خاص "الحدث" - جميل عليان
في آب عام 1982 حين كان الفلسطينيون يخوضون معركة الدفاع عن بيروت أمام القوات الإسرائيلية المتقدمة، ألقيت أول قنبلة فراغية فوق بيروت، وعرفت فيما بعد العميلة الشهيرة بقصف عمارة عكر، التي كانت تأوي عشرات العائلات الفلسطينية النازحة.
كان ذلك في الأسبوع الأول من آب تحديدا في اليوم السادس منه، بعد 32 عاما، في الأسبوع الأخير، حصل قصف مشابه بقنبلة فراغية أكثر تطورا، أسقطت عمارة الظافر في تل الهوى في غزة.
وهوت البناية على مرأى العالم مثل عبوة كرتونية هشة تفسخت تحت وطأة حمل ثقيل.
وبعد وقت قليل، بات اسم الظافر واحدا من أكثر الأسماء انتشارا في مجتمع الأخبار، بعد أن نقل انهيار العمارة، بشكل مباشر، على وسائل الإعلام الدولية، لكن قصف بناية عكر الشهير الذي كان يستهدف الرجل الأول في القيادة الفلسطينية في منطقة الصنايع في بيروت لم تحظ بهذا النقل المباشر.
وبين التاريخين مرت أكثر من ثلاثة عقود، خاضت إسرائيل القوية عسكريا، حروب كثيرة، لكن شهود العيان على الحادثتين وجدوا الكثير من التشابه في تدمير البنايتين بالقنابل الفراغية.
كان اللواء ركن واصف عريقات المعروف بـ"أبو رعد"، وهو ضابط المدفعية الفلسطينية حينها في بيروت، واحداً من المفترض حضورهم لاجتماع مقرر كان سيعقده الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في بناية بيروت، لكن قرارا اتخذه قائد القوات الفلسطينية ياسر عرفات بتغيير مكان الاجتماع حال دون تحقيق إسرائيل هدفها في استهداف القيادة الفلسطينية.
وفي مقابلة خاصة مع جريدة "الحدث" قال اللواء عريقات" الحادثتان متشابهتان. الهدف الإسرائيلي كان ذاته".
وكان عريقات ألف واحدا من الكتب المشهورة عن حرب بيروت بعنوان "هكذا صمدت بيروت عام 1982" سرد فيه الكثير من الوقائع عن تلك الحرب ويومياتها.
وقال عريقات" هناك الكثير من التشابه في كلا الحالتين(...) كانت إسرائيل تبحث عن تحقيق إنجاز في بيروت ليخرج اريئيل شارون في مؤتمر صحفي من وسط بيروت.
الأمر ذاته في غزة، يبحث بنيامين نتنياهو عن تحقيق إنجاز في غزة".
وعمليا دمرت إسرائيل خلال نحو شهر ونصف آلاف الوحدات السكنية في غزة وتركت مئات الآلاف بدون مأوى.
في العام 1982 كان في بيروت الكبرى نحو 25 ألف بناية، لكن حجم الدمار كما يقول الصحافي الفلسطيني سليمان الفيومي وهو أيضا شاهد عيان على تدمير بناية عكر كان قليلا مقارنة بالحرب على قطاع غزة.
بالنسبة للفيومي، كان تدمير عكر، يوما لاينسى." غطى الغبار على كل شي. قتل الكثير من الفلسطينيين في ذلك اليوم(...) كان الفلسطينيون لجأوا من مخيم الضبية شمال بيروت إلى المبنى".
يردد الأمر نفسه اللواء عريقات.
وقال" الأهداف متشابهة. أرادوا قتل الفلسطينيين في ذلك اليوم. هكذا يعيد التاريخ نفسه الآن. هدف إسرائيل الأساسي الخروج من الورطة بمؤتمر صحفي".
كانت إسرائيل اجتاحت بيروت في صيف العام 1982 وخاضت حربا مع المقاتلين الفلسطينيين، وهو الأمر المشابه الذي حصل في غزة خلال الأسابيع الماضية.
لكن محللين كثيرين يرون أن الحرب الثالثة على غزة أكثر قسوة من أي حروب سابقة.
وفي كلتا الحالتين تعرضت مستوطنات وبلدات إسرائيلية لإطلاق قذائف من مقاتلين فلسطينيين. وكان سلاح الجو الإسرائيلي يستهدف المباني في بيروت، وهو الذي يدفع الفلسطينيين للرد.
في غزة ذاتها مسحت القذائف الإسرائيلية أحياء كاملة عن وجه الأرض. وتفيد إحصاءات أن إسرائيل دمرت في غزة بشكل كامل 20 ألف وحدة سكنية أصبحت غير صالحة للسكن، إضافة لقرابة أربعين ألفا بشكل جزئي ومتوسط وطفيف.
وقدرت القيمة الإجمالية الأولية للخسائر جرّاء هذا العدوان بما يتراوح ما بين 6-8 مليارات دولار أميركي حتى الآن.
وفي اللحظات التي هوت فيها مساء أمس بناية الظاهر، خرجت إلى المجهول عشرات العائلات التي اضطرت إلى الهروب من جحيم القصف.
ويعيش القطاع أهوال حرب هي الأشد في تاريخ الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، راح ضحيته آلاف القتلى والجرحى. بالنسبة لجواد أبو المجد الذي يعيش على مسافة كيلو متر واحد من بناية الظاهر " لا يمكن أن تعرف أي بيت سيهدم. أصوات الانفجارات تسمع في كل مكان".
وأضاف يقول لصحيفة "الحدث "بعد ساعات قليلة من انهيار البناية" هذا ليس أول برج يقصف خلال هذه الحرب. قصفوا من قبل أبراج أخرى(...) قصفوا بعد البرج بوقت قليل عمارات عالية في رفح وخانيونس".
وقال أبو المجد" إسرائيل تريد تدمير المباني بعد إخفاقها في الوصول إلى قيادة المقاومة". يردد المعني ذاته اللواء عريقات.
وقال عريقات ان شارون في العام 1982 لجأ للانتقام بقصف الملاجئ المأهولة بالمدنيين العزل في منطقة الفاكهاني بقنابل أل GBU-15” الذكية الموجهة لملاجئ الأبنية من الجو والصواريخ المضادة للإشعاع من نوع شرايك، وستاندرد".
ذاتها القوات الإسرائيلية في غزة استخدمت مختلف أنواع الأسلحة، وهي الآن في خانة المتهم باستخدام أسلحة محظورة دولية، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، كما يقول حقوقيون.