ترجمة : علي جابر
" عندما أطل ( أوجوستو ) من باب بيته مد ذراعه الأيمن إلى الخارج فاتحاً كفه، وجاعلاً ظاهره إلى أعلى، وألقى نظرة فاحصة على السماء، لبث في موقفه مدة مفكراً جامداً كالصنم . لم يكن يتأمل العالم الخارجي، وإنما كان يراقب المطر إذا كان يهطل . وحين أحس ببعض الرذاذ يسقط على ظاهر يده، زوى ما بين عينيه. لم يكن المطر هو ما يزعجه، وإنما كان اضطراره إلى فتح المظلة. فالمظلة لائقة ما دامت مطوية في غلافها. المظلة المغلقة رشيقة بقدر ما هي قبيحة إذا كانت مفتوحة.
وشرع ( أوجوستو ) يفكر:
" انه لمن التعاسة اضطرار المرء إلى استخدام الأشياء، فاستخدامها يزعج لدرجة انه يشوه الجمال. وأنبل عمل تؤديه الأشياء هو أن تكون موضوع تأمل. ما أجمل البرتقالة قبل أن تؤكل . ويتغير الأمر حين ننظر إلى السماء ويكون همنا، أو بأصح تعبير عندما تتعلق رغبتنا بتأمل الله ، وتأمل كل شيء فيه . هنا في هذه الحياة الحقيرة لا نهتم لشيء إلا لتسخير الله لصالحنا . نحاول فتحه كالمظلة كي يحمينا من كافة الشرور."
قال هذا مخاطباً نفسه ، ثم أكب ليرفع سرواله . وأخيراً فتح المظلة ولبث برهة مشدوهاً ومفكراً : " تر إلى أين أذهب الآن ؟ هل أذهب إلى اليمين أم إلى اليسار ؟ ذلك لأن ( أوجوستو ) لم يكن مشاء ، وإنما كان من محبي التنزه في الحياة . فقال في نفسه :" سأنتظر إلى أن يمر كلب فأسير في الاتجاه الذي يختاره "
لم يمر كلب. وإنما مرت فتاة قوية فاجتذبت عيناها ( أوجوستو ) كلما يجذب المغناطيس الحديد .
وعبر شارعاً ثم آخر وآخر .
وكان ( أوجوستو ) يخاطب نفسه لا مفكراً وإنما متكلماً : " ولكن ماذا يفعل ذاك الصبي هناك وهو مكب بوجهه إلى الأرض؟ أنه يتأمل غلة بلا ريب.
النملة (ايه) أنها أكثر الحيوانات نفاقاً. تكاد أن لا تفعل شيئاً سوى النزهة، وتوهمنا بأنها تعمل. هي حيوان كسول لا ينفك في ذهاب وإياب. كذلك المتشرد الذي يزحم المارة الذين يمر بهم، وما من شك في أنه لا عمل له. مالذي يعمله ؟ يا رجل إي عمل له ؟ إنه متشرد ، متشرد كـ .... كلا أنا لست متشرداً فمخيلتي لا تكف عن العمل. المتشردون هم.. أولئك الذين يقولون إنهم يعملون وهم لا يأتون شيئاً سوى التلهي وقتل الفكر. وتعال نر الآن بائع الحلوى السخيف هذا الذي يقف هناك وراء الواجهة ليجعل لحلواه شكلاً كي تلفت أنظارنا. وعارض البضائع هل هو غير متشرد؟ ونحن ماذا يهمنا سواء عمل أم لم يعمل؟ العمل، العمل، نفاق. للعمل هذا المشلول المسكين الذي يكاد أن يجر نفسه.. ولكن ما يدريني سامحني يا أخي. – قال ذلك بصوت عال – أخ ؟ أخي ؟ بما ذا ؟ بالشلل. "