الدكتور أحمد عبد المنعم عقيلي / ناقد وأستاذ جامعي
يتضح للمتأمل في رواية الروائي الفلسطيني محمد مهيب جبر، (6000 ميل)، الصادرة عن “الدار العربية للعلوم-ناشرون” في طبعتها الثانية، أنّ العمل الروائي الذي صدر في العام المنصرم 2013، ما هو إلا محاولة لتسليط الضوء على قضية عربية إنسانية لطالما عالجها الكثير من الروائيين العرب، وهي قضية فلسطين الحبيبة التي سرقها الغزاة ودنسوا أرضها، وشرّدوا أهلها في المنافي الممتدة على مساحات العالم، ولكن رواية الكاتب محمد مهيب جبر تتميز في أمور عدة سنسلط الضوء عليها في هذه القراءة النقدية.
والكاتب محمد مهيب جبر من مواليد مدينة نابلس، تلقى تعليمه فيها، وأتم دراسته الثانوية في كلية النجاح الوطنية عام 1972، ثم درس الأدب الإنجليزي في الجامعة اللبنانية في بيروت، وفي عام 1976 انتقل للعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة، وأصبح عضواً في أسرة تحرير جريدة الخليج، حيث يشغل الآن مركز مدير التحرير المساعد فيها.
له العديد من الأعمال الروائية والقصصية والمسرحية، لعل من أهمها روايته التي بين أيدينا.
والمميز في هذا العمل الروائي، والذي يجعله مختلفاً عن معظم ما كُتب، أنه استطاع أن يقارب حقيقة إنسانية مأساوية، هي معاناة المهجّرين الفلسطينين، والمحن والمصائب التي تعرّض لها الشعب الفلسطيني، فأضاع جيله الجديد بوصلته ولم يعد يعرف جذوره، فالآباء الذين هجّروا بعد النكبة، أنجبوا أولاداً في بلاد الاغتراب، وهؤلاء الأولاد أفاقوا على أرض وواقع جديد، لا علاقة له بماضيهم وبتاريخهم وأجدادهم، وهنا عقدة العمل الروائي ومقولته، وهي إشكالية الانتشار العشوائي للفلسطينين في الشتات من جهة، وانقطاع الإنسان الفلسطيني عن جذوره وتاريخه من جهة أخرى، وهنا تبرز شخصية البطل الذي يمثل الضمير العربي الفلسطيني الحي الباحث عن جذوره، وهو “بيت مارتينيك” الذي يعيش غربة ما بعدها غربة وهو بين أسرته زوجته وولديه، ولكنه يتساءل عن أصله وجذوره، خصوصاً أنّ والده لم يترك له أي أثر أو دليل عن جذوره أو أجداده، أو مسقط رأسه، وهنا الغربة مضاعفة ومزدوجة، غربة عن الذات، وغربة عن الماضي والتاريخ والأجداد والجذور.
وقد استطاع الكاتب أن يعالج هذه القضية التي تمثل الفكرة المحورية التي دارت كل أحداث العمل الروائي في فلكها، من خلال عناصر العمل الروائي في حبكة محكمة، مستخدماً السرد وعناصره، موظفاً الشخصيات بنوعيها الأساسية والثانوية، إضافة إلى الزمكنة من خلال عنصري الزمان والمكان، أمّا السرد فقد أخذ لدى الروائي محمد مهيب جبر، اتجاه السرد المباشر الذي يعتمد على مواجهة القارئ، من خلال تقديم أحداث وتفاصيل واضحة ومباشرة، تمكن القارئ من متابعتها بدقة ومن دون تشويش أو شرود، فالقضية واضحة مذ قرر “بيت مارتينيك “ أن يغادر جزره ويودع زوجته وولديه ميمماً وجهه تجاه أرض أجداده باحثاً عن جذوره وجذور أجداده، وعن مسقط رأس والده الذي مات في حسرة ولوعة بعيداً عنها، حتى إنه لم يستطع أن يوارى جسده في ترابها.
والرواية تجمع بين الذاتية والتاريخية، فهي ذاتية تعالج قضية إنسان باحث عن جذوره، وأصول عائلته، “بيت مارتينيك “ ، وتاريخية لأنها لا تمثل “بيت مارتينيك “ وحده، فهو ليس إلا نموذجاً وحالة من بين آلاف الحالات لبشر فقدوا موطنهم وشردتهم يد البغي بعيداً عن وطنهم وموطن أجدادهم، بما فيه من تراث وتاريخ وآثار إنسانية خالدة.
وقد استطاع الكاتب جبر أن يسلط الضوء وبوضوح على الدور الجهنمي الشيطاني الذي لعبته يد الصهيونية في محو هذا التاريخ وتجييره إلى مصلحتها في محاولتها طمس ملامح التاريخ العربي الفلسطيني، وهو الأمر الذي عبّر عنه “ أوري ليفي “ في حواره مع “بيت مارتينيك “، حين أكّد له أن لا دلائل ولا أثر باق لأجداده يفيده في معرفة جذوره أبداً.
ولكنّ الروائي جبر استطاع تحقيق ذلك برؤية تخيلية أسطورية لعلها تمثّل الولادة بعد الموت، والحياة بعد الفناء، فقد يكون “بيت مارتينيك “ رمزاً جمعياً للإنسان العربي الفلسطيني الذي نفض عن نفسه غبار النسيان والضياع، وانبعث من جديد للبحث عن التاريخ والجذور، وذلك في زمن أضحت فيه المادة والبراغماتية هي أساس الحياة البشرية، وحلت محل الإنسانية والعلاقات الاجتماعية التي نشأ عليها الإنسان العربي، ولعل رحلة العودة خير دليل على ذلك فهي تمثّل رحلة العودة من أجل استذكار الذات، ومحاولة إحياء ما مضى واندثر.
وقد جعل الكاتب جبر هذه الرحلة في ثلاثة أقانيم: الأول رحلة عذاب مضت قديماً، وقد تمثلت في مأساة الاجتياح الصهيوني، وما ترك خلفه من معاناة للشعب، والثانية رحلة النزوح والتهجير، والتي كان والد “بيت مارتينيك “ أحد ضحاياها، والثالثة رحلة العودة للبحث عن الجذور والتاريخ، وهي المرحلة التي برزت بوضوح أكثر في رواية الكاتب جبر، ولعلها المرحلة المحورية والمفصلية في الرواية...
وكما أسلفت سابقاً لعل من المرجح أن نعتبر “بيت مارتينيك “ رمزاً للذات العربية الفلسطينية، التي عانت من التهجير والقمع، وعاشت غريبة في مهجرها، وجاء أبناؤها من بعدها ليجنو ثمار هذه الغربة، وهي الغربة التي توالدت عبر التاريخ العربي الفلسطيني منذ النكبة في أمكنة مختلفة، وهنا غربة الزمان والمكان، فالفلسطيني غريب سواء أكان في الأرض العربية أم في أوروبا والأمريكيتين، وغيرها من بلاد الغرب، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهو غريب في الزمان أيضاً فالعمر ينقضي والجذور تندثر، والأبناء يجهلون تاريخهم، ومن بعدهم الأحفاد، وقد ترى حفيداً ممن نشأ في أمريكا يعتبر فلسطين يهودية أو لا يعرف أين تقع فلسطين أصلاً.
و”بيت مارتينيك “ ووالده الذي قضى بعيداً عن أرضه وعن وطنه ومسقط رأسه، ليسا إلا امتداداً للفرد الفلسطيني وللذات الفلسطينية، وقد جاء الأدب مرآة تعكس الألم الفلسطيني الجمعي، وليست العودة وقطع مسافة ستة آلاف ميل إلا رمزاً للاستيقاظ من وسن النوم والغفلة والاغتراب الفكري عن الجذور، ومحاولة جادة لنفض الغبار غبار الذل والضياع والعودة من جديد،
وهنا وظف الكاتب جبر تقنية الزمكنة فالعمر الذي قضاه والده في فلسطين أصبح موروثاً في عقول الأجداد، والعمر الذي قضاه هو في جزر بعيدة عن وطنه هو واقعه المعيش، وقرار السفر إلى أرض الوطن وجرأة الطرح تمثل النظرة المستقبلية الرافضة للانصياع إلى سياسة المحو الصهيونية الساعية إلى طمس معالم التاريخ العربي واستبداله بتراث يهودي لا أصل له، وذلك بقطع الصلة بين الأجداد والأحفاد من أبناء فلسطين، وهنا يكون الكاتب جبر قد حقق ثلاثية الزمان الماضي والحاضر والمستقبل، وثلاثية المكان أرض الأجداد والآباء فلسطين الحبيبة، وأرض المهجر التي ولد فيها، والعودة مرة ثانية إلى مسقط رأس آبائه وأجداده ولكنها أرض لم تعد كما كانت إذ تحول وجهها العربي إلى وجه يهودي مصطنع، وهنا دور “بيت مارتينيك “ في إثبات وجوده وأنه الخلف الذي يحاول إحياء ما قدمه السلف، ولعله مثال للضمير العربي الفلسطيني الحي الرافض للضياع ضياع الهوية والأصول، وهو ما عبّر عنه الكاتب جبر بلسان حال “بيت مارتينيك “ حين أكد جذوره العربية الفلسطينية بقوله: كلا لست يهودياً، في إجابته على سؤال اليهودي “ أوري ليفي “ ، العسكري المتقاعد في جيش الاحتلال الصهيوني، ص 28 ،ولعل عنصر الحوار هنا يمثل ثنائية الحق والباطل، المغتصِب والمغتصَب،” فأوري ليفي “ يحاول أن يؤكد حق اليهود في أرض فلسطين مع قناعته الداخلية بكذب ادعاءاته، و”بيت مارتينيك “ يحاول التأكيد على الوجود العربي الفلسطيني في أرض فلسطين أرض الأجداد وليست عودته إليها من جديد، للبحث عن جذوره إلا تأكيداً على هذه الحقيقة وهي عروبية أرض فلسطين. ولكنّ عدم إتقان “بيت مارتينيك “ للغة العربية اللغة الأم دليل واضح على العلاقة الضعيفة والمهزوزة بين الأحفاد والأجداد ، ولعلّ الذنب ليس ذنب “بيت مارتينيك “ بل ذنب والده الذي لم يعلمه العربية ولم يقدم له أية معلومات عن أرضه وعن أجداده وجذوره، حتى اسم مسقط رأس والده وأجداده لا يعرفه، وهنا تلعب الرمزية دورها بوضوح، فجهل “بيت مارتينيك” بالعربية من جهة والطائرة التي استقلها عائداً للبحث عن جذوره، ولقاؤه بيهودي صرف، والحوار الذي جمعهما من جهة أخرى ما هي إلا رموز لثنائية الحق والباطل، الوجود والضياع، والبحث عن الوطن، والخوف من اهتزاز الطائرة ليس إلا خوفاً من ضياع الوطن والسقوط قبل الوصول إلى الحقيقة وإلى الهدف.
ولقد أجاد الكاتب جبر فن التصوير موظّفاً القراءة الأفقية والعمودية للواقع الإنساني للذات الفلسطينية، فتتمثل له تلك الذات ذاتاً مضطربة مشوشةً، لا تعرف شيئاً عن جذورها، وهو ما انعكس في التساؤلات والاستفسارات الكثيرة التي قدمها “بيت مارتينيك “ من دون أن يجد لها إجابة، أو تفسيراً.
وبالمقابل صورة اليهودي “ أوري “ الذي تسلح بقوة ومصداقية كاذبة ظاهرة الثقة العالية بالنفس وبالوطن إسرائيل، ولكن باطنها جملة من الاستفسارات التي لا تجد جواباً مقنعاً في رأس “ أوري “ مما جعله يمتعض ويتأفف ويكره اللحظة التي جمعته بـ”بيت مارتينيك “ لما أثارته في نفسه من أسئلة لا يجد لها إجابات مقنعة بينه وبين ذاته على الأقل.
إذاً فإنّ الفكرة الجوهرية التي حاول الكاتب جبر أن يؤكدها في هذه الرواية ويشير إلى خطورتها هي فكرة الضياع والنسيان، نسيان الوطن والجذور والذي تمثّل في عدم معرفته اسم البلد أو القرية التي ولد فيها والده، والثانية عدم معرفة الأقارب واسم العائلة والجذور، والتي تمثل نسيان الأصول والشعب الذي يجري دمه في عروقه، وهنا يتساءل الكاتب عن الحل، فيرى أن الحل موجود رغم الصعاب، وأنّ الأمل موجود رغم المآسي، وأن الضوء يلوح رغم الظلام، والحل يتمثل في تحريض الأبناء والأحفاد على العودة والانبعاث من رحم الضياع والارتداد إلى الذاكرة ودحر سحب النسيان، وعدم التذرع بعدم وجود المرجعية وضياعها، فإن لم يجد “بيت مارتينيك “ اسم عائلة أبيه وأجداده، وإن كان هذا الإيجاد من المستحيلات، فهو في النهاية فرد فلسطيني يجري في عروقه الدم الفلسطيني وكل أبناء فلسطين أخوته وأهله في الدم، وعندها لا مشكلة إن أضاع اسم عائلة أبيه أو اسم قريته، ففلسطين كلها أرضه وشعبها كله شعبه، وهو الأمر الذي وصل إليه “بيت مارتينيك “ في النهاية حين شاهد الحيفاوي والتقى باليافاوية السمراء وإصرارهم جميعاً على عروبة فلسطين، وتثبيت اللحظة والوجود من خلال رمز الكتابة على الحجر الذي كانت تقوم به تلك الفتاة الفلسطينية الباحثة عن جذورها.
ولعل الجديد قي رواية الكاتب جبر، ملامسته قضية جديدة قلّ التعامل معها وهي أنّ معظم الروايات التي تتناول فلسطين والقضية الفلسطينية تقوم على نفس المقاومة وكون البطل منحدراً من أب وأم فلسطينيين، والعقدة تدور حول قضية المقاومة والممانعة للتأكيد على الوجود العربي الفلسطيني الرافض للذل والهوان والضياع، وتأكيد حق الحياة على أرض فلسطين ودحر الغزاة.
في حين جعل الكاتب جبر “بيت مارتينيك “ ابناً لأم ليست فلسطينية بل وليست عربية، وهنا تفتقد حلقة الأم الفلسطينية التي لطالما كانت المحفّز والمحرض للفتى الفلسطيني للنضال والكفاح، في معظم الروايات التي تناولت القضية الفلسطينية، وهنا رسالة واضحة من الكاتب إلى آلاف الفلسطينين الذين ولدوا من أمهات غربيات ونسوا جذورهم وتاريخهم بل وحتى لغتهم الأم . وتأتي دعوته إلى الاستيقاظ والنهوض والعودة إلى الذاكرة، والبحث عن الجذور، وهو ما تمثّل في محاولة “بيت مارتينيك” الذي استيقظ من غفلته وشعر بخطورة عمله وهو انقطاعه عن تاريخه وتراثه، فحتى أولاده تسمّوا بأسماء غربية لا تمت بصلة إلى العروبة فأحدهما “ بالدوين “ والأخرى “ آندرين “، وإذا كان “بيت مارتينيك” لا يعرف اسم عائلة أبيه وقريته، فحكماً سيكون الأولاد لا يعرفون أصلا ما هي فلسطين وأين تقع، وهنا الطامة الكبرى.
ولا يترك الكاتب جبر الباب مغلقاً على نفسه يحيط به اليأس وسواد الضياع، بل يبث الأمل وينير ضوء الحياة، فالباحث عن الحقيقة يجدها، وإن صعب الوصول إليها، وهو ما تمثّل في شخصية الشاب الحيفاوي الذي كان مثالاً للفلسطيني الخالص العروبة والذي كان النور الذي اهتدى به “بيت مارتينيك “، وفي سائق سيارة الأجرة ذي الأصول المقدسية الذي حدّث “بيت مارتينيك “ عن التهجير اليهودي للشعب الفلسطيني وعن استيلاء الصهاينة على البيوت الفلسطينية وارتكابهم أفظع المجازر فيها وبحق أبنائها، ولعل بيت أم كامل رمز لبيوت كثيرة هدمت وهجّر أصحابها، وأخرى استولي عليها، وهو استيلاء مستمر وإجرام متكرر لا حدود له، والدليل أن بيت أم كامل تم الاستيلاء عليه في فترة متقدمة عام 2009م، ولا بد من وقفة قوية لإيقاف هذا الإجرام والمحو للهوية العربية الفلسطينية.
وفي شخصية الرجل العاجز الفاقد البصر في مخيم العروب الذي أكد لـ”بيت مارتينيك “ عدم جدوى البحث عن اسم العائلة وعبثية هذا البحث، وأنّه لا ضرورة لهذا البحث مادامت هناك عائلة كبرى تضم كل أبناء فلسطين هي عائلة الشعب الفلسطيني الواحد ذي الدم الواحد والتاريخ الواحد والآلام والآمال الواحدة، في كل زمان ومكان، لأن الأرض واحدة والتاريخ واحد والعدو واحد .
وعلى العموم فقد استطاعت الرواية أن تلامس وبعمق وبقوة قضية مهمة وهي التأكيد على خطورة الانقطاع عن الجذور وعن الذات والتاريخ، والاقتناع بالتشتت والثبات على الحاضر ونسيان الماضي والجذور.
وقد وظّف الكاتب عناصر الحوار المباشر الذي تركز في معظمه بين الحق والباطل متمثلاً في “بيت مارتينيك “ و “أوري ليفي “، ومع موظفي المطار من جهة، وفي الحوار مع نبض الأمل وضوء الحق متمثلاً في الحيفاوي وسائق السيارة والرجل العاجز من جهة أخرى.
كما كان للشخصيات حضورها المؤثر والفاعل متمثلة في شخصية البطل الرئيسية “بيت مارتينيك “ والشخصية المناقضة “ أوري ليفي “ وفي شخصيات مهمة ومتممة ممثلة في الحيفاوي والفتاة السمراء والرجل العاجز، وسائق سيارة الأجرة المقدسي، إضافة إلى شخصيات متممة ثانوية ممثلة في موظفي المطار وعناصر الأمن.
وكذا في عناصر الزمان والمكان والذي أصر فيها الكاتب غالباً على التسمية العربية في مسجد حسن بيك، والكنيسة كنيسة القلعة، ومحطة القطارات القديمة، مؤكداً بالمقابل على تأكيد اليهود على استبدال الأسماء العربية بأسماء يهودية عبرية، وكان ذلك واضحاً من امتعاض “بيت مارتينيك “ من الأسماء المكتوبة بالخط الأزرق العريض باللغة العبرية .
كما كان للأسطورة وجود مهمّ في الرواية وهو ما ينم عن عمق ثقافي لدى الكاتب، من ذلك تصويره للأرق الذي كان ينتاب “بيت مارتينيك “، إذ أورد “ أريز “ ، وابن “ زيوس “ ، و “هيرا “ إله الشهوة والدم، ص 101، و “ ايزيس “ التي كان قدرها البحث عن أوصالها المتناثرة في العالم ص 175 .
ومن تواشج هذه العناصر كلها ومن تعاونها مع بعضها استطاع الكاتب أن يرسم لوحة واضحة لفكرته المحورية التي تشكلت من أفكار جزئية عدة، لتكون بالنهاية رسالة واضحة للإنسان العربي الفلسطيني كي يبقى متصلاً بجذوره وبأرضه، داعية إلى العودة إلى الوجدان الجمعي العربي الفلسطيني، والانطلاق من هذه العودة إلى هدف لا يجب التخلي عنه مهما كانت الظروف، وهو العودة إلى أرض الآباء والأجداد أرض فلسطين، والارتباط بجذورها، لترسيخ وجودها في نبض كل عربي في ذاكرته وفي حاضره وفي مستقبله.
هذه رؤية نقدية سريعة لهذا العمل الروائي الرائع الذي أجاد فيه كاتبه وأبدع، فاستحق بكل أمانة التكريم، والرواية تحتاج دراسة نقدية معمقة لعلها تشكل كتاباً كاملاً، ولعله ما سأقوم به في قابل الأيام بإذن الله تعالى.