حركت انتفاضة الشباب الفلسطيني الثائر المياه الراكدة التي أحاطت بالقضية الفلسطينية منذ ما سمي "الربيع العربي"، وغذت دماء الشباب النازفة الأمل الفلسطيني الذي لا يخبو بالحرية والاستقلال وتقرير المصير وانهاء الاحتلال الإسرائيلي البغيض للأرض الفلسطينية.
وأعادت الدماء النازفة القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي إلى واجهة الأحداث الدولية لتبقى قضية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين أولوية دولية يجب التوصل إلى حل سياسي دائم له.
تحركت الأمم المتحدة عبر أمينها العام الذي عاد خائب الأمل، وتحرك جون كيري سيء الحظ ورئيسه أوباما الذي ما زال يتلعثم في قول الحقيقة كاملة حول هذا الصراع ويكتفي بالإعراب عن قلقه لما يجري ولا يرى حلا للصراع إلا من خلال الحفاظ على "أمن اسرائيل" رغم إدراكه وإدراك العالم أن التصعيد في فلسطين سينعكس على مجريات الأحداث في المنطقة التي باتت على شفير حرب كونية في أجواء سوريا والعراق، حيث تحلق طائرات 12 دولة في سمائها من بينها روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل. والخطأ غير المقصود من طيار شاب ربما يشعل شرارة "مواجهة" غير مرغوب بها ولا حاجة لأحد بها غير "داعش" التي لم تلبس بعد قميص القضية الفلسطينية ويبدو أن السيد بنيامين نتنياهو حليف اليمين الاسرائيلي الديني المتطرف يقدم لداعش قميص فلسطين بإطلاق يد المستوطنين ووزراء ونواب اليمين ليعبثوا بالقدس والأقصى مشعلا فتيل حرب دينية ستكون اسرائيل الخاسر الأكبر فيها وفق رأي كثير من المحللين الاسرائيليين وغير الإسرائيليين.
ولا يبدو نتنياهو الذي يقود ائتلافا حكوميا هشا يقوم على أغلبية صوت أو صوتين في الكنيست قادرأ على الخروج من دائرة العنف والحرب التي فرضها دون ان ينعكس ذلك سلبا على ائتلافه الحكومي الهش. وما زال نتنياهو مليئا بجنون القوة والعظمة وحب البقاء في رئاسة الحكومة، رغم أن الرمال باتت تتحرك من تحت قدميه.
لقد فرض نتنياهو نفسه على الإسرائيليين كقائد يوفر لهم الأمن الدائم بالقوة وليس السلام الدائم القائم على الحق والعدل مع الشعب الفلسطيني. وها هي اليوم حجارة الشباب الفلسطيني تعترض عربة حكومة اليمين وتعطل مسيرتها وتفرض على الولايات المتحدة والامم المتحدة واوروبا التحرك لاحتواء بركان شامل يفرض نفسه على الاجندة الدولية ويشير باصبع الاتهام لإسرائيل كدولة مارقة تستخدم القوة المفرطة ضد أطفال وشباب ونساء فلسطين وتعدمهم ميدانيا، وتستفز مشاعر المسلمين والمسيحيين في العالم باعتداءاتها على الأماكن المقدسة الاسلامية والمسيحيين في القدس وفلسطين عامة.
ورغم أهمية وحساسية الأماكن المقدسة والوضع التاريخي لها ووضع القدس والأقصى بشكل عام فإن انتفاضة الشباب وهبتهم هي انتفاضة حرية واستقلال وتقرير مصير وإنهاء للاحتلال، ولا يمكن لإجراءات ترقيعية لأزمة كالسماح للمسلمين بالصلاة في الأقصى وتركيب كاميرات مراقبة فيه أن توقف الانتفاضة أو تثني شباب الانتفاضة عن أهدافهم التي تتلخص في كلمة أو كلمتين: إنهاءالاحتلال وإقامة الدولة.
ويبدو أن المجتمع الدولي الذي فشل حتى اليوم في إيجاد حل للقضية الفلسطينية وفشل الولايات المتحدة في رعاية المفاوضات يكرر نفسه في معالجة قضية فلسطين ليسجل فشل جديدا في الوصول إلى الحل المنشود والمعلن وهو إنهاء احتلال اسرائيل للأرض الفلسطينية وإقامة دولة فلسطين المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وتنفيذ حق العودة للاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية.