رأى "أوفير فينتر" و" يوآل جوزنسكي" الباحثان بمعهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل أن العلاقة بين مصر والسعودية بات يكتنفها الكثير من الغموض في ظل خلافات عميقة في الرؤى السياسية لكل منهما.
واعتبرا في ورقة بحثية نشرتها مجلة "الشرق الأدنى" الإسرائيلية أن هناك 5 خلافات على الأقل بين الدولتين منها ما يتعلق بالملف السوري، وجماعة الإخوان المسلمين، ومفهوم الخطر الإيراني، والحرب في اليمن.
الدراسة أوصت بأن على الرياض والقاهرة الآن المحاولة وتجاوز الخلافات، وأن يدرك الطرفان أن لديهما الآن الكثير ليخسراه إذا عملا بشكل منفرد، وكذلك يتفهمان المزايا الكامنة في استمرار قيام "التحالف الاستراتيجي" بينهما.
إلى نص المقال..
بين مصر الدولة العربية الأكثر سكانا، والتي تعد المركز السياسي والعسكري والثقافي للعالم العربي، والسعودية "حامية الأماكن المقدسة للإسلام"، والاقتصاد الأكبر بالشرق الأوسط، نمت علاقات حميمة طوال فترة رئاسة مبارك.
ساءت العلاقات بين الدولتين مع وصول محمد مرسي و"الإخوان المسلمين" للحكم، لكنها عادت لسابق عهدها بعد استيلاء عبد الفتاح السيسي على الحكم، حيث وصلت المصالح المشتركة والتنسيق والمساعدات المتبادلة إلى قمتها على ما يبدو.
في عصر تنهار فيه أنظمة ويهدد الانهيار أنظمة أخرى، فإن قدرة البلدان على إظهار الوحدة ذات دلالة رمزية كبيرة. ينطوي أيضا التعاون بين القاهرة والرياض على قيمة عملية جوهرية، كونهما قوى إقليمية معتدلة تسعى للحفاظ على الوضع الراهن.
لكن، وكما تزيد الفوضى في المنطقة الدافع لدى الرياض والقاهرة لتعزيز التعاون، فإنها تفيض بالخلافات وتضارب المصالح في مسائل مختلفة، أولها حول السياسات التي يجب اتباعها فيما يتعلق بسوريا واليمن، وكذلك حيال التعامل مع الحركات المرتبطة بالإسلام السياسي.
تضارب مصالح
لا تنظر القاهرة بعين الرضا لتدخل إيران "في الشئون العربية الداخلية"، كذلك هي، وكالرياض، غير را ضية عن ابتعاد الولايات المتحدة عن التدخل الفاعل في ساحات الصراع الرئيسية بالمنطقة. لكنها لا تعتمد كالسعودية على الدعامة الأمنية الأمريكية، وليست متضررة كالأخيرة من التمدد الإيراني، وهو الاختلاف الدافع لتبني سياسات مختلفة. علاوة على ذلك، زادت في الشهور الأخيرة الخلافات بينهما حول الموقف الذي يجب اتباعه فيما يتعلق بسوريا، وبالأخص التدخل الروسي هناك.
تتبنى القاهرة على ما يبدو موقفا مغايرا فيما يتعلق بالتسويات السياسية المراد تحقيقها في سورياـ ولا تعارض بشدة- مثلما تفعل الرياض- استمرار نظام بشار الأسد، بينما تعمل السعودية على قدم وساق للإقصاء الفوري للأسد كشرط لأية تسوية سياسية في سوريا.
القاهرة، وبخلاف السعودية، قدمت دعما محدودا فقط للمتمردين المعتدلين في سوريا منذ بداية الحرب الأهلية. وترى القاهرة في النظام العلماني السوري أهون الشرين، ذلك مقارنة ببديل محتمل آخر، مثل سيطرة الدولة الإسلامية أو عناصر إسلامية أخرى على البلاد.
كذلك الرياض والقاهرة مختلفتان حيال التدخل الروسي في سوريا، الذي تعتبره الرياض محاولة للحفاظ على نظام الأسد من خلال تحويل روسيا للاعب محوري بالمنطقة مقابل الانكماش الأمريكي.
في المقابل، رحبت القاهرة بتعزيز التدخل الروسي في الحرب على "الإرهاب" بسوريا، وبذلك اعتمدت الخطاب المتجاهل للقوات المتنوعة للمعارضة الفاعلة على الساحة السورية والتي تعتمد جزئيا على الدعم السعودي.
في خطابه بالبحرين في 1 نوفمبر حذر السيسي تلميحا دول الخليج مع دعم"الجماعات الإرهابية" الساعية لتوسيع تأثيرها على حساب دور الدول القومية العربية، وتهدد بتقويض نسيجها الاجتماعي والطائفي.
كذلك لم تعد الرياض والقاهرة شريكتين بعد، على ما يبدو، في نفس الفهم حول مكانة الإسلام السياسي، وبالأخص في كل ما يتعلق بتصورهما لجماعة الإخوان المسلمين. جاء هذا الخلاف على خلفية تنسيق محدد، بدأ منذ عندما كان الملك عبد الله على قيد الحياة في موقف السعودية تجاه الجماعة، التي تعتبر في مصر تنظيما سريا وخطرا فعليا على الأمن القومي المصري.
مصر لا تميز بين عناصر الجهاد بسيناء التابعة لـ"الدولة الإسلامية" وتمثل تحديا لسيادتها، وبين الإخوان المسلمين الذين امتنعوا حتى الآن عن الاتجاه بشكل معلن نحو العنف ضد النظام، وتصف كلاهما على حد سواء بـ"الإرهابيين". ينجم الأمر بما في ذلك من اعتبارات دعائية داخلية تتمثل في محاولة السيسي تقويض شرعية الجماعة التي أطاح بها من الحكم في يوليو 2-13 وحظرها.
بالنسبة للرياض فإن التهديد الإيراني فعلي ومتزايد، ووفقا لتصورها من الأفضل بلع الدواء المر المسمى الإخوان المسلمين، ومحاولة تشكيل جبهة سنية معادية لإيران عبر تقريب تركيا وقطر اللتين تعتبرهما مصر رعاة للجماعة.
الدليل على وجود تغير في نظرة الرياض لجماعة الإخوان المسلمين، التي وضعتها في مارس 2014 على قائمة التنظيمات الإرهابية، جاء بلقاء خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس مع القيادة السعودية، الملك سلمان، وولي العهد محمد بن نايف، ونجل الملك وزير الدفاع محمد بن سلمان، في زيارة نادرة أجريت في مكة بشهر يونيو من العام الجاري.
التقارب لجماعات الإسلام السياسي في المنطقة يخدم الرياض أيضا في اليمن. فخلال محاولاتها تعزيز النفوذ في الدولة الممزقة باتت تتقارب، على النقيض من رغبة القاهرة، مع حزب الإصلاح التابع للجماعة.
نقطة اختلاف أخرى تتعلق أيضا بالصراع في اليمن. فبينما ترى السعودية في المواجهة بينها وبين الشيعة- الحوثيين ساحة صراع جديدة بينها وبين إيران على فنائها الخلفي، لا تبدي مصر أهمية كبيرة للصراع ولا ترى فيه خطرا على أمنها القومي.
جل اهتمام القاهرة يتعلق الآن بالأعداء من داخل البيت وانعكاسات التطورات الإقليمية على استقرارها الداخلي. علاوة على ذلك، هناك الكثيرون في مصر الذين يذكرون سقوط عبد الناصر خلال تخندقه إلى جانب القوات الجمهورية في اليمن، والذين يخشون الانغماس مجددا في "المستنقع اليمني". ونتيجة لهذا التصور، فإن المشاركة العسكرية المصرية في التحالف رمزية في جوهرها وتقتصر فقط على التنسيق البحري.
مصالح مشتركة
رغم أن الدولتين مختلفتان، فهناك سلسلة من القضايا المطروحة على جدول الأعمال تنطوي لكلتيهما على مصالح من العيار الثقيل للاستمرار وتعزيز العلاقات بينهما. فمصر بحاجة لاستمرار الدعم الاقتصادي الضخم من قبل السعودية التي التزمت جنبا إلى جنب مع جيرانها الأثرياء (الإمارات والكويت) بتمرير مساعدات اقتصادية كبيرة لمصر التي تجد صعوبة في تحقيق التوازن في الميزانية.
من وجهة نظر السعوديين، فإن "الاستثمار" على الأقل جزئيا، أتى بثماره مع الدعم السياسي المصري لعمليات التحالف التي تقودها في اليمن. وحتى إذا لم يقل هذا علانية، فهناك توقعات في دول الخليج، أن تستخدم مصر مقابل المساعدات المالية مواردها العسكرية ومكانتها السياسية لتحقيق مصالحهم.
مصر أيضا وبسبب صورتها الذاتية كعنصر عربي رائد، غير مستعدة لإلغاء مصالحها مقابل المصالح السعودية، لكنها تحرص على إنشاء قنوات حوار وتنسيق في محاولة لاستيعاب الخلافات ومنع صعودها على السطح.
التعاون الحتمي
اعتُبرت السعودية ومصر على مدى سنوات عناصر استقرار في المعسكر العربي المعتدل الموالي للولايات المتحدة، والذي استُخدم كثقل ضد المحور الإيراني. وفي ضوء ما يتضح اليوم كتراجع للتدخل الأمريكي بالمنطقة، وكذلك التقارب بين الولايات المتحدة وإيران، وجدت الدولتان أنفسهما للمرة الأولى منذ سنوات مضطرتين لبلورة سياسات مستقلة متحررة من الهيمنة الأمريكية، ومن هنا تتصاعد أهمية التنسيق المتبادل بينهما.
إضافة إلى ذلك، إذا كان من الواضح قبل بضع سنوات أن إيران هي العدو الرئيس لكلتيهما، فإن صعود "الدولة الإسلامية" أوجد عدوا مشتركا جديدا للدولتين. ودفعهما أيضا لإعادة ترتيب أولويات الصراعات أمام أعدائهما.
السعودية مملكة محافظة للغاية وغنية، بينما مصر علمانية فقيرة. كذلك تعمل الدولتان في ساحات مختلفة: فبينما ساحة العمل الرئيسية للسعودية هي الخليج، ترى مصر في شمال إفريقيا وشبه جزيرة سيناء مصدرا لمعظم التهديدات ضدها.
كما تفرض الفوارق الملحوظة في الاضطرار والموارد العسكرية والاقتصادية إعطاء ردود مختلفة على تلك التطورات. فرغم أن كليهما متنافسان طبيعيان على النفوذ في المنطقة، فإنهما تفهمان المزايا التي ينطوي عليها توطيد علاقاتهما.
الدليل على ذلك، أنهما أعلنتا مطلع العام، عن نيتهما إقامة قوة عسكرية مشتركة، معظم تمويلها يصل من السعودية ومعظم القوة المقاتلة من مصر، وفي أغسطس وقعتا على "إعلان القاهرة" الذي ينطوي على تعاون في مختلف المجالات.
على الرياض والقاهرة الآن المحاولة وتجاوز الخلافات التي تخيم على علاقتهما أو على العكس التسليم بحقيقة أنهما لن تتوصلا إلى تفاهمات كاملة في مجموع القضايا المطروحة على جدول الأعمال، وأن لكل واحدة منهما لديها مستوى معين من حرية المناورة، تحديدا في المسألة السورية.
نادرا ما يتمتع الحلفاء بمصالح مشتركة بشكل كامل، لكن التعاون بينهما أمر حتمي. لا يمكن لمصر أن تتخلى عن المساعدات المالية السعودية في وضعها الاقتصادي. السعودية من جانبها بحاجة للمساعدة العسكرية (على الأخص من حيث الخبرة العملياتية ومعدل القوة العاملة) والدعم السياسي المصري. يدرك الجانبان أن لديهما الآن الكثير ليخسراه إذا عملا بشكل منفرد، وكذلك يتفهمان المزايا في استمرار قيام "التحالف الاستراتيجي" غير المقدس بينهما.