د. إبراهيم إبراش
القيادة في العالم العربي باتت صناعة مكوناتها الداخلية أو الذاتية اقل من مكوناتها الخارجية .لا نقلل من قيمة ودور الشعب والإرادة الوطنية في إنتاج النخب السياسية وفي توصيل قادة للحكم ، ولكن دور الشعب إما أن يتم الالتفاف عليه أو يكون شكليا، كما لا نتجاهل دور القدرات الذاتية والطموح الشخصي المشروع للأفراد في الوصول لمواقع القيادة والنخبة السياسية ، ولكن الطموح دون ضوابط أخلاقية أو الطموح المدعوم من قوى خارجية إن كان يُنتج أشخاص يصلون لسدة الحكم إلا أن حكمهم لا يكون وطنيا وسرعان ما ينقلب عليهم الشعب .
إن يطمح الإنسان معناه أن يكون أفضل في عمله – والسلطة وظيفة سامية - وأفضل في لباسه وأفضل في مأكله ومشربه وأفضل في علاقته مع ربه ومع الناس المحيطين به.والإنسان غير الطموح إما أنه ملاك – وهذا غير موجود- وإما أنه غبي أو مريض نفسيا، نعم هناك القناعة والزهد والتواضع …. ولكن هذه استثناءآت مستملَحة وليست هي الأصل ، فـ (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ) ، ولأنه لو تحول كل الناس إلى قانعين بما قسم الله والى زهاد ومتقشفين وقامعين لطموحهم باسم التواضع والقناعة ،لكان مجتمع هذا ناسه مجتمعا بدائيا ما زال يعيش الحياة الأولى.
هناك فرق بين إنسان طموح وطموحه يذهب في اتجاه تحقيق مصلحة ذاتية بما لا يتعارض مع مصلحة الوطن وإنسان طموح يريد أن يحقق مصالحه الذاتية ولو على حساب المصلحة الوطنية. ليس صحيحا أن كل سلطة مفسدة ، فالسلطة الشرعية والقانونية مصلحة وطنية ولا يستقيم حال الأمة بدون سلطة ،أو كما قال العلامة أبن خلدون : (لا بد للناس من وازع يزع بعضهم عن بعض لما في طبائع البشر من استعصاء)، و (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) الخ ، ولكن يمكن القول أيضا إن في كل سلطة مصلحة وامتيازات وإغراءات لمن يتولى السلطة والمهم عملية التوازن بين تحقيق المصلحة العامة والمصلحة الخاصة .
ظاهرة الانتهازية والتسلق موجودة في كل المجتمعات وخصوصا في الحياة السياسية ، ولكنها أقل حضورا في المجتمعات الديمقراطية والمتقدمة حيث الانتخابات والقانون والمؤسسات ووعي الشعب تقطع الطريق على الانتهازيين والمتسلقين ، فيما تنتشر الظاهرة في دول الجنوب وخصوصا في المجتمعات العربية حيث تزيد نسبة الأمية وتتدنى درجة الوعي والثقافة السياسية وتغيب المعايير والأسس الموضوعية لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، وحيث يكون أولي الأمر إما أنهم لا يتمتعون بالشرعية والمشروعية وإمكاناتهم الفكرية والعملية متواضعة مما يسمح لكل انتهازي ومتسلق موال لهم ولنهجهم بالتقرب لهم وتولي مواقع قيادية ، أو أن أولي الأمر يريدون أمثال هؤلاء المنافقين والانتهازيين وتحديدا إن كانوا جهلة اعتمادا على المثل القائل : ( قرد موالف ولا غزال مخالف) . وقد يكون أولي الأمر يتمتعون بالشرعية والاحترام عند شعوبهم ولكنهم غير حازمين في إدارة أمور الوطن ويتركون الأمر لمستشاريهم ومن هم تحت إمرتهم لتدبير أمور الوطن مما يسمح لنخبة من المنتفعين والانتهازيين للتسلل إلى مواقع القرار والمسؤولية، خصوصا إن كانت بطانة الزعيم أو مستشاريه ممن وصلوا بدورهم للسلطة عن الطريق الانتهازية أو بدعم من جهات أجنبية وأحيانا يكونوا مفروضين على الزعيم التاريخي فرضا.
لم تخل حتى حركات التحرر الوطني والثورات السياسية /الاجتماعية كثورات (الربيع العربي) من الانتهازيين والطامحين في السلطة، حيث ركب هؤلاء موجة المقاومة والثورة مستغلين حالة الفوضى الثورية وموظفين علاقاتهم من أطراف خارجية مع شيء من المال والإعلام، ليصبحوا من قادة المقاومة والثورة .وفي حالتنا الفلسطينية فإن صناعة (القادة) لم تعد تخضع لإرادة الأمة ولا للدور والتاريخ النضالي إلا لماما ، حيث غيَّب الموت الطبيعي أو الموت استهدافا من الاحتلال، القادة والزعماء الكبار وكل من كان يتوفر على مقومات القائد الوطني الجامع والموَحِد للشعب، وتُركت الساحة غالبا لأشباه القادة ليتسيدوا على شعب مُحبَط ومُحطم، وليجلسوا على كرسي سلطة في ظل الاحتلال ، موظفين تاريخ مُشرف لشعب وحركة تحرر، لم يكونوا من صُناعِه .
لأن الساحة الفلسطينية تهم كثيرا من الأطراف، بعضها طامع بالأرض الفلسطينية ، وبعضها خائف من الشعب الفلسطيني ، وطرف ثالث لا يريد لا الأرض ولا الشعب لأن كلاهما يشكلا تهديدا لمصالحهم، فإن هذه الأطراف تلعب في الساحة الفلسطينية من خلال التحكم في النخبة السياسية سواء بصناعة قادة موالين أو التأثير على من ليسوا من صناعتهم إما بإفسادهم ماليا أو استقطابهم أيديولوجيا أو التغلغل لبطانة الرئيس، وفي جميع الحالات النتيجة ضعف إن لم يكن غياب (مؤسسة قيادة ) وطنية فلسطينية مستقلة القرار تستطيع أن تواجه تحديات المرحلة .
هذه البطانة من الانتهازيين والمتسلقين هي التي تشكل الخطر والتهديد للشعب والقضية الوطنية بل وتشكل خطرا على الرئيس نفسه إن حاول أن يقترب من الشعب ويصر على التمسك بالثوابت الوطنية ،إنها بطانة مستعدة لأن تتخلى عن الرئيس إن هدد مصالحها، أو طالبتها الجهات التي مكنتها من السلطة بأن تنقلب على الرئيس.
في زمن الرداءة والهزيمة يَكثُر القادة ويغيب الزعماء وتغيب مؤسسة القيادة . وهكذا يمكن تسمية ألف (قيادي) فتحاوي وألف (قيادي) حمساوي وألف (قيادي) يساري وألف (قيادي) جهادي الخ ، ومع ذلك يفتقر الشعب لمؤسسة قيادة وطنية تمثل الكل الفلسطيني!!! .