الحدث- محمد غفري
بلا شك، سنبقى نذكر تلك الكلمات البذيئة والنابية التي تلفظ بها المستوطن المتطرف بحق طفل بريء يعوم فوق بركة من دمائه، هو الطفل الأسير أحمد مناصرة (13 عاما)، من مدينة القدس المحتلة. وما من شك أن مشهد اعتداء المستوطنين الوحشي عليه، يعتبر أحد أكثر المشاهد تأثيراً وإيلاماً خلال انتفاضة القدس الحالية، فقد كان لهذا المشهد ما كان له من انتشار في وسائل الاعلام، وردود فعل تباينت في حدتها لكنها لم تكن من القوة بكافية كي تؤدي إلى تحريره من أسره الذي يقبع فيه اليوم.
تسجيل الكاميرات التي نقلت لنا مشاهد الاعتداء على أحمد قبل اعتقاله وزجه في زنازين سجون الاحتلال الإسرائيلي، لم تنقل لنا مشاهد جرائم أخرى تتعلق بآلاف حالات الاعتقال، التي اتخذت أشكالاً متعددة، فكانت عمليات إطلاق الرصاص الحي على المعتقلين أبرزها، إضافة إلى عمليات التنكيل من خلال الضرب المبرح والتعذيب.
ومع انطلاق انتفاضة القدس مطلع الشهر الماضي، شهدت مختلف الأراضي الفلسطينية أكبر حملة اعتقالات منذ بداية العام، في إطار عمليات التصعيد الممنهجة التي تنفذها سلطات الاحتلال، وقد رافق هذه الحملة ازدياد في أعداد الأسرى الأطفال حيث كان الأطفال والقاصرين الفئة الأكثر استهدافاً، على غرار أحمد مناصرة.
فقد وصل عدد الفلسطينيين الذين تعرضوا للاعتقال خلال شهر أكتوبر / تشرين الأول لأكثر من (1500) معتقلاً، بينما وصل عدد الأطفال والقاصرين الذين أبقى الاحتلال على اعتقالهم ما يزيد عن (300) محتجزين في أربعة سجون وهي (عوفر، مجدو، هشارون، جفعون)، أما عدد النساء والفتيات المحتجزات في سجون الاحتلال فقد وصل إلى (40) أسيرة بينهن أربع أسيرات أصبن بالرصاص الحي، علاوة على اعتقال نائبين من المجلس التشريعي وهما حسن يوسف وعبد الجابر فقهاء ليرتفع عدد النواب إلى ستة نواب، وبالمجمل العام ليتجاوز عدد الأسرى الفلسطينيين (6400) أسير.
ووفقاً للمحافظات فقد كانت القدس الأعلى حيث وصل عدد المعتقلين فيها لـ(460) وتليها الخليل بـ (300) معتقلٍ غالبيتهم من الأطفال والقاصرين.
الشهادات التي تم توثيقها لمعتقلين تعرضوا للتعذيب
قام نادي الأسير الفلسطيني بتوثيق عشرات الحالات التي تعرضت للتنكيل والضرب المبرح أثناء الاعتقال وكان معظمها ممن احتجزوا في معتقل "عتصيون"، وعدد آخر منها في سجن "عوفر" وسجون أخرى. من بين تلك الحالات حالة الأسير عبد الرحمن ابو ذهب، الذي تعرض لحالات إغماء متكررة، نتيجة تعرّضه للضرب المبرح على رأسه، ومن دوخة وصداع دائمين، وفقدان للتوازن، بالإضافة إلى كسور في الأضلاع، إضافة إلى الفتى أحمد مناصرة الذي تعرض للتنكيل بعد أن أصيب بعملية دهس متعمدة من قبل المستوطنين وهذا ما وثقته لقطات الفيديو. كما وكان من ضمن هذه الحالات الأسير خالد الباسطي الذي تعرض للتعذيب والضرب، إضافة إلى الأسيرة إسراء جعابيص التي تعرضت لحروق أثناء اعتقالها، والأسير ماهر الفروخ الذي تعرض للدهس والضرب ووثقتى حالته من خلال الفيديو.
المعتقلون المصابون بالرصاص الحي
كثفت سلطات الاحتلال استخدام الرصاص الحي خلال حملات الاعتقالات الحالية، ووصل عدد المصابين بالرصاص لأكثر من (16) حالة أخطرها حالة الأسيرين محمد الشلالدة ومقداد الحيح، اللذان تعرضا لإصابات في الرأس والصدر وما زالا في غيبوبة ومحتجزين في مستشفى "هداسا عين كارم"، أما باقي المصابين بالرصاص حتى تاريخ إعداد التقرير هم كل من: ( جلال الشراونة، علي الجعبة، قيس شجاعية، أحمد حامد، بلال ابو غانم، طارق دويك، صلاح البايض، مصعب غنيمات، عزام الشلالدة، حمزة ابو الفيلات، شروق دويات، مرح باكير، إسراء عابد و استبرق نور)، وفي هذا الإطار أكد النادي أن معظم الإصابات تركزت على الرأس والأطراف والصدر، علماً أن عدداً منهم ما زالوا محتجزين داخل المستشفيات المدينة للاحتلال.
أما الشاب محمد زيادة (21) عاماً من رام الله والذي أفرج عنه لاحقاً من سجون الاحتلال فقد تعرض للضرب والتنكيل على يد المستعربين الذين أطلقوا الرصاص عليه وتعمدوا استمرار ضربه بعد إصابته الأمر الذي تسبب بإصابته بشلل نصفي.
الحالات المرضية وسياسة الإهمال الطبي
كشف نادي الأسير من خلال متابعته للمرضى والجرحى في السجون أن سلطات الاحتلال انتهجت طرقاً جديدة للانتقام من الأسرى وهي وصول الأسير إلى مرحلة الموت تحديداً بين صفوف الجرحى وذلك وفق قاعدة من لم يمت بالرصاص فليمت بعدم تقديم العلاج الذي يحتاجه المعتقل، كان من بين الجرحى الذين تعرضوا لذلك الأسير جلال الشراونة الذي كاد أن يفقد ساقه جراء الإهمال الطبي، وتستمر معاناة الأسرى المرضى في سجون الاحتلال وخاصة من هم محتجزون في الرملة والذي وصل عددهم لـ(19) أسيراً، ومن أبرز الحالات المرضية التي وثقت في شهر أكتوبر الأسير سامي ابو دياك الذي تعرض لإهمال طبي بعدما أجريت له عملية استئصال لأورام في الأمعاء كادت أن تتسبب بوفاته جراء إصابته بتسمم في جسده، ووفقاً لتوثيق النادي فقد تعمد الاحتلال نقله إلى "عيادة سجن الرملة" التي تفتقر لأدنى شروط الرعاية الصحية قبل أن يكمل علاجه في المستشفى المدني.
الشهيد الأسير فادي الدربي
استشهد الأسير فادي الدربي (30) عاماً من جنين بعدما أصيب بجلطة دماغية في سجون الاحتلال، وكان الأسير قد عانى من سياسة الإهمال الطبي لمدة عامين في سجون الاحتلال، ليرتقي شهيدا بعد موت سريري استمر لعدة أيام في مستشفى " سوروكا"، وبهذا يرتفع عدد شهداء الحركة الأسير (207) شهيداً.
المصادقة على قانون تشديد العقوبة على راشقي الحجارة
وصادق الكنيست الإسرائيلي خلال انتفاضة القدس، على قانون تشديد العقوبة على راشقي الحجارة، وإلزام المحاكم بضرورة إصدار حكم كحد أدنى عامين وحد أقصى أربعة أعوام على ملقي الحجارة.
وحول ذلك قال مدير الوحدة القانونية في نادي الأسير المحامي جواد بولس، إن هذه المصادقة تعتبر خطوة استثنائية تتعارض مع جوهر ومعنى سياسة العقوبات في القانون الجنائي.
وأضاف، أن المضي في هذا التشريع من قبل الحكومة الإسرائيلية هو خطوة تضاف إلى خطوات سابقة قامت بها تستهدف الحقوق الأساسية للفلسطينيين، وتثبت مجددا أن هذه الحكومة أجهزت عمليا على قواعد اللعبة القضائية والقانونية.
ولفت إلى أن هذا القانون سيلزم قضاة المحاكم بضرورة إيقاع تلك العقوبات دون ترك مساحة للقضاة بتفعيل اجتهاداتهم، وذلك على الرغم من تضمين هذا التشريع استثناء بموجبه يحق للقاضي ألا يلتزم، ولكن على أن تكون هذه الحالات استثنائية ومبررة من قبلهم.
وفي هذا الإطار أكد بولس أنه على قناعة أن هذه الفسحة لن تستغل في صالح الفلسطينيين، وإن استغلت فإنها ستكون لصالح الجناة اليهود.
الاعتقال الإداري
بلغ عدد الأسرى الذين حولوا إلى الاعتقال الإداري من بين عدد المعتقلين خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول (129) معتقلاً حيث أصدرت بحقهم أوامر إدارية للمرة الأولى من بينهم قاصرين و(23) أسيراً من القدس و أسيرة من الأراضي المحتلة عام 1948م، وهم من بين (181) أسيراً أصدر بحقهم أوامر اعتقال إدارية ليرتفع عدد الأسرى الإداريين إلى أكثر من 500 معتقلاً إدارياً، وتأتي عمليات التصعيد هذه بعد قرار من حكومة الاحتلال بتكثيف عمليات الاعتقال الإداري.
واعتبر رئيس نادي الأسير قدورة فارس، أن هذه القرارات هي قرارات انتقامية، مضيفاً "إن من يقرأ مضمون تلك القرارات يستنتج أن الحكومة الإسرائيلية مرتبكة، وقرّرت تكثيف الحرب التي تشنّها على الشعب الفلسطيني عبر اللجوء لسياسة العقوبات الجماعية، وفي صلبها الاعتقال الإداري وتشديد العقوبات على القاصرين وهدم البيوت".
وكانت حكومة الاحتلال أعلنت نيتها عن إنشاء محكمة أمنية خاصة تتضمن متابعة الاعتقالات الإدارية.
أوضاع مأساوية في سجن جفعون للأشبال
انشأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي سجن جفعون في مدينة الرملة قبل نحو أسبوعين، لاستيعاب الأسرى القاصرين وبخاصة من القدس، بسبب حالة الاكتظاظ وتزايد عدد المعتقلين القاصرين.
ويقبع في هذا السجن الان حاولي 27 أسيراً من القدس، ومن الأسرى القاصرين من داخل الأراضي المحتلة عام 1948 .
وأكد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع، أن هذا السجن يفتقد لكل مقومات الحياة البشرية، وعدم وجود ملابس كافيه، وعدم وجود "كنتين"، وأدوات كهربائية، ومياه ساخنة.
وقال قراقع لـ"الحدث"، أن الأسرى القاصرين فيه يشتكون من المعاملة السيئة من قبل السجانين، وتعرضهم للاهانات الشديدة، وسوء الطعام ورداءته وعدم صلاحيته للأكل.
وأضاف، أن هذا السجن لا يوجد فيه أسرى بالغين، موضحاً ذلك أنه في كل قسم للأسرى القاصرين يجب أن يكون معهم أسرى بالغين من أجل رعايتهم والاهتمام بهم.
واعتبر قراقع، أن هذا السجن هو عقاب جماعي للأطفال وعزل لهم ونوع من تعذيبهم.
وطالب الصليب الأحمر الدولي من أجل العمل على تحسين شروط الحياة داخل هذا السجن، أو إغلاقه وإعادة نقل الأسرى إلى سجون أخرى.
واشتكى اهالي الاسرى القابعين في سجن "جيفعون" من حالة الانتظار الطويلة من الساعة العاشرة صباحا حتى الخامسة مساءا للسماح لهم بزيارة ابنائهم، وانهم انتظروا تحت المطر وفي البرد الشديد حيث لا يوجد اي مظلة انتظار امام السجن.
مع دخول الشتاء.. مئات الأسرى محاصرون بالبرد القارس
وحذرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، من أن مئات الأسرى الفلسطنيين مهددين بمحاصرت البرد القارس لهم مع دخول فصل الشتاء، في ظل تصاعد أعداد المعتقلين بشكل جنوني، وانعدام وسائل التدفئة داخل السجون ومراكز التوقيف.
وأكد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع لـ"الحدث"، أن البرد القارص يهدد مئات الأسرى الفلسطينيين مع دخول فصل الشتاء، واستمرار إدارة سجون الاحتلال في منع إدخال الأغطية والملابس الشتوية لهم.
وقال قراقع : إن الهيئة تقدمت بطلب إلى الصليب الأحمر مع بداية فصل الشتاء الحالي، من أجل التدخل وبشكل جدي للسماح بإدخال ملابس شتوية وأغطية للمعتقلين.
وحذر قراقع، أنه في حال لم تم تسمح إدارة السجون بإدخال الأغطية والملابس الشتوية هذا العام، في ظل النقص الكبير في الأغطية والملابس المتوفرة داخل السجون، بالتزامن مع زيادة عدد المعتقلين بشكل كبيرة، سوف يعاني الأسرى الفلسطينيين من ظروف حياتية صعبة للغاية ومن البرد الشديد.
وأفاد قراقع، أنه في كل عام الاحتلال يمنع إدخال الملابس والأغطية الشتوية من الخارج إلى داخل السجون عن طريق المؤسسات وحتى عن طريق الصليب الأحمر.
ارتفاع عدد المعتقلين بشكل جنوني يترتب عليه أعباء اقتصادية
رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع، قال إن زيادة عدد المعتقلين بشكل جنوني يرفع من العبء الاقتصادي والاجتماعي.
وأكد قراقع، أن السلطة الفلسطينية تهتم وترعى الأسرى الفلسطينيين داخل السجون، وتهتم بعائلاتهم، لذلك من الطبيعي أنه كلما ازداد العدد تزداد قيمة النفقات، أو المصاريف والإعانات الاجتماعية للمعتقلين.
وأوضح، أن هذه النفقات على الأسرى، تذهب كمصروفات لـ "الكنتين"، والاعانات الاجتماعية لأسر الأسرى، وتكاليف المحاميين، لان زيادة عدد المعتقلين يتطلب زيادة عدد المحاميين، من أجل الترافع عن الاسرى في المحاكم وزيارتهم في السجون ومراكز التحقيق.
وأردف "هناك حالة طوارئ وكارثة بسبب ارتفاع عدد الاعتقالات بهذا الشكل، وهذه الكارثة تطلب استعدادات وامكانيات، وتطلب توظيف كافة الجهود من أجل التغلب عليها".