الحدث- مصدر الخبر
طرح "عاموس يدلين" الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) سؤالا ربما يشغل الكثيرين في المنطقة، حول الطرف الذي يجب أن تنحاز له إسرائيل مع اندلاع مواجهات عسكرية واسعة بين تركيا وروسيا. كذلك استعرض الدروس المستفادة بالنسبة لتل أبيب من إسقاط الطائرة الروسية على الحدود التركية مؤخرا، وما خلفه من تبعات.
ورأى "يدلين" وهو الرئيس الحالي لمعهد أبحاث الأمن القومي في إسرائيل أن الانحياز لروسيا يمكن أن يدر فوائد اقتصادية كبيرة على تل أبيب كأن تصبح بديلا جزئيا عن تركيا فيما يتعلق بتوريد الخضروات والمنتجات الزراعية إلى روسيا، وكذلك كمقصد سياحي بديل للروس.
في المقابل اعتبر رئيس "أمان" السابق أن اختيار تركيا التي تعمل ضد المحور الشيعي الراديكالي بسوريا، يعبر جيدا عن المنطق الاستراتيجي والمصالح الإسرائيلية الجوهرية، فالعمليات التي تشنها موسكو بسوريا ضد "الدولة الإسلامية"تمنح بالفعل تصريحا دوليا لأعداء إسرائيل الأكثر خطرا- إيران وحزب الله ونظام الأسد.
لذلك وبحسب المقال فإن لتركيا وإسرائيل مصلحة مشتركة، تتضمن الإطاحة بالأسد، وإضعاف الهيمنة الإيرانية في سوريا والضرر الذي سيلحق بحزب الله نتيجة لذلك.
نص المقال..
إسرائيل ليست جزءا من اضطرابات الشرق الأوسط، وتقريبا لا تتدخل فيها بشكل فاعل. سواء بمحض إرادتها أو انطلاقا من حتمية الواقع، فحتى الآن فضلت السياسة الإسرائيلية الجلوس على الجدار ومراقبة ما يحدث. بغض النظر عن المسألة الجوهرية المتعلقة بالحكمة الكامنة في هذه السياسة، فإن تزايد الأحداث يلزم إسرائيل على الأقل باستيعاب وفهم متعمق للفرص التي تتفتح أمامها، نتيجة لما يحدث من حولها.
في المنطقة التي تتبنى لنفسها أنماطا جديدة في كثير من الأحيان، مع تغير متكرر في التوازنات الدقيقة بين اللاعبين الكثر، فإننا أمام فصل جديد في الحبكة المعقدة سُجل منذ الأسبوع الفائت مع الصدام العسكري الأول بين تركيا وروسيا. أبرز إسقاط الطائرة الروسية على يد تركيا تناقضات وحقائق على المستوى الثنائي وعلى المستوى الدولي.
أولا وقبل كل شئ، يدور الحديث عن مواجهة بين دولتين، تستند العلاقات بينهما على خصومة تاريخية لا تنطوي على مجرد السياق الحالي. فقد عرف الروس والأتراك في الماضي صدامات حربية بشكل كامل، على خلفية الصراعات والنفوذ في مناطق استراتيجية، تحديدا في البلقان والبحر الأسود، فيما ترى أنقرة في موسكو تهديدا دائما على مصالحها.
سياسة زعيمي الدولتين الحاليين تؤجج الرواسب القائمة بينهما. فرجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين يقدمان قيادة عدوانية وطموحة، تعبر عن رغبتهما في تحويل بلادهما لقوى عظمى كما في الأيام الخوالي- لم يكن من قبيل الصدفة أن أطلق عليهما "السلطان" و"القيصر"، في إشارة إلى الصورة التي يحاول كل منهما الاستئثار بها.
ثانيا، في العلاقات المشحونة فعليا بين تركيا وروسيا اندمجت اعتبارات استراتيجية ومصالح سياسية، ترتبط بالواقع المتشكل بالشرق الأوسط وأوروبا. لا تنظر الدولتان لما يجري بسوريا والحل المنشود لها بشكل متطابق، فبينما وضعت تركيا الإطاحة بالأسد كهدف أسمى، ترى روسيا في بقائه شرطا ضروريا للاستقرار في الدولة الممزقة وحفاظا على مصالحها الاستراتيجية بالشرق الأوسط.
صحيح أن الدولتين تعارضان بشكل رسمي "الدولة الإسلامية" وتسعى لإضعافه، لكنهما تستخدمانه عمليا للحصول على شرعية للعمليات في سوريا لصالح مساعيهما الأكثر أهمية: تركيا- ضد الأكراد وروسيا ضد المعارضة غير الممثلة في "الدولة الإسلامية" (المدعومة في معظمها على يد تركيا).
الأزمة في أوكرانيا وتخندق الغرب ضد بوتين، وعضوية تركيا في الناتو، والمصالح المتضاربة لروسيا وتركيا في سوريا ومعارضة تركيا الحادة للتدخل العسكري الروسي بسوريا- وضعت الدول في مسار التصادم.
بدون شك، فإن المواجة بين تركيا وروسيا تزيد عدم الاستقرار بالمنطقة، لأنها تقلص إمكانية إنهاء الأزمة المتواصلة في سوريا، ومواجهة "الدولة الإسلامية" بنجاح. في ضوء ذلك، فإن مجموعة متنوعة من سيناريوهات مستقبلية محتملة في الصراع التركي- الروسي تقف على جدول الأعمال- بدءا من احتواء الصراع والعودة للعلاقات الطبيعية بين الدول، مرورا بمواجهة دبلوماسية واقتصادية (على شاكلة الأزمة التركية- الإسرائيلية) بينهما، وصولا إلى تصعيد عسكري (إطلاق صواريخ S-400 أو إسقاط طائرة تركية، وهجمة إلكترونية أو عملية عسكرية أكثر توسعا).
طرح "عاموس يدلين" الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) سؤالا ربما يشغل الكثيرين في المنطقة، حول الطرف الذي يجب أن تنحاز له إسرائيل مع اندلاع مواجهات عسكرية واسعة بين تركيا وروسيا. كذلك استعرض الدروس المستفادة بالنسبة لتل أبيب من إسقاط الطائرة الروسية على الحدود التركية مؤخرا، وما خلفه من تبعات.طرح "عاموس يدلين" الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) سؤالا ربما يشغل الكثيرين في المنطقة، حول الطرف الذي يجب أن تنحاز له إسرائيل مع اندلاع مواجهات عسكرية واسعة بين تركيا وروسيا. كذلك استعرض الدروس المستفادة بالنسبة لتل أبيب من إسقاط الطائرة الروسية على الحدود التركية مؤخرا، وما خلفه من تبعات.طرح "عاموس يدلين" الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) سؤالا ربما يشغل الكثيرين في المنطقة، حول الطرف الذي يجب أن تنحاز له إسرائيل مع اندلاع مواجهات عسكرية واسعة بين تركيا وروسيا. كذلك استعرض الدروس المستفادة بالنسبة لتل أبيب من إسقاط الطائرة الروسية على الحدود التركية مؤخرا، وما خلفه من تبعات.
من الصعب تخمين السيناريو الأكثر معقولية، لكن تركيا تدرك أن إسقاط الطائرة الروسية كانت خطوة بعيدة المدى وأعرب أردوغان عن استعداده للاعتذار (المتحفظ) ومن المتوقع من الآن فصاعدا أن يتخذ كلا الجانبين الاحتياطات. مع ذلك، الآن، وبمعزل عن كل السيناريوهات، يمكن لإسرائيل استخلاص عدد من الدروس والدلالات.
الدرس التكتيكي
يشير إسقاط الطائرة اولا وقبل كل شئ، إلى أن الحديث يدور عن هامش بسيط للخطأ. كان بإمكان الأتراك ضبط النفس وعدم إسقاط الطائرة الروسية. طبقا لصور الرادار التي نشرت يتضح أن الطائرة الروسية اخترقت بالفعل الأجواء التركية، لكنه كان اختراقا بسيطا جدا (تتراوح مدته بين نحو 10-15 ثانية) لم يكن هناك شك في أنه لا يحمل نوايا معادية تجاه تركيا. لم تسقط الطائرة بالخطأ، لكن ليس من الواضح من كان صاحب القول الفصل في الموافقة النهائية على إطلاق النار. في إسرائيل، يجب التأكد من أن هذه الصلاحية يختص بها المستوى السياسي- العسكري الأعلى.
يشير تسلسل الأحداث من اللحظة التي صدر فيها قرار إسقاط الطائرة إلى ضرورة ضمان أقصى درجة من التحكم في اتخاذ القرارات مع احتمال تصعيد المواجهات التي يمكن أن تتورط فيها إسرائيل مستقبلا.
صحيح أن في إسرائيل أجهزة آليات رقابة تصعيد فاعلة بشكل كاف وليس كل عمل حربي يقود لمواجهة شاملة، لكن يتوجب عليها تطوير التفكير الاستراتيجي حول آليات منع التصعيد وإنهاء المعارك- حتى إن كان الأمر يتعلق بعملية استباقية أو ردة فعل تنفيذها مهم وحيوي.
على مستوى التنسيق مع روسيا، بعد التدخل العسكري في سوريا، يجب الحفاظ على التفاهمات القائمة التي أنجزت في أكتوبر 2015 بينها وبين إسرائيل ودراسة ما إن كان يجب تطويرها الآن، كدرس من الحادثة على حدود تركيا.
علاوة على ذلك، نشر منظومة S-400 متطورة يغير قواعد اللعبة في المجال الجوي أيضا بالنسبة لإسرائيل ويستوجب بلورة آلية صارمة لمنع صدام إسرائيلي- روسي.
أيضا مع تركيا- التي ليس لإسرائيل نقاط احتكاك كبيرة معها- يجب استخلاص الدروس الصحيحة. أثبتت تركيا أن يدها خفيفة على الزناد وأنها تنفذ تهديداتها: قبل عامين حذرت تركيا أنها سوف تستهدف أية طائرة تنتهك سيادتها. بالنظر إلى الأمام وعلى خلفية صدامات سابقة ( مثل السفينة إلى غزة عام 2010) من الأهمية بحال أن تتذكر إسرائيل هذه المسألة بالنظر إلى مواجهة محتملة مستقبلية مع سفينة أو طائرة تركية، تقترب من الحدود الإسرائيلية.
الدرس الاستراتيجي
هنا تطرح مسألة الخيار الإسرائيلي: هل يجب اتخاذ موقف في الصراع بين تركيا وروسيا، وإن كان، فإلى أي جانب يصح التخندق؟ إسرائيل، وباستئناء الهجمات المنسوبة لها على أسلحة نوعية منقولة من سوريا إلى حزب الله، لا تعتبر لاعبا رئيسيا في الصراع الداخلي بسوريا وبين العناصر الخارجية المتورطة فيه، وبالطبع ليست طرفا في الصراع التركي- الروسي.
لكن دراسة المصالح الإسرائيلية في ضوء هذا الصراع تظهر وضعا معقدا. فمن جانب، على المستوى الثنائي، لإسرائيل مصلحة واضحة في دعم موسكو. تجرى الدولتان علاقات جيدة وراسخة ومستقرة، وحتى الآن نجحتا في تجاوز تبعات الوجود الروسي العسكري في سوريا.
في المقابل، فإن العلاقات بين إسرائيل وتركيا بقيادة أردوغان سيئة للغاية ومنذ 2009 تتميز بالكراهية المتواصلة، التي يبدو من الصعب إنهائها طالما ظل أردوغان مهيمنا على اتخاذ القرار في تركيا.
اختيار الجانب الروسي من شأنه أن يأتي بفوائد اقتصادية: فرضت روسيا عقوبات اقتصادية على تركيا، وإسرائيل من جانبها يمكن أن توفر لروسيا بديلا جزئيا عن تركيا في مجالات الزراعة والسياحة وغيرهما.
من جهة أخرى فإن اختيار تركيا تحديدا، التي تعمل ضد المحور الراديكالي في سوريا، يعبر جيدا عن المنطق الاستراتيجي والمصالح الإسرائيلية الجوهرية. العمليات الروسية في سوريا، برعاية الصراع ضد "الدولة الإسلامية"، تمنح بالفعل تصريحا دوليا لأعداء إسرائيل الأكثر خطرا- إيران وحزب الله ونظام الأسد.
في هذا السياق، لتركيا وإسرائيل مصلحة مشتركة، تتضمن الإطاحة بالأسد، وإضعاف الهيمنة الإيرانية في سوريا والضرر الذي سيلحق بحزب الله نتيجة لذلك. إذا ما أبدت تركيا استعدادها للعمل بالتعاون مع إسرائيل في مواجهة تلك التهديدات والتحديات والتقليل وفقا لذلك من عدائها لإسرائيل، ستطرح على الجدول مسائل أخرى يمكن أن تحقق مكاسب متبادلة: فتح السوق التركي للغاز الإسرائيلي (الحاجة التي ستتزايد مع تقليص تزويد تركيا بالغاز الروسي)، وتحسين دمج إسرائيل في نشاطات الناتو- (التي واجهت صعوبات بعد الاعتراض التركي)، وإعادة تركيا لدور لاعب إيجابي ورئيس في العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين والعالم العربي ( يمكن أن يقود عملية إبداعية تخلصها من الجمود).
ربما، تشير المصالح المتضاربة لإسرائيل في الصراع التركي- الروسي، تحديدا إلى الهدف الأهم حاليا- أيضا بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا- وهو تشكيل وبلورة استراتيجية تقود في وقت واحد أو على مراحل إلى إضعاف بل واستبعاد القوتين السلبيتين العاملتين بسوريا- نظام الأسد من جهة و"الدولة الإسلامية" من الجهة الأخرى.
مطلوب عملية مشتركة لإيجاد حل للأزمة بسوريا، مع دمج المساعي العسكرية والدبلوماسية والسياسية. الإبتكار الإسرائيلي في السياق يجب أن يشير إلى عدم القدرة على إعادة توحيد سوريا، وكذلك على ضرورة استقرارها بواسطة إعادة ترسيم حدودها، ربما في إطار فيدرالي.
في أي حل سيظهر، فإن الدرس من الصراع التركي- الروسي بالنسبة لكل المتورطين بسوريا، هو أنه في الشبكة المعقدة التي تشكلت بالشرق الأوسط لا يجب السماح للخصومة بين طرفين بـ"تبييض" طرف ثالث. وهذا يعني أن الرغبة في إضعاف "الدولة الإسلامية" لا تمنح نظام الأسد الشرعية بدعم إيراني، ومن جانب آخر، معارضة التدخل الروسي- الإيراني في سوريا- لا يمنح شرعية لـ"الدولة الإسلامية" أو جبهة النصرة كبديل للأسد.
التحدي هو، إيجاد الاستراتيجية الصحيحة والشاملة، المدعومة بإصرار، وبموارد وقوات برية، للنضال بشكل متزامن ضد الأسد وايضا ضد القوات السلفية- الجهادية بسوريا، وهكذا نشكل في هذه الساحة واقعا قابلا للتحقيق.