الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

رسالة فلسطين المغيبة / بقلم نور عودة

وعلامةُ رَفْعِهِ الفِكرَة

2015-10-27 11:05:27 AM
رسالة فلسطين المغيبة / بقلم نور عودة
صورة ارشيفية

 

قبل أيام، كتبت مجموعة يهودية امريكية عرَفت عن نفسها بأنها صهيونية مقالاً في غاية الأهمية في صحيفة الواشنطن بوست وهي من الصحف التي تؤثر على صناع القرار في الولايات المتحدة الامريكية. في المقال، أكد هؤلاء أنهم وبدافع حبهم لإسرائيل مضطرون لمقاطعتها على أمل أن تسهم هذه المقاطعة في إنقاذ إسرائيل من نفسها وذلك بدفعها لإنهاء الاحتلال. وأسهبت المجموعة في وصف الحال في إسرائيل ومقاربته إلى جنوب افريقيا إبان حقبة "الأبرتايد" المشينة، معربة عن ذعرها مما ألم المجتمع الإسرائيلي من تطرف وتمسك بالاحتلال والهيمنة على شعب آخر وحرمانه من حقه في العيش بحرية. وتأتي هذه المقالة غير المسبوقة في صراحتها وقوة رسالتها بينما تعمل الماكينة الإعلامية الإسرائيلية على رسم ما يحدث من مواجهات باعتباره نابعاً من حقد عقائدي إسلامي متطرف ضد اسرائيل واليهود يمتد إلى ما قبل إنشاء إسرائيل على أنقاض عذابات وحقوق الشعب الفلسطيني. إنها ضربة موجعة للدعاية الإسرائيلية التي اعتادت ألا تبذل كثيراً من الجهد للحفاظ على الرأي العام الداعم بشكل أعمى في الولايات المتحدة الامريكية. 
هذه تحولات ذات بعد استراتيجي ينبغي استثمارها والبناء عليها بدل الانشغال في حالة إعلامية مرتبكة ومنفعلة لا تخاطب الآخر بل تحدث إرباكاً عند المراقبين؛ الأصدقاء منهم والحياديين. ما الصعوبة في أن نكون مبدعين ومهنيين في إظهار الحقائق وتسليط الضوء على رسائل إنسانية بسيطة ويسهل على العالم فهمها وتبنيها؟ ما الذي يمنع حكومتنا العتيدة من أداء واجبها في إيصال المعلومة والرسالة بوضوح وحرفية، خاصة في وجود أداء مميز في وزارة الصحة، التي حرصت منذ بداية الهبة على الالتزام بواجبها ونقل الحقائق دونما انفعال أو انشغال بأمور ليست من اختصاصها؟ ما الذي يمنع باقي مؤسسات الحكومة من التحلي بذات المهنية في أداء الواجب؟ ما الذي يمنع أن نكون أذكى من ماكينة الكذب الإسرائيلية وألا نقع في فخ التفاصيل ونركز على الرسالة الأسمى: هذا شعب سئم انتظار حل لا يبدو أنه سيأتي من عالم منافق يدعي التمسك بحقوق الانسان ويقبل بالدوس عليها في فلسطين... الإجابة ببساطة لا شيء سوى الكسل والتمسك بميزات وامتيازات المسؤولية دون الارتقاء لمتطلباتها وتغليب الأنا على "الـ نحن" والسعي وراء إرضاء الغرور الشخصي بدل التواضع أمام حضرة التضحيات.

هناك هوس ملموس وواضح له علاقة بالظهور والتلميع السياسي تراه يتألق في إصرار الكثيرين على الخوض في الشأن السياسي والتحليل والهروب لحديث أكاديمي عند السؤال عن التقصير أو ادعاء دور ليس لهم... كل هذا بدل القيام بالواجب المهني والوطني في هذ الحالة. هؤلاء يظنون أن السبيل إلى التميز والشهرة هو التصدر، ولو بالادعاء، لملفات ذات بريق سياسي بدل القيام بالواجب المهني الذي لو تم كما يجب لكان خير سند للجهد الوطني والسياسي الذي يسعون لخطف بريقه. الأمثلة هنا كثيرة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، نقرأ ونسمع كثيراً من التغني بالمقاومة الشعبية ونسمع اجتراراً لحديث عن جرائم الاحتلال دون أن نرى عملاً جدياً يدعم الأولى ويفضح الثانية من قبل الجهات المختصة. أما الملف الأبرز والذي يتهافت عليه الجميع في خطابهم أملاً في أخذ ولو شعاع من بريقه فهو ملف الجنائية الدولية والجهد الدبلوماسي الفلسطيني في المحافل الدولية... فترى أن جميع المسؤولين والناطقين والمدعين أصبحوا بين ليلية وضحاها خبراء في الملف الحساس هذا وتراهم يصرحون بما هو صحيح وما هو محض تخيلات ويحللون ويطالبون ويصرحون.. كل هذا بدل أن يقوموا بواجبهم المهني في التوثيق وموائمة الخطاب والتثقيف بمتطلبات المرحلة لدعم هذا الجهد القانوني الجدي الذي لا يحتمل الاجتهاد وشطحات الهواة.

ربما يكون هذا تشخيصاً قاسياً لحالة اعتدنا عليها في الساحة السياسية الفلسطينية وما عدنا نلتفت إلى تداعياتها الخطيرة والمؤذية لكن حساسية الوضع الراهن تحتم علينا تشخيص الحال بصدق ووضوح صارخ. علينا الاعتراف أنه في غمرة الاحداث الميدانية المتسارعة وفي ظل انشغالنا في حديثنا مع أنفسنا واهمال الحديث مع العالم الذي تأتيه الرواية الاسرائيلية جاهزة وبدون عناء، نحن نفقد فرصا كثيرة للتأثير على الرأي العام الدولي الذي يبدو مرتبكا ازاء ما يحدث في فلسطين هذه الفترة. تغليب الأنا على الحال العام والهروب من المسؤولية لصالح اللمعان السريع والهوس في الظهور على حساب الأداء، هو في صلب التقصير في إيصال صوت فلسطين للعالم وهو مكلف أكثر مما نتصور.