الحفاظ على ما تبقى له من شعبية وماء وجه أو استباقا لعاصفة سياسية محتومة ستثيرها نتائج تحقيق طال انتظاره وبات تخمين مضمونه لا يحتاج ذكاء كبيرا خاصة مع الافراج عن وثائق سرية تثبت تعهد بلير سرا بدعم بوش في دخول العراق بالرغم من تأكيده للنواب البريطانيين آنذاك بأنه يسعى لحل دبلوماسي.
تصريحات بلير اثارت ضجة في الصحف الأمريكية والبريطانية ووصفتها الأخيرة بأنها اعتراف مذهل، الحقيقة أنها تشير إلى واقع سياسي وميداني لم يعد خافيا على أحد، فمن الواضح أن حل الجيش العراقي ترك الساحة خالية للمتطرفين والأكيد أن تنكيل إدارة بوش بصدام حسين وحزب البعث أدى إلى تشكيل ما تبقى من عناصر الحزب لبؤرة نفوذ أخرى غير رسمية عرفناها لاحقا باسم داعش لكن السؤال هو ماذا بعد هذا الاعتراف؟ صحيفة الديلي ميل تقول إن اعتراف توني بلير بخطأ غزو العراق وإقراره بأن مشاركة المملكة في الحرب جاءت فقط حتى لا تشعر الولايات المتحدة أنها بمفردها تجعل منه مجرم حرب وإنه قد يتعرض للمحاكمة.
صحوة بلير المتأخرة تتزامن مع تصريحات أخرى لافتة جاءت على لسان المرشح الجمهوري للانتخابات الأمريكية دونالد ترامب لشبكة سي ان ان أيضا، ترامب يرى أنه لو كان صدام حسين والقذافي موجودين في الحكم اليوم لكان العالم مكانا أفضل بكثير، ما سبق يمكن قراءته بوضوح في ضوء الحرب الشرسة بين الجمهوريين والديمقراطيين والسعي المحموم للوصول إلى البيت الأبيض لكن عندما يقول ترامب إن الخروج من العراق دون ضمان النفط هو الخطيئة الكبرى فهذه الجملة هي الاعتراف الحقيقي الذي يجب التوقف عنده.
ربما لم يعد الاتفاق بين بوش وبلير الذي سمى باتفاق الدم قائما الأن لكن على ما يبدو يستمر الكل في لعب دوره بإتقان، الكاوبوي الأمريكي يتبجح هنا وهناك وكأنه شرطي المنطقة أما التابع البريطاني فمازال حتى الأن يجتر أذيال الخيبة و أطماعا لم ينجح في حصدها.