بالنسبة إلى «تاشفين مالك»، التي قامت جنبا إلى جنب مع زوجها، بقتل 14 شخصا في سان برناردينو بولاية كاليفورنيا، فإن بذور التطرف ربما تكون قد زرعت في مدرسة إسلامية محافظة في باكستان. ولكنها نكت وقضت معظم حياتها في المملكة العربية السعودية، وربما تكون قد تأثرت بالعلامة التجارية المحافظة للإسلام التي تمارس هناك. وبينما لا يزال جنوحها إلى العنف لغزا، فإننا نطرح سؤالا حول حقيقة علاقة المملكة العربية السعودية ورجال الدين الأصوليين بانتشار الإسلام «المتطرف» وهل بالإمكان القيام بشيء حيال ذلك.
التنامي الجهادي ليس مسؤولية سعودية
لقد أصبح من البديهي في الغرب أن يتم إلقاء اللوم على المملكة العربية السعودية في نشر الإسلام العنيف بسبب جهودها في توسيع أيدولوجيتها الدينية والتي عادة ما تعرف باسم السلفية أو الوهابية. تدعو السلفية إلى التفسير الحرفي لمصادر الإسلام (القرآن الكريم وأحاديث النبي محمد)، وتشجع التعصب ضد الطوائف الإسلامية الأخرى، وأبرزها الشيعة، الصوفية وسائر الزنادقة، وفقا للسلفيين.
ولكن التعصب لا يعني، كما أنه لا يؤدي بالضرورة إلى التطرف العنيف. وعلاوة على ذلك، فإن البيانات التي لدينا لا توحي بوجود رابط واحد بين العنف وبين النشاط الديني السعودي الذي بدأ في أوائل الستينيات. حيث أنفق السعوديون مليارات الدولارات من أجل دعم بناء المساجد والمؤسسات الدينية والتعليمية والمنح الدراسية ونشر الكتب والمجلات ودفع رواتب الدعاة. السعوديون، على سبيل المثال، بدؤوا نشاطهم المكثف في الهند منذ عام 1963، وحتى الآن فإن السلفيين الهنود منغمسون بقوة في السياسة الوطنية الديمقراطية، والتي لم تنتج أي تجارب جهادية سواء أكانت محلية أو عالمية.
لم يتورط السعوديون قط في نشر السلفية في العراق، رغم أنه المكان الذي ظهرت منه «الدولة الإسلامية» فيما بعد. أيضا، فقد أكد مسؤولو حكومة الولايات المتحدة مرارا وتكرارا أن الحكومة السعودية كانت حليفا قويا لعشر سنوات على الأقل في مجال مكافحة تنظيم القاعدة، ومؤخرا «الدولة الإسلامية»، وكلاهما ترغبان في غزو وتدمير الأسرة المالكة. من الصعب أن نعتقد أن السعوديين يواصلون تمويل وتملق أولئك الذين يرغبون في الإطاحة بهم. مما لا شك فيه، مع ذلك، أن هناك جيوب فردية كبيرة في شبه الجزيرة العربية قد دعمت الجهاد العنيف، إلا أن الحكومة السعودية تحاول تحديدها وإغلاقها.
الظاهرة الجهادية هي مشكلة عالمية. وكما نلاحظ من المآسي اليومية، فإنها ليست مرتبطة ببلد بعينه بقدر ارتباطها بسياق اجتماعي سياسي معين. الغالبية العظمى من السلفيين هم من غير العنيفين. وعدم قليل منهم يندفعون إلى العنف بدافع من المهانة الاجتماعية والشخصية فضلا عن اليوتوبيا السياسية «الخلافة» التي لم تدع السعودية لها يوما ما.
لا يمكن إيجاد تفسير أحادي للظاهرة الجهادية على شاكلة أنها نشأت «بسبب المملكة العربية السعودية». إذا كان الأمر كذلك فإن الحل كان ليكون سهلا وسريعا. ولكن لأن الأمور ليست كذلك، لذا فإن الاستجابة للظاهرة الجهادية يجب أن تشمل مجموعة من السياسات العسكرية والاقتصادية والفكرية والثقافية التي تشمل الرياض كحليف في مكافحة ظاهرة أدت إلى وفاة ومعاناة المسلمين أكثر بكثير من الغربيين.
«برنارد هايكل»: أستاذ للدراسات الشرقية في جامعة برينستون
المملكة العربية السعودية هي المشكلة والحل في نفس التوقيت
المملكة العربية السعودية هي مساهم كبير في مشاكل الشرق الأوسط، ولكن أيضا تمثل جزءا كبيرا من الحلول الممكنة لها.
يقدم النظام في البلاد نفسه بوصفه حصنا ضد التطرف، ولكن أوجه التشابه بين سوابقه القضائية وبين «الدولة الإسلامية» لافتة للنظر بما فيه الكفاية. المملكة العربية السعودية، بعد كل شيء، هي قلب القراءة غير الليبرالية للإسلام، وقد أنفقت المليارات لنشر هذا الفكر وتطبيعه. وفي ذات الوقت فقد كرست سياستها الخارجية جل مواردها من أجل إجهاض الربيع العربي كما دعمت الانقلاب في مصر، وتدخلت في الحرب الأهلية في سوريا وغزت اليمن وكل ذلك باسم «الاستقرار».
لكن القصة التي لا تحظى باهتمام بالغ هي تلك الخاصة بالمجتمع السعودي الذي خضع لتحديث ديموغرافي سريع على مدى العقدين الماضيين. انخفض حجم الأسرة وارتفعت معدلات التعليم بين الشباب لتصل إلى قرابة 100% ، كما ارتفعت معدلات استخدام الإنترنت بشكل حاد. البلاد لديها ثاني أكبر نسبة للهواتف الذكية في العالم وأكبر عدد سكان في العالم العربي على الإنترنت وأعلى معدل استهلاك للفرد في العالم من موقع يوتيوب.
وفي هذا السياق، يجب علينا أن نفهم ظاهرة «رائف بدوي» و«أشرف فياض» و«وليد أبوالخير» و«حسن فرحان المالكي». هؤلاء الرجال، بعد كل شيء، هم منتجات للمجتمع السعودي. اتصالاهم الوثيق بالتطرف قد جعل منهم أكثر الأصوات إقناعا في مواجهة التطرف.
إذا «انكسرت» السعودية، فإن ذلك سوف يكون له عواقب كارثية على المنطقة والعالم، كما أنه سيمثل أيضا مأساة فرصة ضائعة. المجتمع السعودي هو واحد من أكثر المجتمعات الواعدة في المنطقة، ومن المرجح أن ينتج بعض الأصوات العربية والإسلامية الأكثر إثارة للاهتمام والشجاعة للإصلاح.
لذلك فإن العالم يحتاج إلى استراتيجية ذات شقين: أولا فإن عليه أن يقف في وجه عجز النظام السعودي وتعنته، كما أن عليه أن يدعم بثبات الأصوات الإصلاحية الداخلية. نحن بحاجة إلى التوقف عن تمكين النظام السعودي، وعلى النقيض فإننا بحاجة إلى البدء في الإيمان بالمجتمع السعودي بشكل أكبر.
«إياد البغدادي»: كاتب وناشط إماراتي مقيم في المنفى
الغرب مسؤول أيضا
واحدة من التناقضات الرئيسية للسياسة الخارجية الغربية تجاه الشرق الأوسط هي التحالف الغربي مع المملكة العربية السعودية. بمواردها النفطية الهائلة وموقعها الاستراتيجي بين البحر الأحمر والخليج، أصحبت المملكة العربية السعودية المناهضة للشيوعية هي الحليف الرئيسي للغرب أثناء الحرب الباردة.
هذا التحالف مع الغرب، مع تدفق عائدات النفط الهائلة منذ السبعينيات، قد سمحا للمملكة العربية السعودية بتصدير علامتها التجارية من الإسلام السني وتشجيع التجانس في الممارسات الإسلامية في جميع أنحاء العالم وفق النموذج الوهابي. بما يعرف عنها من رفضها لتاريخ ما قبل الإسلام، وزيارة القبور، والاختلاط بين الرجال والنساء، وحماسها لتنقية الإسلام من الممارسات التي تزعم كونها منحرفة مثل التصوف والتشيع، كانت الوهابية بمثابة بروتستانتية جديدة أعطت الشرعية الدينية لفتوحات آل سعود.
تعاونت الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية لتقويض الاتحاد السوفيتي في أفغانستان خلال الثمانينيات. وكان لهذا التعاون مع الإسلام الراديكالي عواقبه الوخيمة. حيث كان صعود تنظيم القاعدة ومن بعده «الدولة الإسلامية» أحد نتائج هذا الاقتران بين أيديولوجية مغرية مع موارد دولة غنية بالنفط متحالفة مع القوى العالمية.
إذن، فإن انتشار الأيدولوجية المتطرفة هو نتيجة للسياسة الخارجية الغربية بقدر ما هو نتيجة للجهد السعودي. وقد سلك الدعم الغربي والخليجي للمتمردين السوريين مسارا مماثلا لما حدث في أفغانستان قبل أن تتحول «الدولة الإسلامية» إلى مهاجمة الغرب ودول الخليج. ولكن ليس من قبيل الصدفة أن «الدولة الإسلامية» تعتمد بعض الكتب الدينية السعودية في مدارسها، إضافة إلى قيامها باستهداف الشيعة مثلما أراد بعض المتعصبين السعوديين في وقت مبكر.
لم يؤد تحالف الغرب القوي مع الأسرة السعودية الحاكمة إلى الاعتدال في السياسات الدينية في البلاد، ولكنه أعطى في المقابل الفرصة للدولة الإسلامية من أجل توظيف هذا التحالف من أجل جعل ممالك الشرق الأوسط تبدو مثل الدمى.
الفرق الرئيسي بين أيدولوجية «الدولة الإسلامية» والحركة السعودية الوهابية هو أن «الدولة الإسلامية» تريد إقامة الخلافة، وتعتبر الملكية هي أحد الأشكال غير الإسلامية للحكم. وخوفا من هذا التحدي، فإن المملكة العربية السعودية تعمد إلى توثيق تحالفها القوى الدينية الوهابية المحافظة في البلاد.
بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن «الدولة الإسلامية» هي عدو يتبنى تفسيرا قريبا جدا من تفسيرها الديني الخاص للإسلام، لدرجة أن اندفاع السعودية نحو محاربة «الدولة الإسلامية» بشدة من شأنه أن يقوض سلطتها في الداخل. وهكذا، فإن استمرار دعم الغرب للديكتاتوريات في الشرق الأوسط تسهم في تأجيج النيران التي أدت إلى ظهور تنظيم القاعدة وتنظيم «الدولة الإسلامية»، على الرغم من الوعي المتزايد بأن هذه التحالفات هي سيف ذو حدين.
«توبي ماتسن»: باحث في العلاقات الدولية في الشرق الأوسط
استراتيجية طويلة الأمد لمحاربة «التطرف»
حاول المتطرفون رسم كل جزء ممكن في البيئة الثقافية المحيطة بالشبان المسلمين، في محاولة لجعل التطرف هو العقلية الطبيعية للوضع الجديد.
سافرت إلى 80 بلدا بين عامي 2009 و 2014 كأول مبعوث خاص أمريكي إلى المجتمعات الإسلامية. في كل مكان زرته، كان التأثير الوهابي موجودا يلعب دوره في تغيير الإحساس بالهوية الوطنية وتبديل الأشكال التاريخية من الممارسات الإسلامية الأكثر ارتباطا بالثقافة الوطنية. كان المال السعودي يدفع لأشياء مثل الكتب الدراسية والمساجد ومحطات التلفزيون وتدريب الأئمة.
لوقف تجنيد المتطرفين، يجب أن نكون أكثر اهتماما بتدمير سرديات المتطرفين الإسلاميين. . يجب أن نعطل تدريب الأئمة المتطرفين وإنشاء مراكز تدريب الأئمة في أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية بحيث تكون خالية من التمويل السعودي. يجب على المدارس والمكتبات أن ترفض الكتب المدرسية السعودية الحرة والترجمات التي تمتلئ بالكراهية. يجب أن يتم كشف التمويل السعودي للجماعات المتطرفة التي تتنكر في أردية التبادلات الثقافية والمنظمات الخيرية، ومنع السعوديين من هدم المواقع الدينية والثقافية الإسلامية المحلية التي تعتبر دليلا على تنوع الإسلام. إذا لم يكف السعوديون عما يقومون به، يجب أن تكون هناك عواقب دبلوماسية وثقافية واقتصادية.
هذه ليست فقط مسؤولية الغرب. يجب أن يقف بقية العالم أيضا في وجه المتطرفين لمنعهم من نشر بيئة الكراهية. يجب أن تصدر الدول ذات الأغلبية المسلمة دعوة واضحة للعمل على وقف تدمير ومحاربة التنوعات الثقافية الإسلامية المميزة لهم. كل هذا يجب أن يتغير كجزء من استراتيجية متماسكة وعملية طويلة الأجل لهزيمة «التطرف». مع نسبة 62 في المائة من 1.6 مليار مسلم في جميع أنحاء العالم تحت سن 30 عام، أعتقد أنه ليس لدينا وقت لنضيعه.
«فرح بانديث» .. زميل في معهد العلاقات الخارجية