ما إن يسود الهدوء شيئاً ما، لنعتقد أن هذه "الهبة" أو "الانتفاضة" قد هدأت، حتى تعود المواجهات ثانية لتأكد لنا خطأ اعتقادنا هذا، ولتقدم لنا تكتيكا جديدا للمقاومة مغاير تماما لما حدث في الانتفاضتين السابقتين. هذا التكتيك، والذي على الأغلب ليس مقصوداً، يتمثل في مقدرة هذه الانتفاضة على استنزاف عدونا، من خلال استمراريتها العشوائية، رغم قلة "الموارد" وشح الدعم الرسمي لها.
وفي سياسة عض الأصابع، ورغم أننا الطرف الأضعف في هذه المعادلة، فإننا مازلنا نحافظ على كل كف بخمسة أصابع، لأننا أفقدنا عدونا حتى الآن سبل إجهاض هذه الانتفاضة؛ فلا يجدي الضغط والابتزاز السياسي، كما حدث في الانتفاضة الأولى، ولا القمع العكسري المباشر والعنيف كما حدث في انتفاضة الأقصى؛ فشكل هذه الانتفاضة مختلفٌ هذه المرة؛ فهي ولدت يتيمةً بلا أب أو أم، ووحيدةً بلا رفيق أو داعم لها.
أما من الناحية التاريخية، فطرق الاستنزاف تتم عادة بعد أن يتضح لأحد الأطراف بأن الطرق الأخرى تؤدي للفشل أو أنها غير ممكنة عملياً، وهو الدرس الذي تم تلقيننا إياه جيداً، فكانت نتيجته هذه الهبة وهذه الانتفاضة. لذلك، علينا ونحن نستقبل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري اليوم ألا نكرر فشلنا السابق، ولا نراكم إخفاقات على إخفاقات.
حينها يصح فينا ما قالته الأعراب قديما فنكون كمن يرقم على الماء، وهي تقال للرجل الحاذق؛ أي من حذقهِ يكتبُ على الماء حيث لا تثبتُ الكتابةُ ولا تؤثر.