جهاد حرب
حققت دعوة نقابة الموظفين للإضراب هذا الاسبوع نجاحا فاق التوقعات، جاء ذلك بسبب حالة الشعور لدى الموظفين بأن الحكومة غير صادقة في تعاملاتها مع القضايا التي تواجه المجتمع. بل يسود الاعتقاد عند الموظفين أن الحكومة "تكذب"؛ فهي لم تُفعل الاتفاقيات مع نقاباتهم ولا تحترم وعودها، وتقول إنها أمّنت الرواتب دون وصول أية مساعدات خارجية لكنها تغرق بالديون في اليوم التالي ما يجبر أصحاب محطات تعبئة الوقود على الامتناع عن تزويد المؤسسة الامنية بالمشتقات البترولية. كما تغرق هذه الحكومة بالدفاع عن نفسها والتباهى في محاولة لإقناع الناس بأفضليتها على سابقتها دون تحقيق انجاز ملموس؛ فهي لم تقدم برنامجا حكوميا، أو رؤية واضحة لعملها، وما زالت تعتمد على خطة كيري للإنعاش الاقتصادي "اذا جاءت"، كأن شبح حكومة د. سلام فياض تلاحقها، وهي فوق كل ذلك تريد شق نقابة الموظفين.
لم يَفْهَم بعضُ أقطاب الحكومة أن النقابات في الاراضي المحتلة ليست كالاتحادات الشعبية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية لا في سياقاتها أو ظروفها أو أدوات عملها، وان ولاءها لجمهورها يحصنها ويَزدها قوة. كما ان تصاعد قوتها يكمن بمدى تعنت الحكومة من جهة، ومقدار المواجهة مع الحكومة من جهة ثانية. فأي محاولة لكسر النقابة أو شقها أو الالتفاف عليها أو خلق قيادات بديله على الاغلب هي فاشلة. وأدعو الوزراء والمسؤولين الى اعادة قراءة تاريخ الحركة الوطنية في الاراضي المحتلة لأخذ العبر ففي فلسطين أيضا ديوان المبتدأ والخبر.
مازلت على موقفي بمعارضة الاضراب في الوظيفة العامة بالشكل المستخدم؛ أي الامتناع عن الحضور والمكوث في المنازل، خاصة في ظل الحصول على الرواتب الشهرية. فالإضراب من حيث المبدأ حق مشروع لا جدال فيه، وهو وسيلة مهمة في النضال الاجتماعي والمطلبي، وسلاح فعال للنقابات على اختلاف انواعها. لكن النقاش والجدال يَنْصَبُ على طريقة الاضراب وشكله وتوقيته والغايات من استخدامه بهدف تعظيم القوة الخاصة بالعمل النقابي، أو بمعنى أدق الاستخدام الأمثل لأشكال ووسائل النضال النقابي. ومازلت أعتقد أن الامتناع عن العمل أثناء حضور الموظفين ودوامهم في مؤسساتهم أكثر جدوى وأكثر ضغطا على الوزراء ومن شابههم في المناصب طبعا.
عودة الروح لنقابة الموظفين جاء لتيه الحكومة وعدم فهما أهمية العمل النقابي والنضال المطلبي، فتارة تحول المعلمين الى النائب العام وأخرى تقحم ديوان الموظفين العام في المواجهة أو للتصدي لإضراب الموظفين.
يبدو أن الحكومة لا ترى سوى نفسها أو انها تعتقد أن أحدا لن يأتي بعدها. لكن "دوام الحال من المحال" حينها هل سنرى الوزراء المقاومين لنقابة الموظفين سيسعون لاستمالتها في المواجهة السياسية أم سيندمون يوم لا ينفع الندم؟.
وفي السياق ذاته، لا يُحبذ أن تدخل المناكفات السياسية والحزبية في عمل النقابة، بل أيضا على مجلس النقابة توسيع المشاركة، وسعة الصدر، واحتواء أية خلافات مع جماعات هنا أو هناك، ومعارضون هنا أو هناك، منافسون هنا أو هناك لتوحيد الصفوف وَلَمِ الشمل دون بُغْضٍ أو ضغينةٍ بل بمحبة وشراكة ووضوح وشفافية.