الجمعة  20 أيلول 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الطهارة الثوريًّة.. من تروتسكي إلى البغدادي

2014-08-20 09:37:13 AM
الطهارة الثوريًّة.. من تروتسكي إلى البغدادي
صورة ارشيفية
الحدث- إريك والبيرغ- ميدل إيست أون لاين

يعتقد إريك وولبيرغ، وهو صحفي متخصص في شؤون الشرق وآسيا الوسطى وروسيا، والخبير الاقتصادي، وطالما تناول العلاقات بين الشرق والغرب في كتاباته منذ الثمانينيات من القرن الماضي، والذي عمل سابقًا كمستشار للأمم المتحدة، ومؤلف كتاب “الجغرافيا السياسية والألعاب الكبرى منذ فترة ما بعد الحداثة إلى ما بعد العلمنة: عودة الحضارة الإسلامية”، أنّ المنتمين للحركات المتشددة يعيشون في عالم من النقاء خاص بهم، وكتب ذلك في مقاله الذي نشر على موقع ميدل إيست أون لاين تحت عنوان: “الطهارة الثورية، من تروتسكي إلى البغدادي”، والذي جاء فيه:

“قوبل إعلان زعيم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، أبي بكر البغدادي، عن قيام حضارة إسلامية جديدة على الأراضي التي ازدهر فيها الإسلام لأكثر من ألف عام مضت، بنوع من الترحيب من الكثير من المسلمين الغاضبين، الحريصين على رؤية نهاية الهيمنة الأمريكية-الإسرائيلية في المنطقة.

وهو ما يذكرنا بردود الفعل المتولدة عن الثورة الروسية عام 1917، حينما قامت مجموعة صغيرة من الثوار بالاستيلاء على السلطة وأعلنت الدولة الشيوعية، وسرعان ما أصبحت عالمًا متحدًا تحت عقيدة إنكار الذات الجديدة.

وتعد أوجه التشابه والتناقض بين الإسلاميين مثل جماعة الإخوان المسلمين ضد السلفية أو تنظيم القاعدة، وبين الحركات الثورية اليسارية في القرن العشرين مثل الشيوعية ضد التروتسكية أو الماويين غريبة ومفيدة على حد سواء.

فرغم رفض كبار العلماء السنّة، من أمثال يوسف القرضاوي، تسمية ما أعلنته داعش “خلافة”، حيث قال إن ذلك الإعلان “باطل في الشريعة”، كما أعلن وكيل شيخ الأزهر، الشيخ عباس شومان، أن “الخلافة الإسلامية لا يمكن أن تسترد بالقوة”، وكذلك كان موقف المسؤولين السعوديين أيضًا، إلا أن الكثير من المسلمين قد تعبوا من الفتاوى التي لا تفعل شيئًا في مواجهة الظلم الذي يتعرضون له.

لذا فمهما ارتكبت داعش من الخطايا أو قد ترتكب مستقبلًا، إلا أنها لا يزال يمكنها أن تعوّل على دعم ضمني من قبل كثير من المسلمين، تمامًا كما فعل بن لادن، وتمامًا كما دعم العديد من اليساريين بشكل أعمى الحركات الثورية التي لا ترحم في القرن العشرين.

الأخلاق الشخصية

كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ إذا نظرنا إلى كل هؤلاء الثوار سواء العلمانيين أو الجهاديين، فيمكننا وصفهم بأنهم “الشيء الحقيقي”. فالثوار ملتزمون حقًّا، غير قابلين للفساد ومستعدون للتضحية بأنفسهم من أجل قضية غير شخصية. وبالنسبة للمسلمين في العالم الإسلامي، الذين سئموا من قمع العلمانيين الذين يترأسون بلادهم الغارقة في الفساد، فإن ذلك أمر مهمّ جدًّا.

بل إنهم حتى وهم -عن غير قصد- يعتمدون على العديد من الأسلحة والاستراتيجيات الإمبريالية، فإن أخلاقهم الشخصية مختلفة جدًّا عن أخلاق الإمبرياليين. ورغم أنهم يخدمون الإمبريالية -عن غير قصد- كما فعل، على سبيل المثال، بن لادن والظواهري (عن طريق زرع البلبلة، وإشاعة الفوضى والقتل في العالم الإسلامي، وتشويه الإسلام)؛ إلا أن هؤلاء القادة لا يزالون يحصلون على الأتباع من خلال الاستقامة الأخلاقية الشخصية وطهارة اليد، فقط كما فعل الإرهابيون الأناركيون في القرن التاسع عشر واليساريون المتشددون منذ عام 1917 وما بعده.

ابن لادن، كان يصوم يومين في الأسبوع طوال حياته، وعاش حياته من دون أي كماليات، كما تخلي عن ثروته لمساعدة المحتاجين ودعم ما يؤمن به. ووفقًا لرئيس المخابرات السابق المسؤول عن قضية بن لادن (1996-1999) مايكل شوير، الذي قال: “كان بن لادن تقيًا، شجاعًا، سخيًّا، ذكيًّا، كاريزميًّا، صبورًا، ذا بصيرة، عنيدًا، والأهم من ذلك كله، أنه كان واقعيًّا، فلا أحد ينتصر في الحروب إلا عن طريق القتل”، لذلك لا يكفي أن نعتبرهم مجرد مرضى نفسيين (وربما يكونون كذلك) أو أن نفترض أنهم يتظاهرون بالتدين، مهما كانت تفسيراتهم لمعاني التفاني مضللة.

كما لا يمكننا القطع بأنهم مجرد دمى في يد الإمبرياليين. فصحيح أنه من الممكن أن تكون وكالة الاستخبارات المركزية قد دربت الجهاديين سهوًا الذين أصبحوا الآن أعضاء بداعش، في الأردن، أو تركيا كجزء من دعمها للمتمردين المناهضين للأسد. ولكن ذلك لا يعني شيئًا.

ويشير منتقدو الإسلاميين إلى استعدادهم للموت من أجل معتقداتهم كدليل على أنهم عدميون، ويقولون إن “القاعدة تفتخر أنه بينما نخشى الموت، فإنها تتمناه، وأنهم لا يحترمون الحياة، حتى حياتهم هم أنفسهم”، ولكن هذا الاستعداد للموت من أجل المعتقدات كان دائمًا نهج المؤمنين من جميع الأديان في جميع العصور، كما كان يفتخر به الثوار اليساريون، فكان شعار فيدل كاسترو “الحرية أو الموت”، وكذلك ثوار الولايات المتحدة أمثال باتريك هنري.
ولكن حقيقة أن اليساريين والمسيحيين أصبحوا أقل عرضة للتضحية بأرواحهم من أجل معتقداتهم اليوم، تظهر أن النظم العقائدية الغربية لم تعد تلهم الناس، الذين أصبحوا يفضلون أن يقدموا التنازلات مقابل أن يعيشوا حياة مريحة.

أما عن الإرهاب، فإن “الإرهاب” غير الحكومي الطويل ضد الرأسمالية، يعود تاريخه إلى الأناركيين في القرن التاسع عشر، الذين شغلهم إرهابهم، جماعات مثل بادر ماينهوف (بألمانيا)، والألوية الحمراء (بإيطاليا)، وطلاب من أجل مجتمع ديمقراطي (بالولايات المتحدة) في السبعينيات.

النقاء الأيديولوجي
التشابه الأكثر إثارة للقلق بين تنظيم القاعدة/والسلفية وبين اليساريين مثل التروتسكيين أو الماويين هو موقفهم بالنسبة لفلسطين.

فرغم محاولة رئيس الوزراء إسماعيل هنية في غزة استيعاب متطرفي تنظيم القاعدة، وأدان مقتل أسامة بن لادن من قبل الولايات المتحدة ووصفه بأنه “شهيد” وأنه “المحارب العربي المقدس”، (أدانت الحكومة الأمريكية تلك التصريحات ووصفتها بأنها “مشينة”)، ولكن ذلك لم يقابل باحترام مقابل من السلفيين الذين يعتبرون عدوه الإسلامي اللدود.

وفي الواقع، فإن معظم الحركات الجهادية السلفية اليوم ليس لديهم اهتمام بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي يعتبرونه ثانويًا. وبدلًا من ذلك، يدعون لمهاجمة الحكومات المسلمة (والمدنيين من المسلمين).

علي المعموري، أحد رموز السلفية نشر تغريدة قال فيها إن “حكومة حماس مرتدة، وما تقوم به لا يعتبر جهادًا، بل دفاعًا عن الديمقراطية (التي يعارضها السلفيون)”. وقال آخر إن “خالد مشعل (رئيس المكتب السياسي لحماس) قال إن حماس تحارب من أجل الحرية والاستقلال، أما الدولة الإسلامية فهي تحارب من أجل أن يكون الدين كله لله”.

كما اعتبر الشيخ السلفي المصري، طلعت زهران، أن حماس تشبه الشيعة؛ لأنها تتلقى التمويل والسلاح والتدريب من إيران وحزب الله. كما يرى السلفيون الصراع مع حكومة حماس غير الشرعية هو خطوة أولى نحو المواجهة مع إسرائيل.

فالسلفيون يفضلون محاربة حماس أولًا وإشراك إسرائيل في وقت لاحق، مبررين ذلك بأنه نضال ضد الردة وأن صلاح الدين مكّن للإسلام السني على الفاطميين الشيعة في القرن الثاني عشر قبل أن يقوم بتحرير فلسطين. كما قام بعض مقاتلي داعش بحرق العلم الفلسطيني أثناء الاجتياح الإسرائيلي لغزة في يوليو عام 2014، لأنهم يعتبرونه رمزًا للقومية.

وهو ما يجعل أيّ اجتماع للعقول المناهضة للإمبريالية مستحيلًا في العالم الإسلامي. فهم يرفضون أي تنازلات استراتيجية مع الحركات المناهضة للإمبريالية القائمة. ويعتبرون أنه فقط عندما يتم تنقية أيديولوجية الجماهير وقادتهم سيتم تحرير أراضي المسلمين.

في حالة التروتسكيين، قاموا برفض الاتحاد السوفياتي في عهد ستالين باعتبارها “دولة عمالية مشوهة”، أو “دولة رأسمالية”، أو في أسوأ الأحوال، “دولة فاشية”، وأنها ليست أفضل من ألمانيا النازية. فبالنسبة لهم، كانت محاربة المرتدين أكثر أهمية.

في نفس الخندق مع العدو

في خمسينيات القرن الماضي، وصف عدد غير قليل من التروتسكيين المتشددين أنفسهم بأنهم المناهضون للشيوعية، ومن هؤلاء نشأ المحافظون الجدد اليوم. كما إن الماويين الصينيين هم أفضل رأسماليين في العالم.

وهو ما يتشابه مع ما يفعله السلفيون الآن، فقد ساعد أتباعهم في مصر في تقويض جماعة الإخوان المسلمين، ودعم انقلاب عام 2013، لا شك أن ذلك تم بناء على تعليمات من الرياض. كما إن افتقارهم إلى الحماس تجاه دعم النضال الفلسطيني، يضعهم جنبًا إلى جنب مع الولايات المتحدة وإسرائيل في موقفهم العدائي ضد الفلسطينيين.

فهل لا يزال هناك أي شك في أنهم يعملون مع إسرائيل والولايات المتحدة لتخريب القضية الفلسطينية؟ وكيف يمكن للسلفيين الانضمام إلى صفوف إسرائيل والولايات المتحدة ضد حماس، وضد جماعة الإخوان المسلمين في مصر، لخنق حلم العالم العربي الإسلامي بإعطاء الإسلاميين فرصة حقيقية للحكم؟

إن تعصب القاعدة وأشباههم، ليس مستوحى من تعاليم القرآن، ولكنه رد فعل طائش ضد كل ما هو مظهر من مظاهر الحداثة، بينما يقومون في الوقت نفسه باستخدام التقدم التكنولوجي للحداثة في القتل ويستخدمون استراتيجيات الحداثة لإرهاب المدنيين.

لذا فقد تحولت استراتيجية تنظيم القاعدة، مثلها مثل الثورة التروتسكية عام 1960، إلى استراتيجية قاتلة متطرفة، وأثرت سلبًا على جهود أكثر عمقًا في التجديد الإسلامي.

ولكن كما أنّه لا أحد يتحدث عن “الإرهاب الكاثوليكي” في إشارة إلى الجيش الجمهوري الإيرلندي، فإنه سيكون أكثر دقة أن نصف الإرهاب المنطلق من العالم الإسلامي بـ “الإرهاب القطبي” (في إشارة إلى سيد قطب)، وأنهم أتباع النموذج الغربي للثورة الفردية والمتشائمة بحثًا عن عالم مثاليّ بعيد المنال”، كما وصف أوليفييه روي، بدلًا من أن نعتبر ذلك هو المفهوم القرآني الصحيح للشهادة.

وعلى الرغم من أن السلفيين/السعوديين يحرصون على أن ينأوا بأنفسهم من أن يُوصفوا بالإرهاب الديني، ولكن الحقيقة أنهم جزءٌ من فروع السلفية الأكثر تطرّفًا. فهم جميعًا يعيشون في عالم نقيّ جدًّا، يذكرنا بوصف لينين للحركات اليسارية المتطرفة بأنه “مرض طفولي”.

ولكن الحركات العلمانية العنيفة قد اختفت من القرن العشرين أو انضمت إلى العدو؛ لذا فإن لم تستطع داعش بسرعة فهم النضال الفلسطيني، وتبني سياسات اجتماعية معتدلة، وتطوير نفسها نحو نظام اجتماعي فعال، فإنها سوف تموت أيضًا.