الحدث - سي إن إن
طرحت الحكومة الأردنية في الأول من ديسمبر/كانون ثاني الجاري عطاء تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع ناقل البحرين (بين البحر الأحمر والبحر الميت)، بعد عاصفة من الجدل بدأت منذ توقيع الأردن مذكرة التفاهم الثلاثية نهاية 2013، مع الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني، وسط احتجاج أطياف من المعارضة الداخلية على المشروع التي اعتبرته ترسيخا للتطبيع مع إسرائيل في مشروعات استراتيجية حيوية.
وتحفظت تصريحات مسؤولين أردنيين على مدار الأشهر المنصرمة، على مخاوف تناقلتها تقارير صحفية من تبعات إنشاء المشروع بيئيا وسياسيا، وتقدم الجانب الأردني إلى الجانب المصري بتوضيح، ينفي أن يتضمن المشروع إنشاء قناة مائية على غرار قناة السويس للملاحة البحرية، كما ينفي تطوير المشروع بربطه بالبحر الأبيض المتوسط مستقبلا.
وكشف الأمين العام لسلطة وادي الأردن المهندس سعد أبو حمور، ورئيس لجنة المياه المشتركة للمشروع في حديث مع سي إن إن بالعربية، عن هذا التوضيح الذي قدمه الأردن مؤخرا لمصر للرد على شائعات تحويل ناقل البحرين إلى قناة مائية مفتوحة على غرار قناة السويس، منتقدا ما يتم تداوله بشأن مخاطر المشروع بيئيا وجيولوجيا.
وقال أبو حمور لسي إن إن بالعربية، إن المشروع يهدف إلى الحفاظ على البحر الميت من الانحسار حيث ينخفض بمعدل متر سنويا، كما يهدف إلى تزويد البلاد بالمياه المحلاة بما يسد احتياجاته المائية المتفاقمة، حيث تبلغ حصة الفرد المائية سنويا نحو 145 متر مكعب من المياه فقط، بحسب الأرقام الرسمية.
وسيتضمن المشروع في مرحلته الأولى بحسب أبو حمور، إنشاء مأخذ (intake structure) على البحر الاحمر ومحطة ضخ باتجاه محطة التحلية الواقعة شمال مطار محافظة العقبة جنوبي البلاد (على بعد نحو 23 كيلومتر عن نقطة النقل عند شاطئ العقبة) ، ليصار الى ضخ تلك المياه التي تتم تحليتها عبر محطتي ضخ إلى منطقة الريشة الأردنية التي ترتفع عن سطح البحر الميت بنحو 210 متر، ومن ثم سيتم نقل مخرجات التحلية من المياه المالحة من خلال أنبوب يصب في البحر الميت عند منطقة اللسان، على أن تشمل المرحلة الأولى نقل 120 مليون متر مكعب من تلك المياه المالحة إلى البحر الميت سنويا، من أصل 300 مليون متر مكعب سنويا سيتم سحبها من البحر الأحمر.
وفيما ينفذ المشروع على الأراضي الأردنية بالكامل، من المتوقع أن يعلق باب استقبال عروض عطاء التنفيذ للشركات العالمية والمحلية في 30 من آذار/مارس من العام 2016، على أن تبدأ مرحلة البناء عام 2017 لتستغرق نحو 3 سنوات.
ويعاني البحر الميت من الانحسار بمعدل متر سنويا، لأسباب عديدة في مقدمتها تحويل إسرائيل لمصبات نهر الأردن التي تغذيه إلى الأراضي المحتلة.
ولم يستطع الأردن إيجاد حل لتحويل تلك المصبات، فيما اعتبر أبو حمور أن مسؤولية تدهور مياه النهر تتحملها إسرائيل أولا والجانب السوري ثانيا، إضافة إلى الأردن لكن بدرجة أقل.
وقال أبو حمور:" كل دولة لها ذنب في هذه المشكلة، الجانب الاسرائيلي ربما حوّل أكبر نسبة بعد أن حوّل مصبات نهر الاردن إلى بحيرة طبريا وكذلك الجانب السوري حوّل مصبات نهر اليرموك بما يخالف الاتفاقيات المشتركة ونحن كجانب أردني قمنا ببناء بعض السدود على الأودية للحد من تدفق مياه الامطار أو الينابيع باتجاه النهر لكن بنسبة قليلة مقارنة بالجانب الاسرائيلي والسوري، كل الأطراف مشتركة ومسؤولة عن التدهور في مياه نهر الاردن، لكن بالأساس التدهور المسؤول عنه الأساس الجانب الاسرائيلي".
أما عن توزيع مياه المشروع المحلاة، بين أبو حمور أنها ستذهب إلى إسرائيل في الجنوب ويذهب من خلال خط يصل إلى نقطة تحددها إسرائيل على أراضيها ويذهب المتبقي إلى العقبة، فيما سيتم تحويل المياه التي تغذي العقبة من حوض مياه الديسي إلى المحافظات الأخرى في المملكة.
كما سيتم من خلال المرحلة الأولى للمشروع، إجراء مبادلة للمياه بين المملكة وإسرائيل سيحصل الأردن بموجبها على 50 مليون متر مكعب من مياه بحيرة طبريا، تصل عبر الأنبوب الذي نفذ بموجب معاهدة السلام (وادي عربة) ليتم ضخها إلى قناة الملك عبدالله.
وعن الحصص المائية بين الدول الثلاثة بالأرقام، قال أبو حمور إن حصة الأردن المائية ستتضمن 35 مليون متر مكعب المشروع كمياه محلاة، مقابل 50 مليون متر مكعب ستشتريها إسرائيل.
وعن مياه الديسي، سيحوّل الأردن مخصصات محافظة العقبة التي تقدر بنحو 18 - 20 مليون متر مكعب سنويا إلى محافظات أخرى، لتصبح الحصة الإجمالية للمملكة من المياه سنويا من تلك المصادر 150 مليون متر مكعب للأردن سنويا.
وحول حصول الأردن على حصته بالأصل من المياه بموجب اتفاقية السلام مع اسرائيل عام 1994، قال أبو حمور أنه يحصل عليها بالكامل، وأضاف: "ما كتب باتفاقية السلام كل مواطن له رأي فيها وأنا لي رأي فيها، نحن نحصل على حصتنا بموجب السلام من الجانب الاسرائيلي بواقع 35 مليون متر مكعب من بحيرة طبريا و15 مليون متر مكعب كتخزين كلها غير منقوصة على العداد ".
ويرفض الأردن اعتبار تزويد السلطة الوطنية الفلسطينية بالمياه من خلال إسرائيل حرمانها من حقوقها المائية، مؤكدا أنه ألزم إسرائيل ببيع (30 مليون متر مكعب) إلى السلطة، بحسب أبو حمور.
وقال: "إن الاتفاقية التي وقعت في واشنطن نصت على إلزام اسرائيل بتزويد الاراضي الفلسطينية بنحو 30 مليون متر مكعب من المياه المحلاة، حيث لا يمكن نقل المياه من الأردن مباشرة إلى الاراضي الفلسطينية".
في ذات السياق، تحفظ أبو حمور على أطروحات بعض خبراء البيئة في البلاد حول المشروع المتعلقة بالخشية من تغير الخصاص الكيميائية لمياه البحر الميت، أو حتى الارتفاع الضئيل لمنسوب البحر بعد تزويده بالمياه، بما لا يزيد عن بضعة سنتيمترات.
وبين أبو حمور أن منع انحسار منسوب البحر الميت بواقع 20 سم بحسب ما سيحققه المشروع، هو أفضل من "لا شيء" في الوقت الذي يبلغ معدل الانحسار سنويا مترا واحدا.
وأضاف: "درسنا كل المشكلات البيئية من قبل شركات مختصة ودراسة البنك الدولي أظهرت أن ضخ مياه حتى 400 مليون متر مكعب في السنة إلى البحر الميت لن تؤثر على تركيبته فيزيائيا وكيميائيا، لكن بعد هذه الكمية التي لا يمكن أن نصلها قبل 2040 عندها ربما يطرأ تغييرا."
وطلبت الحكومة الأردنية من شركتي البوتاس وبرمين الأردن المنشأتين في منطقة من البحر الميت، أن تؤسسا مختبرات على حسابهما لقياس التغيرات التي تطرأ على مياه البحر الميت وتزويدنا بها أولا بأول.
وبينما تعتبر منطقة البحر الميت منطقة نشطة زلزاليا، قال أبو حمور أن هناك مشاريع قائمة بما فيها مشروع جر مياه حوض الديسي الذي بدأ تشغيله بأنابيب مدفونة تحت الأرض منذ عام 2013.
ونفى أبو حمور صحة ما أشيع عن تزويد المشروع للمحطة النووية المرتقبة التي أعلن الأردن عزمها على بنائها بالمياه، وقال:" لا علاقة لناقل البحرين بذلك من قريب ولا من بعيد".
وفي مسعى للتأكيد على تبديد الأردن مخاوف الجانب المصري حيال المشروع، قال أبو حمور إن الحكومة الأردنية خاطبت مصر بعد طلب توضيحات، وأكدت أن المشروع ليس قناة مائية بل أنابيب مدفونة تحت الأرض، وقال : " أرسلنا للجانب المصري وقلنا أن المشروع هو أنابيب وليس قناة مفتوحة."
ولا يمكن تطوير ناقل البحرين إلى "قناة مائية" بحسب أبو حمور، ولا يمكن أيضا ربطه بالبحر الأبيض المتوسط، مشيرا إلى أنه لا يمكن رفع المياه من منطقة البحر الأحمر بمستوى أقل من 400 متر تحت سطح البحر واختراق الاراضي الفلسطينية والاسرائيلية.
كما نفى أبو حمور توجه البلاد إلى إنشاء أي خطوط موازية للمشروع لنقل حاويات البضائع عبر سكك حديدية.
وأضاف: " اسمه البحر الميت وحدوده واضحة والحديث عن ربطه بالبحر الابيض المتوسط هو عبث، كيف يمكن الربط من مستوى 400 من تحت سطح البحر إلى البحر الابيض المتوسط، هذا مخالف للمنطق."
وتنص الاتفاقية المبرمة بين الأردن واسرائيل، على توليهما إدارة المشروع كاملا دون أن تذكر السلطة الوطنية الفلسطينية، فيما تمنح أيضا الحق في مادتها 16 على زيادة اسرائيل لمشترياتها من المياه المحلاة من خلال إشعار مسبق.