الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مقالات "الحدث": صافي الإقراض ... نزيف الموازنة العامة المستمر

2015-12-09 01:55:05 PM
مقالات
نزيف الموازنة العامة المستمر

بقلم : مؤيد عفانة/باحث متخصص في الموازنة العامة

تبعا لبيانات وزارة المالية الفلسطينية الخاصة بموازنة العام 2015، والمحدّثة لغاية نهاية شهر تشرين الأول / اكتوبر الماضي، بلغت قيمة صافي الاقراض (1,002.4) مليار ومليوني  واربعمئة الف شيكل،  وذلك في ظل عجز الموازنة العامة وأزمة مالية مزمنة تعاني منها السلطة الوطنية الفلسطينية، برزت معالمها في عدة مؤشرات منها الارتفاع الكبير في الديّن العام، وتراكم المتأخرات، الامر الذي ادى الى عدم ايفاء وزارة المالية بالتزاماتها المختلفة.

 

وصافي الاقراض Net Lending هو المصطلح المتداول منذ استحداث حساب الخزينة الموحد في عام 2002 للدلالة على المبالغ المخصومة من إيرادات المقاصة من قبل اسرائيل لتسوية ديون مستحقة للشركات الإسرائيلية المزودة للكهرباء والمياه للبلديات ولشركات وجهات التوزيع الفلسطينية، وغيرها من البنود الاخرى، بعضها معلوم الملامح والاخر مبهم.

 

ومنذ بدء العمل بهذا المصطلح "صافي الاقراض"، اضحى عبئاً ثقيلا على الموازنة العامة ومعضلة عصيّة على الحل الجذري، فالأصل هو أن لا يكون هناك بند كهذا في الموازنة العامة، وتعود هذه المشكلة إلى تخلّف الهيئات المحلية وشركات توزيع الكهرباء ومصالح المياه في الضفة الغربية وقطاع غزة عن دفع فواتير الكهرباء والمياه لصالح الجهات الموردة بشكل أساس.

 

ومن خلال التحليل التاريخي لـ( صافي الاقراض ) منذ البدء برصده بشكل دقيق فقد استهلك في الاعوام من 2003 ولغاية 2014، مبلغ (3,584.4) أي ثلاثة مليارات وخمسمئة واربعمئة وثمانين مليون واربعمة الف  دولار ،، أي ما يكافئ (13,620.72) ثلاثة عشر مليار وستمئة وعشرين مليون واثنين وسبعين الف شيقل، وبلغ معدل نسبة صافي الاقراض من اجمالي نفقات الموازنة العامة (11.31%) على مدار الاثنتي عشر عاما الماضية.

 

وعلى الرغم من كون صافي الاقراض يستنزف الموازنة العامة منذ سنواتٍ طوال، الا ان النزيف ما زال متدفقا، وشهد في الاعوام الاخيرة ارتفاعا حادا بعد نجاح نسبي للحكومة في تقنينه عام 2011، وعلى الرغم من تحوّل معظم البلديات وشركات توزيع الكهرباء الى نظام الدفع المسبق، واجراءات الحكومة ووزارة المالية للسيطرة على "صافي الاقراض" الى ان النتائج الفعلية على الارض تشير الى عكس ذلك.

 

ففي العام 2014، قدّرت وزارة المالية صافي الاقراض بمبلغ (600) مليون شيكل، ولكن على ارض الواقع تم انفاق (1,020) مليار وعشرين مليون شيقل ، أي بزيادة عن المخطط نسبتها (170.38%)، وعلى الرغم من رسائل وتوصيات الفريق الاهلي لشفافية الموازنة العامة حول خطورة صافي الاقراض واستنزافه لموارد الموازنة العامة، وضرورة تقنينه والسيطرة عليه، الا ان وزارة المالية الفلسطينية قدّرت صافي الاقراض في موازنة العام 2015 بمبلغ (800) مليون شيكل، وبنسبة زيادة قدرها (33.3%) عن المقدّر في موازنة العام 2014، ولكن على ارض الواقع كان النزيف اغزر واكثر تكلفة!! حيث بلغ صافي الاقراض الفعلي لغاية 31/10/2015، (1,002.4) مليون شيكل!! في عشرة اشهر من عمر موازنة العام 2015، وبمعدل شهري بلغ (100.25) مئة مليون وخمسة عشرين الف شيقل ، وتبعا لهذا المعدل فان صافي الاقراض سيربو في نهاية العام 2015 عن مليار ومئتي مليون شيكل!

 

في ضوء ما تقدّم نلاحظ ان صافي الاقراض له تأثير مباشر على الموازنة العامة، وفي الاعوام الاخيرة  يتزايد بشكل مضطرد، وتحيط به حالة غموض كبيرة، وهو مصدر لاستنزاف الموازنة العامة دون تفاصيل للمواطن، وفي كل عام من الاعوام الاخيرة تكون قيمته الفعلية اكبر من المخصص وبشكل غير طبيعي ودال احصائيا... لذا توجد ضرورة لمعرفة اين تذهب هذه الملايين والتي فاقت في الشهور العشرة الأولى من العام 2015 المليار شيكل، وذلك لضمان شفافية الموازنة العامة، وكذلك لضرورة الحد من هذا النزيف في قلب الموازنة خاصة في ظل العجز الذي تعاني منه الموازنة العامة في فلسطين، حيث بلغت متأخرات النفقات في العشر الاشهر المنقضية من موازنة العام 2015 (2,255) ملياران ومئتين وخمسة وخمسين مليون شيكل، وبلغ اجمالي الدين العام في نهاية تشرين اول / اكتوبر الماضي (9,731.3)  تسعة مليارات وسبعمئة وواحد وثلاثين مليون وثلاثمئة الف شيقل  !! تبعا لبيانات وزارة المالية الفلسطينية.

 

كما توجد ضرورة ملحّة لجملة اجراءات حكومية لوقف هذا النزيف منها الزام البلديات وشركات التوزيع بدفع مستحقاتها، وتنظيم قطاع الكهرباء بما يضمن العدالة وحقوق كل من المواطن والشركات والبلديات والحكومة على حدٍ سواء، اضافة الى معالجة القضايا العالقة في هذا الملف الهام، والافصاح عن ذلك للمواطنين تحقيق لمبادئ الشفافية في ادارة المال العام.