عدم القدرة على دفع إيجارات بيوتنا وصعوبة تأمين حياة كريمة لأسرنا في ظل عدم توفر فرص العمل، وإن توفرت للقلة القليلة منا ففي أفضل الأحوال لا يتقاضى أوفرنا حظاً أكثر من ألف شيكل في الشهر، وهو مبلغ بالكاد يعادل قيمة أجرة شقة سكنية، أما عن المساعدات الإنسانية فلم يعد هناك من يلتفت لضنك الحياة التي نعيشها كأسر غير مصنفة في المجتمع الفلسطيني، فلا أحد يتعامل معنا كلاجئين كي يتم إدراجنا على قائمة الأسر التي تتلقى مساعدات منتظمة من وكالة الغوث، كما لم نصنف كمواطنيين مهجرين كي نتلقى مساعدات من وزارة الشؤون الاجتماعية، وكل ما هنالك مساعدات محدودة متقطعة تقدم للبعض منا مرة كل ثلاثة أو خمسة أشهر من هذه الجهة الحكومية أو تلك المنظمة الدولية، فليس هناك من يهتم بالنازحين حسب ما تم تصنيفنا.
ويقول لسان حال العائلات السورية المقيمة في غزة: "نحن لا نسعى لاتهام هذه الجهة أو تلك بالتقصير في حقنا، بل كل ما نتطلع إليه لحين حل مشكلتنا وعودتنا لبلادنا أو هجرتنا للخارج هو مساعدتنا في الحصول على فرصة عمل ومصدر رزق بعد أن تقطعت بنا السبل ووقع الكثير منا ضحية جشع وطمع البعض ممن أداروا لنا ظهورهم بعد أن عملنا معهم في مهن مختلفة واستفادوا من خبرتنا".
وفي سياق لقاءات منفصلة أجرتها «الحدث»، أجاب أنس قاطرجي المدير التنفيذي لجمعية العائلة السورية عن جملة من الأسئلة المتعلقة بأوضاع العائلات السورية الأصل التي وصلت إلى قطاع غزة منذ أواخر عام 2011 وانتهاءً بآخر حالة وصلت إلى غزة في الخامس والعشرين من أيار الماضي.
س: متى أتيت إلى غزة وماهي ظروف هجرتك من سوريا؟
كانت فكرة الهجرة من سوريا منذ البداية بسبب الظروف التي آلت إليها محافظة حلب من حرب ودمار وبسبب تردي الأوضاع الإنسانية وانقطاع سبل الحياة نهائياً، وفي بداية رحلة الهجرة توجهت إلى الأردن في الأول من شباط عام 2013، ولكن لم تتم الموافقة على دخولي إلى الأراضي الأردنية بسبب رفض الأردن استقبال السوريين باستثناء من يحمل منهم الإقامة فقط، حيث رفضوا دخولي رغم أنني كنت أريد العبور فقط الأمر الذي أجبرني أن أدفع لأحد السائقين كي يكفلني من أجل تأمين دخولي وخروجي من المملكة، وفعلاً دفعت مبلغ 250 دولاراً وتمت كفالتي ونقلني من معبر نصيب إلى ميناء العقبة ومن ثم توجهت إلى مصر عن طريق البحر ومن هناك توجهت إلى القاهرة حيث أقمت فيها لمدة ثلاثة شهور حصلت خلالها على عقد عمل في غزة من قبل أحد أصحاب المطاعم في غزة، وبالتالي توجهت برفقته في الثامن من أيار العام نفسه إلى غزة بعد أن تم الاتفاق على طبيعة وتقاصيل العمل ومعطياته حيث وصلت غزة عن طريق أحد الأنفاق الممتدة في جوف الأراضي الحدودية الفاصلة بين جنوب قطاع غزة والأراضي المصرية باحثاً عن حياة كريمة وعمل أستطيع من خلاله أن أعيل عائلتي في سوريا، التي من أجلها هاجرت.
س: كيف سارت الأمور معك في غزة؟
بعد الحرب الأخيرة التي عشناها في غزة صيف العام الماضي فقدت عملي الأساسي في أحد المطاعم وحاولت بعدها أن أعمل بنفس المجال، ولكن كانت الأوضاع المأساوية من حصار وضعف الأوضاع المادية تحول دون تطور هذه المشاريع، وكنت من المفترض أن أتدبر أمور زواجي حيث أن خطبتي دامت ما يقارب السنة ونصف السنة تقريباً وأصبح الوضع صعباً جداً لأتمم هذه الخطوة إلى أن استطعت بفضل دعم ومساندة أحد الأصدقاء أن أحصل على قرض لكي أتمم هذه الخطوة حيث تزوجت منذ شهرين والآن لدي التزامات مادية صعبة جداً حيث أنني ألتزم بدفع إيجار منزل 300 دولار بالإضافة إلى 200 دولار قيمة القرض وبعض الالتزامات الأخرى وأمور المعيشة الضرورية التي أصبحت بعد الإغلاق المفاجئ للمطعم من شبه المستحيل تأمينها أو تأمين حياة كريمة، ما وضعني في وضع محرج وصعب جداً، وأنا الآن متعطل عن العمل منذ ما يقارب ثلاثة شهور ولا يوجد لدي أي مصدر رزق نتيجة للأسباب المذكورة.
س: ما هي أبرز المشاكل التي تواجه العائلات السورية هنا؟
أبرز المشاكل التي تعاني منها العائلات السورية تكمن في صعوبة تأمين حياة كريمة أو عمل لإعالة أسرهم وخاصة في ظل هذه الظروف الصعبة وأكثر ما يعانون منه هو موضوع إيجارات الشقق، حيث تراكمت عليهم قيمة إيجارات كبيرة لعدم تمكنهم من دفع عدة أشهر متتالية، فضلاً عن الصعوبات التي يواجهونها على صعيد توفير الرعاية الصحية والغذائية لذا بالمجمل العام نستطيع أن نصف أوضاعهم المعيشية بالمأساوية حيث نعيش جميعنا في حالة تقشف تام ونتجنب كافة أشكال الإنفاق فليس هناك زيارات ولا مواصلات وممكن أن يكتفي أحدنا بوجبة غذاء واحدة في اليوم.
س: هل من رابطة أو تجمع يمثل العائلات السورية؟ وما سبب تناقض البيانات المتعلقة بحقيقة عدد العائلات السورية المقيمة في غزة؟
قمنا بتأسيس جمعية العائلة السورية التي نحاول من خلالها أن نؤمن بعض المساعدات الإغاثية لهذه العائلات، وقمت باستلام زمام المبادرة للعمل في هذه الجمعية كمدير تنفيذي، ولكن لم نستطع حتى الآن أن نوفر حلولاً سريعة أو مؤقتة للمشاكل التي تعانيها عائلاتنا، وذلك بسبب الوضع الذي يمر به قطاع غزة، وبسبب تشتت هذه العائلات وعدم تبني الجهات الفلسطينية المسؤولة لأساليب ومعايير واضحة لتقديم الرعاية والخدمات الإغاثية، سيما في ظل وجود بعض الجهات التي عينت نفسها متحدثة باسم السوريين وتلقت دعماً كبيراً في بداية الأحداث واللجوء إلى غزة بينما لم تستفد أغلب العائلات السورية من هذه المساعدات، حيث كانت أغلب هذه المساعدات توجه للعائدين الفلسطينيين من سوريا إلى غزة، والسبب الآخر الذي أثر على العائلات السورية الأصل هو التوجهات السياسية للجهات التي نصبت نفسها كممثلة عن العائلات التي هاجرت من سوريا سواء كانت عائلات فلسطينية أو عائلات سورية السورية لذا كان هناك تضارب وتناقض واضح في تحديد عدد المهاجرين السوريين إلى غزة.
س: ما هي حقيقة عدد العائلات السورية ومن يمثلها هنا والدور الذي تلعبه الجالية السورية في عرض مشاكلها ومعالجتها؟
العائلات السورية الأصل المقيمة في غزة تقدر بأربعين عائلة تمثلهم جمعية العائلة السورية فقط والجمعية تحاول أن تعرض مشاكلها على كل الجهات المختصة حيث وفرنا لهم مساعدات بسيطة جداً لا تتلاءم وتلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم وتخفيف معاناتهم، حيث حصلنا على مكرمة من الرئيس محمود عباس في أول أيام عيد الأضحى الماضي بقيمة 300 دولار فقط لكل عائلة، وأستطعنا أن نؤمن لعائلة منكوبة بعض الأجهزة الكهربائية وقمنا بتنظيم يوم ترفيهي لأطفال سوريا بالتعاون مع إحدى الجمعيات الخيرية في القطاع، وهذا جل ما استطعنا أن نقدم لهم.
س: إن كان هناك تقصير في دور الجهات الفلسطينية المسؤولة، فما هو وجه التقصير؟ ومن برأيك من الطرف الفلسطيني الذي يفترض أن يتبنى قضية الأسر السورية؟
لايوجد تقصير بمعنى تقصير، فكما ذكرت سابقاً تم التعامل مع الملف السوري وتقديم المساعدة لهم بشكل كبير، ولكن كان عائداً على العائلات السورية الفلسطينية فقط وعددها 240 ولم يكن في ذلك الوقت أي جهة تفرق ما بين السوري والفلسطيني الذي كان يقيم في سوريا، وبالتالي فإن أغلب العائلات السورية لم تستفد من أي مساعدة قدمت سابقاً، وذلك بإستثناء بعض العائلات السورية التي استفادت من عقود البطالة المؤقتة والمساعدة التي تقدمها وزارة الشؤون الاجتماعية، والتي تقدر ب750 شيكلاً بواقع مرة كل ثلاثة أشهر، بينما أغلب العائلات لم تستفد من هذه المساعدة ولا من تلك، حيث قيل لنا أن كل أشكال المساعدات من الحكومة توقفت بسبب حالة الانقسام المأساوية، ومن هنا أطالب كافة الجهات السياسية والحكومية بتبنى قضية العائلات السورية التي لا تشكل رقماً في غزة فعددنا 40 عائلة وجميعهم لا يحصون أكثر من 140 شخصاً حيث أن جمعية العائلة السورية تصنف العائلة السورية إن كان الأب رب الأسرة سوري أو إن كانت الأم سورية، وبطبيعة الحال إن كان كلاهما سوريين، أما إن كانوا من الفلسطينيين المقيمين في سوريا وليس الزوج أو الزوجة سورية فلا يتم تصنيف هذه العائلة كعائلة سورية.
س: هل هناك من حاول أو استغل ارتباطه أو ارتباط زوجته بالسوريين وحصل على مساعدات بطريقة غير شرعية واستغل معاناة الأسر السورية في غزة؟
هناك الكثير ممن استغلوا كلمة سوري وقاموا بالتوجه إلى جمعيات ومؤسسات وأخذوا الكثير من المساعدات بحجة أنهم يريدون أن يساعدوا هذه العائلات، وكل ما كانوا يحتاجونه هو صور جوازات السفر التي جمعوها من عائلات لم تكن تعلم ما يدور من خلف الكواليس.
س: رحيل العائلات السورية امتد على مدار فترات طويلة متى بدأت ومتى كان آخر من وصل منهم إلى غزة؟ وكيف تصف مشقة الهجرة من سوريا إلى غزة؟
بدأ الرحيل في أواخر سنة 2011 وآخر حالة وصلت إلى قطاع غزة كانت بتاريخ في الخامس والعشرين من أيار الماضي، طبعاً كانت رحلة شاقة وخاصة بمرورها بمصر وذلك لأن مصر أصبحت تعامل السوريين بشكل سلبي جداً، وأغلب العائلات لجأت إلى قطاع غزة بسبب سوء الأوضاع في مصر.
س: كيف تنظرون لمستقبل العائلات السورية في غزة والشتات بشكل عام؟
إن نظرة النازح السوري للمستقبل نظرة تشاؤمية بسبب الأوضاع اللإنسانية التي يعيشونها في ظل الوضع الراهن، حيث لا يجد السوريون النازحون أي مستقبل يمدهم بالتفاؤل، وخاصة أننا نواجه الآن جيلاً نشأ على الحقد والتطرف والكراهية العرقية والطائفية والدينية، فلم تعد العائلات تشعر بالدفء الذي كانت تحيا به في سوريا، حيث كنا لا نفرق بين دين أو طائفة أو مذهب أو قومية، فسوريا كانت تجمع بين ما يقارب الـ 12 ديانة ومذاهب وقوميات، منهم الإسلام بأطيافه والمسيحية بأطيافها والأكراد والأرمن والأشوريين والكثير الكثير من هذه الطوائف كانت تحيا شعباً واحداً، أما الآن فقد أصبحنا فتاتاً وأصبحنا أشلاء وطن، ونتواصل مع من تبقى من أهلنا في سوريا بصعوبة شديدة بسبب الحرب الدموية الدائرة هناك.
مهاجرة من مخيم اليرموك
أما المواطنة السورية كناز راجح فتروي تفاصيل هجرتها وزوجها الفلسطيني الأصل من مخيم اليرموك بقولها: "وصلت برفقة زوجي وأطفالي إلى غزة قادمة من سوريا في شهر حزيران من عام ٢٠١٣ بعد مشقة وعناء وحاولات متكررة للهجرة، حيث بدأ تفكيرنا بالهجرة مع بدء الأحداث الدامية في مخيم اليرموك حيث كنا في بادئ الأمر نرفض النزوح، ولكن مع اشتداد القصف والحصار والتجويع أصبح البقاء في المخيم محفوفاً بالخطر الشديد، حيث كنت أقضي اليوم في محاولات الخروج من المخيم والوقوف على حاجز النظام لساعات طويلة لإحضار الحاجات اليومية لأطفالي من خبز وطعام، حالي كحال كل من آثر البقاء فيه، ولكن نظراً لخوفي الشديد من تعرض زوحي للاعتقال كنت أخرج في أوقات الفجر وأقف على الحاجز ما يقارب الست ساعات لأخرج إلى العاصمة وأحضر الأغراض ثم أعود مجدداً للوقوف لساعات على المخبز من أجل الحصول على الخبز الذي كان قوت يومنا وعند العودة نقف نفس الوقت للدخول وسط تعرضنا لكل أنواع التفتيش والشتائم والإهانات، وبطبيعة الحال أعود للمخيم وسط الظلام الدامس نتيجة للانقطاع التام للتيار الكهربائي لإضافة إلى ما يهدد عودتي إلى البيت وسط إطلاق القذائف وإطلاق الرصاص ومشاهداتي لكثير من الأموات والأشلاء".
وأضافت: "بعد ستة أشهر من المعاناة قررت السفر بسبب اقتراب انتهاء إقامة زوجي الذي يحمل وثيقة سفر مصرية، ورفض الدولة تجديد هذه الإقامة، وقمت بالحجز لمصر وخرجت مع زوجي وأطفالي الثلاثة من المخيم، وبفضل الله تعالى خرجت بهم أحياء وركبنا الطائرة ووصلنا مصر، وهناك تم توقيف زوجي والأطفال والسماح لي بدخول الأراضي المصرية، وبعد رفضي الشديد والمحاولات العديدة سمحوا له بدخول مصر والبقاء لمدة شهر واحد فقط، وهنا فكرت بالدخول لقطاع غزة وحاولنا الوصول إلى معبر رفح وهناك رفضوا دخولنا بسبب عدم حصول زوجي على جواز سفر فلسطيني أو رقم وطني، ولكي نتجنب خطورة البقاء في مصر مدة أطول وتعرض زوجي للاعتقال بعد انتهاء الفترة المسموح له بالأقامة، اضررنا لدخول غزة عبر الأنفاق وذلك رغم كل المخاطر التي واجهتنا إلا أنها كانت أهون علينا من البقاء أو العودة إلى سوريا، فوصلنا إلى غزة وشعرت بالراحة إلى أن بدأنا نواجه مشكلة عدم توفر العمل وصعوبة تأمين السكن وتأمين المعيشة".
وتابعت: "بعد نحو شهر من وصولنا بدأت الحرب على غزة وتجدد خوفي من كل شيء، وأهم شيء خوفي من أن يلقى بأسرتي إلى الشارع بسبب عدم دفع الإيجار وانعدام العمل وحياة الأطفال الذين عانوا بما فيه الكفاية، ولم أجد حتى الآن أي طريقة لأحسن من هذه الظروف، وكل يوم أعيش مع شبح الطرد الذي يتهددني وعائلتي أو خشيتي من أن يمرض أحد أطفالي، واتمنى من الله أن نفيق من هذا الكابوس وأجد طريقة لتحسين هذه الظروف المأساوية التي نعيشها".