الحدث - القدس
رصد تقریر صادر عن (المرکز العربی للدراسات الاجتماعیة التطبیقیة –حیفا)، ارتفاعا ملحوظا فی تنامی الهجرة الیهودیة خارج دولة الاحتلال، بسبب فقدان الأمن، حیث أشار التقریر إلى أن عوامل الطرد الدیمغرافی داخل "إسرائيل" تعاظمت فی السنوات الأخیرة، فأصبحت أعلى من عوامل الجذب إلیها، وذلک بسبب الهواجس الأمنیة للعدید من الیهود، وانعدام الشعور بأمنهم الشخصی فی عمق جبهتهم الداخلیة، بالإضافة إلى العوامل الاقتصادیة المتمثلة فی الضائقة المعیشیة والوضع الاقتصادی.
وقال التقریر إن حجم الهجرة المعاکسة ارتفع بشکل ملحوظ منذ بدایة الألفیة الثالثة ، خاصة فی فترة أوج الانتفاضة الثانیة وتحدیدا خلال السنوات 2001-2003، ثم هبط بعض الشیء، لیرتفع مرة أخرى فی عامی 2006-2007 فی أعقاب الحرب «الإسرائیلیة» ضد لبنان، فیما استمر عام 2012 الاتجاه نحو میزان هجرة سلبی، إذ وصل إلى الداخل المحتل 16,558 یهودیا، ونزح عنها فی ذات السنة 23,258 یهودیا؛ أی أن حجم الهجرة المعاکسة هو 6,670، ما یعنی أن المزید من الیهود «الإسرائیلیین» یفضلون الانسلاخ سنویا من"إسرائيل" والعیش خارجها".
وتشکل ظاهرة الهجرة المعاکسة من «إسرائیل» کابوسا حقیقیا للساسة «الإسرائیلیین» ودوائر صنع القرار فیها.
ویختلف قادة الاحتلال فی تقییمهم لظاهرة الهجرة المعاکسة، إذ یحمل أقطاب المعارضة الحکومة مسؤولیة هذه الظاهرة.
مدیر مرکز أطلس للدراسات الإستراتیجیة عبد الرحمن شهاب یؤکد انه على الرغم من عدم الوثوق فی دقة الأرقام التی تنشرها مراکز الدراسات والثقل «الإسرائیلیة» حول الهجرة المعاکسة، والتی قد تَبْنی علیها بعض الدراسات العربیة نتائجها، إلا أن هناک مصادر ومعلومات من خارج «إسرائیل» تؤکد ارتفاع معدلات الهجرة المعاکسة بشکلٍ کبیر.
وأوضح شهاب لـ"فلسطین الیوم" أن التقاریرَ «الإسرائیلیة» والعربیة التی ترصد تنامی الهجرة المعاکسة تعطی دلالة واضحة على حجم الرغبة لدى الیهود فی ترک «إسرائیل» والعیش خارجها، ویعطی دلالة قویة على عدم ثقة یهود العالم بأن "«إسرائیل» دولتهم الآمنة" کما یُروج صناعة القرار فیها.
ولفت شهاب أنه لابد من أخذ الأرقام الصادرة عن الاحتلال «الإسرائیلی» فیما یتعلق بالهجرة المعاکسة بعین الریبة، وعدم الوثوق فیها، لأسبابٍ موضوعیة وهی أن «إسرائیل» ودوائر القرار فیها لا تُفصح بصراحة ودقة عن أعداد الهجرة المعاکسة لأسباب عدیدة؛ من بینها الخشیة فی تنامی الظاهرة، والخوف من إشعار یهود العالم بعدم قدرة «اسرائیل» على حمایتهم؛ الأمر الذی قد یؤثر على الهجرة إلى الکیان.
وقال: الاحتلال یضع قیوداً کبیرة على أرقام الهجرة المعاکسة، ومراکز الإحصاء تحیطها هالة کبیرة من السریة، وتخضع للرقابة العسکریة، التی تحدد ما ترید نشره، وتحظر ما ترید إخفاءه.
وأضاف: أعتقد ان أرقام الهجرة المعاکسة کبیرة، وذلک یمکن تَلمُسُهُ من المصادر العربیة فی المدن المحتلة عام 1948، والأصدقاء فی المدن حول العالم وخاصة الأوربیة الذین یرصدون هجرة «الإسرائیلیین» إلیهم، وبعض الآراء التی تَخرجُ عن دائرة الرقابة «الإسرائیلیة».
ویرى شهاب أن هناک علاقة وطیدة بین الهجرة المعاکسة والشعور بالأمن داخل «إسرائیل»، وان المعادلة تقول کلما ارتفع الشعور باللأمن والخوف، ارتفعت معدلات الهجرة العکسیة، وهذا ما رصدناه بدایة الانتفاضة الثانیة.
وتوقع شهاب ان ترفع انتفاضة القدس الحالیة معدلات الهجرة بصورة غیر مسبوقة، مشیراً ان ثلاثة أسباب تدفع «الإسرائیلی» للهجرة خارج الکیان أولها من ناحیة نفسیة أن صورة الإعدامات المیدانیة للفلسطینیین فی الشوارع على مرأى ومسمع الجمیع تلقی ظلالاً سلبیة فی نفس «الإسرائیلی»، وتشعره بعدم أخلاقیة دولته المزعومة التی تروج لذلک.
وبین ان الدافع الثانی للهجرة المعاکسة یتمثل فی یقین «الإسرائیلیین» أن الفلسطینیین لن یطول صبرهم على الاعدمات والاعتداءات «الإسرائیلیة» المتکررة، وأنهم لن ینسوا جراحات أَبْنَاءهُمْ، ولا سیما أن تقاریرَ ودراسات «إسرائیلیة» ترى ان الانتفاضة لن تستمر بوتیرتها الحالیة (الحجر والسکاکین)، وإنما ستنتقل للمواجهة المسلحة، وبعدها ستتجه نحو العملیات الاستشهادیة داخل المدن المحتلة.
وثالث الدوافع من وجهة نظر شهاب، یکمن فی أن «الإسرائیلی» بدافعٍ شخصی یرى أن المکان المناسب للعیش والعمل له ولعائلته هو أوروبا، وأنها المکان الأفضل من «إسرائیل» التی تعانی من مشاکل أمنیة وسیاسیة واقتصادیة عدیدة.
فی السیاق یرى الکاتب السیاسی د. أسعد عبدالرحمن فی مقالة له بعنوان "الهبة الفلسطینیة" .. ماذا تحقق؟ أن من بین الإنجازات التی ستحققها انتفاضة القدس تَصاعُد الهجرة المعاکسة منها ونقص الهجرة الوافدة إلیها.
ویقول عبدالرحمن فی مقالته المنشورة فی صحیفة الاتحاد الامارتیة بتاریخ 13/11/2015: ولأن من أکثر ما تخشاه الدولة الصهیونیة هو الدیموغرافیا، وبسبب تراجع الإحساس بالأمن «إسرائیلیا»، وانتفاء دیمومة «إسرائیل» "واحة للهدوء والدیمقراطیة وجنة موعودة للیهود"، بات من المرجح تصاعد الهجرة المعاکسة منها ونقص الهجرة الوافدة إلیها، الأمر الذی یؤثر على سیاسة الاستیطان وإضعاف وتائره.
وتشیر تقاریر «إسرائیلیة» إلى اتجاه حاد للهجرة المعاکسة، وبالتالی إلى تناقص متراکم للعنصر البشری فی الکیان.
فقد جاء فی تقریر للمؤتمر الیهودی العالمی أنه منذ أوائل القرن الحادی والعشرین، بلغ متوسط الهجرة المعاکسة نحو 20 ألف سنویاً، بینما یتراجع باستمرار عدد المهاجرین إلى الکیان.
فعلى سبیل المثال؛ فی حرب تموز (یولیو) 2006 التی واجهت فیها المقاومة الوطنیة اللبنانیة الکیان، رصدت الإحصاءات «الإسرائیلیة» فی عام 2007 أن عدد الیهود الذین هاجروا من فلسطین المحتلة أکبر من أولئک الذین کان متوقعاً أن یهاجروا إلیها، فی الفترة نفسها، أی أن میزان الهجرة کان سلبیاً.
ووفق جریدة "یدیعوت أحرونوت" الصادرة یوم 20/4/2007 کان "من المتوقع أن تصل الفجوة بین الهجرة إلى «إسرائیل» والهجرة العکسیة إلى خمسة آلاف لمصلحة الهجرة العکسیة.
ومن خلال استطلاع «إسرائیلی» للرأی تبین أن 30 فی المئة من الیهود درسوا بجدیة الهجرة من «إسرائیل» فی حال أتیحت لهم الفرصة فی أعقاب الحرب على غزة (صیف 2014)، حیث بدت الصورة قاتمة، فلم تعد مغادرة الکیان "خیانة وطنیة"، کما کانت توصف سابقاً، بل فرصة أخرى للحیاة.
وجاء هذا الاستطلاع من خلال لقاءات مع «إسرائیلیین» هاجروا إلى بلدان أوروبیة أعربوا فیها عن سعادتهم بهجرتهم، معتبرین انه لا یمکن أن یکون الخوف والتوتر والضیق الاقتصادی قدرهم إلى الأبد، فیما سعى بعضهم إلى تنظیم حملات هجرة جماعیة.
وفی استطلاع آخر سئل أحد الیهود المهاجرین من الکیان عن سبب هجرته فأجاب: "لیس السؤال لماذا رحلنا، بل السؤال لماذا بقینا هناک طوال هذه المدة قبل أن نرحل"!