الحدث- مصدر المقال
نشرت صحيفة السفير في عددها الصادر اليوم بتاريخ 12 كانون الثاني 2015، مقالاً لـ محمد محمود مرتضى، يناقش فيه النموذج العماني، كنموذج ناجح لتخطي الطائفية والمذهبية في الدول العربية، ويوضح كيف بالإمكان أن تنجح لبنان في تطبيق هذا النموذج.
وإلى نص المقال:
أن تسأل الرجل عن مذهبه او طائفته فذلك مخالف للقانون في سلطنة عُمان. سؤال يعرّض السائل للمعاقبة القانونية. هو قانون يحتاج الى الكثير من الحكمة، وقد اتخذته السلطات العُمانية لتحمي دولتها وشعبها من إعصار طائفي يجتاح العالمين العربي والاسلامي. لقد اختصرت عُمان طريقاً شاقاً وطويلاً حينما جرّمت الطائفية والمذهبية. وهو قرار يغني عن الكثير من الكتابات والتحذيرات والبرامج التوعوية في عالم تجتاح فيه القنوات المذهبية كل الفضاء وتهيمن المواقع الالكترونية الداعية للتعصب والكراهية على العالم الافتراضي.
تدرك السلطنة، التي تلعب دور الوسيط في التقريب بين الاطراف المتنازعة في المنطقة، خطر المذهبية على مجتمع عُماني متنوع ومحاط بساحة ملتهبة. فالمجتمع العُماني يحوي معظم الطوائف الإسلامية، وجميعهم من ابناء البلد منذ مئات السنين. يرجع بعض اطياف المجتمع العُماني الى جذور غير عربية، وبرغم قيام السلطنة بحفظ حق كل فئة بممارسة عاداتها وتقاليدها، الا أن ذلك لم يمنع وجود عادات مشتركة، هي الاكثر، بين الجميع، ما ادى لتقوية اواصر اللحمة بين فئاتهم.
صحيح أن سن القوانين المُجرِّمة للطائفية يحد من انتشارها وتوسعها، لكن الصحيح أيضاً أن الالتزام بهذه القوانين يعود الى وعي جمعي بحجم الضرر الناجم عن عدم الالتزام بها. والدليل على ذلك ان معظم البلدان العربية تجرّم الطائفية، ومع ذلك فإن هذه القوانين لم تمنع انتشارها. وهو امر يسجل للمجتمع العُماني.
من هنا يبدو التناغم الحاصل بين الشعب العُماني من جهة وسياسات حكومته من جهة ثانية. فالقوانين المُعاقِبة لأي سلوك في أي دولة لن تنفع، إذا ما كان حكامها غارقين في خطابات الكراهية والمذهبية. كذلك فإن ابتعاد الحكام عن هذا الخطاب يبدو غير منتج إذا ما كان الفضاء الاعلامي يغص بهذا النوع من الخطابات.
اننا نخادع أنفسنا عندما نقول في لبنان مثلاً إن العمل بقانون إلغاء الطائفية الذي نص عليه اتفاق الطائف سوف يحل المشكلة وينقل لبنان من الطائفية الى اللاطائفية. لقد كان شعار «إلغاء الطائفية من النفوس قبل النصوص» شعاراً نظرياً. فمطلقوه ارادوا منه منع تطبيق القانون كونهم اعتبروه ضرراً بموقع المسيحيين في لبنان. ولو كان من يحمل هذا الشعار جاداً في ما أطلقه، لوقف بوجه الخطاب الطائفي، لا شارك فيه وزاد في إشعاله.
ان ما أصبح يحتاجه لبنان الآن في ما يتعلق بإلغاء الطائفية، أكثر بكثير مقارنة بما كان يحتاجه منذ «اتفاق الطائف». فهو لا يحتاج فقط الى تشريع قوانين تجرّم الطائفية والخطاب الطائفي، بل الى اجراء تغييرات في البنى السياسية وعلى رأسها التخلص من فئة السياسيين الغارقين في وحول الطائفية حتى النخاع. فما كان يتم الحديث عنه من فرادة النموذج اللبناني بات من الماضي بفعل قيادات يضاف الى فسادها انها مدججة بمختلف الاسلحة المذهبية، وفئة من الشعب «المُخلص» لهذه القيادات.
بالعودة الى سلطنة عُمان، فان التجربة العُمانية جديرة بالدراسة، ويمكن للبنان وباقي العالم العربي والاسلامي الاستفادة منها. وهي تجربة يبدو أن بعض العرب مستاءٌ منها. لذا بدأت هذه الجهات بإصدار ونشر إحصاءات ودراسة عن النسب المئوية لكل طائفة في عُمان، وهو ما يطرح الكثير من الاسئلة عن أبعاد هذه الاحصاءات والدراسات، وعن الغايات والاهداف التي يبدو أنها تسعى وراء «ايقاظ» المواطن العُماني على طبيعة انتمائه المذهبي والطائفي.