مقال رئيس التحرير
سامي سرحان
حدد الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية المشروعة بالارتكاز للقانون الدولي ووفق ما نصت عليه القرارات الأممية منذ بدء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وباتت هذه الحقوق واضحة جلية لكل فلسطيني، يجهر بها في كل مناسبة وفي كل محفل دولي، وتؤكد عليها القيادة الفلسطينية بكل جولة من جولات المفاوضات مع حكومات إسرائيل المتعاقبة.
وهذه الحقوق تتمثل في:
- دولة فلسطينية مستقلة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967، وليس على أساس حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وليس في القدس الشرقية، وبما يشمل المسجد الأقصى والبلدة القديمة.
- حل قضية اللاجئين، وفق القرار الأممي 194 ومبادرة السلام العربية. وحق العودة والتعويض يأتي في صلب القرار المذكور، وهو حق طبيعي وتاريخي وقانوني لكل لاجىء هُجر من أرضه ومسكنه عام 1948 واستولت دولة إسرائيل الناشئة وقتها على أرضه وممتلكاته حتى اليوم، وهو حق لا يسقط بالتقادم، ولا بقيام دولة أو زوالها، وعودة اللاجىء تحديداً إلى أرض فلسطين التاريخية حيث نشأ وحيث يملك الأرض والمنزل والمفتاح. وإسرائيل تتحمل مسؤولية تهجير الفلسطينيين بفعل العمليات العسكرية وما رافقها من مذابح وترويع للسكان المدنيين والحيلولة دون عودتهم إلى قراهم بعد وقف العمليات العسكرية وقيامها بهدم ما يقارب 450 قرية وبلدة وتركها أطلالا بعد أن كانت عامرة بأهلها. وقضية اللاجئين ستظل محركاً للصراع ما لم تجد حلا يقبل به اللاجىء الفلسطيني في العودة والتعويض وفق نص القرار 194.
- انسحاب سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن أراضي الدولة الفلسطينية انسحاباً كاملاً يُنهي الاحتلال ويعيد السيادة كاملة للشعب الفلسطيني على أرضه وما تحتويه من ثروات طبيعية ومياه وعلى أجوائه وعلى مياهه الإقليمية.
- إجلاء جميع المستوطنات، من أراضي الدولة الفلسطينية العتيدة، وليس هنالك أي اعتبار للمستوطنات أو أية متغيرات أو أي واقع فرضه الاحتلال على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 لأن الاستيطان غير شرعي ومخالف للقانون الدولي ويشكل جريمة حرب بموجب القانون الدولي الإنساني وميثاق روما.
- الضفة الغربية وقطاع غزة وحدة واحدة جغرافياً وسياسياً، وهي أرض الدولة الفلسطينية، بعاصمتها القدس الشرقية.
إن حكومة إسرائيل تروج لحلول وصيغ وتدعي أنها سترِد في الخطة التي يعدها السيد جون كيري كتعريف الدولة في الاتفاق وتدعو إلى الاعتراف باسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي. وهذا الاعتراف يعني أن الشعب الفلسطيني حتى عام 1984 كان يعيش أو (يحتل) وطن اليهود القومي، وليس من حق أحد من لاجئي 48 العودة. ووفق تفسير أحد المحللين فإن على الشعب الفلسطيني أن يدفع تعويضات لليهود لاحتلاله أرضهم وتشريدهم في أقطار المعمورة. والتاريخ يؤكد أن اليهود لم يكونوا شعبا أو قومية بل هم أفراد اتباع ديانة من الديانات السماوية ومنهم من هو عربي عاش بين العرب أو أثيوبي أو روسي أو ألماني والدين وحده لا يؤسس لقومية أو لدولة.
والأمر الآخر الذي يهدد شعب فلسطين أن فلسطيني عام 48 لن تعترف بهم إسرائيل بعد ذلك كمواطنين في دولة اليهود وبالتالي فإن الترانسفير في انتظارهم. وما يجري هذه الأيام لعرب النقب كاشف لنوايا الحكومة الإسرائيلية ويعيدنا إلى مناخات نكبة عام 48 إضافة إلى ما ينتظر أهلنا في الجليل والمثلث من طروحات إسرائيل حول تعديل الحدود وتبادل الأراضي والسكان؛ المخالفة للقانون الدولي الإنساني وبخاصة اتفاقية جنيف الرابعة.
إن إسرائيل تبدي في الظاهر تبرؤها من مساعي وزير الخارجية الأمريكي كيري ومن إصراره على التوصل لاتفاق إطار، وتدعوه إلى ترك إسرائيل وشأنها. إلا أنها تدفع من خلال ما تُسربه من «معلومات» ربما تكون مضللة باتجاه أن يأتي رفض خطة كيري من الجانب الفلسطيني لتحميله المسؤولية أمام الأمريكيين والعالم عن فشل جهود كيري للسلام كما حدث في كامب ديفيد عام 2000، فلم يكن الرئيس بيل كلينتون مُنصفا عندما حمّل الجانب الفلسطيني وأبو عمار مسؤولية الفشل كما لم يكن مندوبه دنيس روس مُنصفا أيضا عندما قسّم الفشل بين الإسرائيليين والفلسطينيين ولكن بنسبة أكبر للفلسطينيين.
وهذا ما يجب أن تلتفت إليه القيادة الفلسطينية التي خبرت تجربة كامب ديفيد وعاشتها لحظة بلحظة حتى لا تتكرر. ويدرك الشعب الفلسطيني والعربي والعالم أن القيادة الفلسطينية بمقدار ما هي متمسكة بعملية التفاوض كخيار لا بديل عنه للوصول إلى حل للصراع فإنها متمسكة بالثوابت التي تحفظ حقوق شعبها غير القابلة للتصرف وفقا لما أقرته الشرعية الدولية ومن منطلق استراتيجية الحقوق المستندة للقانون الدولي.
وواقعية القيادة وإدراكها للظروف الفلسطينية والعربية والدولية لن يدفعها للقبول بحلول ترقيعية تحت غطاء الواقعية أو الرغبة الدولية أو تحت إلحاح وزير الخارجية كيري الذي ضرب الرقم القياسي في عدد زياراته للمنطقة. إننا نقدر جهود السيد كيري، فإذا نجحت مساعيه في الوصول إلى اتفاق عادل فمن الطبيعي أن يوقعه الجانب الفلسطيني وله أجران، وإن فشلت جهوده، وهذا ما لا نتمناه أبدا، فله أجر المحاولة.
ولعل الأيام والأسابيع القادمة أو الأشهر المتبقية من هذا العام تكشف لنا ما في جراب الحاوي