الحدث- رام الله
عندما نقف في صف انتظار طويل أمام إدارة رخص قيادة السيارات أو عندما نستمع إلى موسيقى الانتظار على الهاتف يخطر ببالنا أحياناً هاتفٌ يقول: "اقتلوني وأريحوني من هذا الانتظار!"، إن هذه الرتابة ثقيلة الوطء التي لا تحتمل تجعل البعض يتساءل: "هل الملل أسوأ من الموت؟".
في رأي الفيلسوف الدنماركي سورن كييركيغارد أن قلة قليلة من الأمور أسوأ من الملل، منها الموت مثلاً. إذ ذهب الكاتب - تحت أسمائه المستعارة الكثيرة - إلى درجة القول إن "الملل أُس البلاء، ولذلك ينبغي تجنبه على الدوام". إن الملل ليس عدم وجود أماكن ترفيهية نذهب إليها في كامل أناقتنا – إنها ليست وقت فراغ. بل هي عرضٌ من أعراض مشكلة أكبر من ذلك: الملل مرضٌ حقيقيٌ يصيب الروح.
في رأي كييركيغارد يعيش الناس وفق بضعة أنماط: فهم إما يعيشون حياة المحب للجمال، أو حياة مبادئ الأخلاق، أو حياة التدين. ويختلف تعامل كل نمط من هؤلاء مع موضوع الملل. فأولئك المحبون للجمال شغلهم الشاغل تجربتهم الشخصية في التلذذ أو التألم.هم يحبون الألعاب الجديدة البراقة وإثارة لعبة القطار الأفعواني ومرح الحفلات الصاخبة. إنهم الباحثون عن اللذة والإثارة، وكل ما هو جديد ومثير للاهتمام في الحياة.
وطريقتهم في معالجة الملل تشبه زراعة محصول جديد كل موسم – فذلك يغني تربة حياتهم بالتجارب الجديدة. في رأي كييركيغارد أن الشخص المحب للجمال لا يفهم عقم البحث عن الملذات وعدم جدواه، فبانشغالهم بالشهوات الحسية والبحث عن الفكاهة في الحياة، يرفض المحبون للجمال التركيز على المشكلة الرئيسية: هم أنفسهم! حياة المحبين للجمال حياة أنانية. إنهم لا يولون أي اهتمام للآخرين. الملل عرضٌ من أعراض هذا العوز الروحي، ويرى كييركيغارد أن روح هؤلاء تحديداً هي أصل المعاناة.
من جهة أخرى يتعامل النمط الثاني "صاحب المبادئ والقيم والأخلاق" مع الملل بطريقة أفضل. فلديهم إجابات فلسفية لمشاكل الحياة، إذ يبتدعون نظاماً متكاملاً من القيم والمبادئ.
وهذا أهلٌ للثناء، لكنه لا يكفي من وجهة نظر كييكرغارد. عمل صاحب المبادئ مازال غير كاف لأن العنصر الروحاني ينقصه. بكلمات أخرى، إن كلا النمطين (المحبون للجمال وصاحب المبادئ) في حاجة ماسة إلى سيدنا المسيح عليه السلام.
في رأي كييكرغارد أن علاج الملل ليس بالعمل والنشاط الدؤوب وحده وليس في الانغماس في المشاكل الفلسفية المتجردة، بل العلاج يكون بعلاقتك مع قوة أعظم منك. إن السبب في ملل الكثيرين يكمن في أن حياتهم عبثية لا هدف لها. المسيحية تضفي على الحياة معنى في كل لحظة، فمعنى الحب يملأ الفراغ بالإدراك أن عمل الإنسان ينبغي ألا يكون تركيزه على أهدافه الأنانية أو على الشهوات والملذات. بل ينبغي توجيه العمل نحو ثواب الآخرة.
الإيمان يعيد المعنى للحظاتنا التي فرغت وصارت عبثية لا نكهة لها بسبب ملل الناس. الفكرة ليست في البحث عن أقصى التجارب الممكنة لمحاربة الملل، بل في أن يستشعر المرء وجود الله في حياته، وأن يشعر بمن حوله من كل قلبه وأن يصبح لديه شغف بالحرص على من حوله.
واضح أن كييكرغارد يفضل نمط الحياة مع التذكرة بالآخرة، ولذلك عزيزي المشاهد إذا شعرت بالملل اسأل نفسك: ماذا كان المسيح (عليه السلام) ليفعل لو كان مكانك؟