الحدث - مصدر الخبر
الحرب الجوية الباردة تستعر في سوريا، لإعادة بناء توازن في السماء بين الولايات المتحدة وروسيا.. وإيران التي تدخل السماء السورية.
وتنظيم «داعش» لم يعد هدف الحشد العسكري الوحيد المتزايد حول السماء السورية، من الأطراف كافة، بل السباق على منع الروس من الإمساك بالبر السوري، والحل السياسي والعسكري. كما يهدف السباق إلى استنزافهم، وتحميلهم المزيد من أعباء الحشد الجوي والبحري في سوريا.
وليس صحيحاً أن الأتراك يدخلون المواجهة مع الروس منفردين من دون حلفائهم، أو أن تردداً يسود صفوف هؤلاء بعد أن أطلق الأميركيون صفارة انطلاق السباق، عبر استنفار حلف شمال الأطلسي (الناتو) والقاعدة البريطانية في قبرص، وتسخين احتمال التدخل برياً.. عبر العرب والسوريين؛ إذ بدأ الأميركيون والبريطانيون، بمواجهة التعزيزات النوعية الروسية في سوريا، بتعزيزات تحافظ على التوازنات الجوية بين قواعد انجيرليك وأضنة من جهة، وقواعد حميميم والشعيرات الروسية السورية، بانتظار أن تتبلور وجهة التدخل البري، التي يزعم الجميع حتى الآن انه لن يقدم عليه، مفضلاً المنافسة في السماء، وترك البر «للعرب والسوريين كما جرت عليه العادة» على ما قاله رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، في نفيه أي نية لإرسال قوات تدخل بري إلى الأتون السوري. وهو ما كرره وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمس.
وبمجرد أن أعلن الروس عن إرسال أسراب جديدة من المقاتلات إلى سوريا، بدت الوجهة الروسية واضحة في رفع القوة الهجومية والاعتراضية، وعدم الاكتفاء بعمليات إسناد الهجمات البرية للجيش السوري، وتدمير البنى التحتية للمجموعات المسلحة، التي شغلت الروس 55 يوماً، حتى إسقاط الـ «سوخوي 24» بصاروخ تركي قبل أسبوع فوق جبل النوبة.
وبالإضافة إلى تسليح الـ «سوخوي 34» بصواريخ «آر 27»، تدخل المشهد السوري 12 مقاتلة «سوخوي 34» متعددة المهام (من أصل 36 مقاتلة من هذا النوع في سلاح الجو الروسي)، وأربع مقاتلات «سوخوي 30» هجومية (من أصل 40 مقاتلة لدى سلاح الجو الروسي). ونشر الروس منظومة تشويش الاتصالات «مورمانسك - بي أن»، التي يبلغ مدى عملها خمسة آلاف كيلومتر، وتعمل على تعطيل أي اتصال بين مقرات القيادة، والوحدات المقاتلة، وعزل المقاتلات عن أي اتصال خارجي.
ويبحر في عرض اللاذقية الطراد «موسكفا»، الذي يستكمل حماية الأجواء السورية بـ96 أنبوبة إطلاق لصواريخ «أس 300» المضادة للطائرات، وتنتشر حول قاعدة حميميم منظومة «أس 400» الصاروخية الأكثر تطوراً والأبعد مدى، والقادرة على التصدي للطائرات على بعد 400 كيلومتر، واعتراض الصواريخ المجنحة.
وفي مواجهة ذلك، نقل الأميركيون إلى قواعد انجيرليك وأضنة التركية، في 3 تشرين الثاني الماضي، 6 مقاتلات من طراز «أف 15 سي»، وقالوا انه يمكن أن تصل ست طائرات من الطراز ذاته قريباً. وتعمل هذه المقاتلة، التي يمكنها أن تكون نداً لـ «السوخوي 34»، على تعويض النقص في القوة الجوية التركية، إزاء الحشد الروسي الجديد، إذ تملك تركيا نماذج قديمة من طائرات «أف 16». وفي مواجهة الطراد «موسكفا» الروسي، أوعز الأميركيون لحاملة الطائرات «هاري ترومان» بالإبحار إلى شرق المتوسط، والتموضع في منطقة عمليات «موسكفا»، وربما إطلاق طائراتها الهجومية الـ 54، من منطقة قريبة من الطراد الروسي، نحو قواعد «داعش» في الشرق السوري.
وأرسل البريطانيون، الذين لا يملكون في المنطقة سياسة أخرى غير السياسة الأميركية، ست مقاتلات «تايفون» متطورة، تتمتع بميزات شبحية إزاء عمليات رصدها بالرادار. وقد شنت طائرات «تورنيدو» تابعة لسلاح الجو البريطاني غاراتها الأولى في سوريا بعدما أقلعت الطائرات الأربع من قاعدة «أكروتيري» في قبرص، وقصفت حقل العمر النفطي شرق دير الزور.
وتقول مصادر سورية إن الإيرانيين قد ينضمون إلى هذا السباق في السماء حول سوريا، للمرة الأولى منذ بداية الحرب السورية قبل خمسة أعوام، بعد أن اقتصرت مشاركتهم في الحرب السورية على الإسناد البري، عبر «فيلق القدس» وقوات عراقية تعمل تحت إمرة قائده قاسم سليماني.
ويجري الحديث عن نقل الحرس الثوري الإيراني سربين من طائرات «سوخوي 22» و «سوخوي 24»، أي ما بين 16 إلى 30 طائرة، إلى مطار «تي فور» شرق حمص. وهو المطار نفسه الذي بدأت العمل منه باتجاه أرياف حمص ومدينة تدمر، الطوافات الروسية المقاتلة، التي توفر حماية جوية للمطار الذي يقع على بعد 60 كيلومتراً، من منطقة العمليات مع «داعش» في تدمر.
وكان الحرس الثوري الإيراني قد أعاد تأهيل هذه الطائرات العراقية أصلاً، والتي لجأت إلى إيران، لتلافي التدمير خلال عدوان عاصفة الصحراء على العراق، في العام ١٩٩٢، لكن الإيرانيين اعتبروا 137 طائرة عراقية حطت في مطاراتهم آنذاك جزءا من تعويضات الحرب مع العراق، واحتفظوا بها، بعد سقوط الرئيس صدام حسين. وإذا كان ذلك مؤشرا على عدم رغبة الإيرانيين بترك السماء السورية للروس والأميركيين وحدهم، فإن الهدف من دخول الإيرانيين جواً أيضا، قد يكون دعم عملياتهم البرية في ريف حلب الجنوبي، والإعداد لعملية نحو تدمر، حيث يحتشد المئات من المقاتلين غرب المدينة.
وبحسب مصادر سورية مطلعة، لن ينخرط الروس لوقت طويل في سباق من دون أفق حول الأجواء السورية، إذ إن أهداف الحشد قد تكون عملية أسرع مما يتصور الأتراك، الذين انكفأوا بطائراتهم عن منطقة عمليات الروس، خصوصا في أرياف اللاذقية وجبل التركمان.
ولن يتوقف الروس عن التفكير، مع حلفائهم، عن توجيه ضربات انتقامية للأتراك في سوريا، وهذا مغزى نشر كل المنظومات الدفاعية الجوية، ومغزى ما قاله الرئيس فلاديمير بوتين بالأمس: «إذا اعتقد أي شخص أن ارتكاب جريمة الحرب النكراء هذه وقتل أبنائنا سيمر ببعض الإجراءات التي تتعلق بالبندورة أو فرض بعض القيود على الإنشاءات وقطاعات أخرى، فإنه مخطئ جدا، وإن تركيا ستندم».