السبت  16 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

سلاح الفلسطينيين الجديد

2014-08-26 12:04:05 AM
 سلاح الفلسطينيين الجديد
صورة ارشيفية
المقاطعة الاقتصادية... تهافت شعبي وتباطؤ رسمي
 
رام الله -محمود الفطافطة
 
تعود جذور المقاطعة أو الحصار الاقتصادي على اليهود المحتلين لفلسطين إلى زهاء قرن من الزمن. فعندما بدأ الفلسطينيون يشعرون بخطورة المخططات الصهيونية على وطنهم أدركوا مخاطر التعامل الاقتصادي مع اليهود وما يترتب على ذلك من تهديد لمصالحهم، ومن هنا كان اتخاذ المؤتمر الفلسطيني الخامس المنعقد في آب 1923 لذلك القرار الخاص بمقاطعة اليهود في الشراء وبيع الأموال غير المنقولة.
ومع حلول عام 1929 ازدادت حركة المقاطعة العربية، فقد تألفت في القدس لجنة لمقاطعة التجارة والبضائع اليهودية، لتنتقل إلى باقي المدن الفلسطينية، حتى إن التجار العرب رفعوا الكتابة العبرية عن يافطاتهم وإعلاناتهم. كما نُشرت إعلانات في الصحف تطلب عمالاً فنيين من البلدان العربية المجاورة للاستغناء عن اليهود، ولاستكمال حركة المقاطعة، وقد بلغت هذه الحركة حداً لافتاً في يافا، حيث أجبرت الجماهير مجلس بلدية المدينة على اتخاذ قرار بمقاطعة شركة كهرباء فلسطين - روتنبرج - وإنارة المدينة بمصابيح الكيروسين (لوكسات).
 
مواجهة وتواطؤ
وقد حاول الانتداب البريطاني شل حركة المقاطعة، فقامت بتسليم بعض اليهود في أسواق القدس ويافا وحيفا صفارات تنبيه لاستخدامها حين يرون أحد الشبان العرب يحث على حركة المقاطعة، وقد استخدمها اليهود بكثرة بالغة، وقُدم العديد من الشباب العرب إلى المحاكمة بتهمة التحريض على المقاطعة. وبتزايد الهجرة اليهودية إلى فلسطين واندلاع انتفاضة عام 1933 أصبحت مقاطعة اليهود أمراً متفقاً عليه وملتزماً به. وبقيام الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 عقد مؤتمر تجاري كبير حضره مئات التجار العرب ورجال الأعمال الاقتصاديين، وتقرر فيه فصل الحركة التجارية الوطنية في القدس عن كل علاقة تربطها بالغرفة التجارية التي يرأسها البريطاني مستر شيلي وعن كل علاقة باليهود، وإنشاء غرفة تجارية عربية يكون من أهدافها إنشاء الوكالات التجارية للمصانع الأوروبية حتى يستغني التجار العرب عن الوكلاء اليهود.
وبالفعل بدأت التجارة العربية تتحرر بشكل حاسم من ارتباطها بالاقتصاد اليهودي الذي كان يشكل عقبة في طريق نموها، وأصبح من السمات العربية البارزة في تلك الفترة: مقاطعة العرب للصناعات اليهودية بطريقة فعالة، واهتمامهم بتشجيع المنتجات العربية، وكانت هناك رقابة شعبية عربية للذين يتعاملون مع المتاجر اليهودية حيث يُعتدى عليهم أو تبلغ أسماؤهم إلى اللجان المحلية.
وعلى الرغم من ذلك - وفي ظل الدعم والمساندة التي كان يتمتع بها اليهود في فلسطين من الحركة الصهيونية - كان من الصعب علي شعب فلسطين أن يواجه بمفرده تلك المخططات الصهيونية، ومن ثم كان لا بد أن تتعاون معه الدول العربية، وهذا ما حدا بجامعة الدول العربية في السنة الأولى لإنشائها عام 1945 لاتخاذ قرار بمقاطعة البضائع والصناعات اليهودية، وشكلت لجنة لتنفيذ تلك المقاطعة، ومع أهمية هذه الخطوة في تلك المرحلة الهامة إلا أنه يبدو أن قرار المقاطعة اتخذ على عجل، ودون أن تكون هناك دراسة واضحة حول مفهوم وكيفية تطبيق نظام المقاطعة.
وبالتحولات التي طرأت على العالم العربي منذ بضعة عقود خلت، وما ترتب من علاقات سياسية واقتصادية بين إسرائيل وبعض هذه الدول تراجعت هذه المقاطعة بشكل كبير، مع الإشارة هنا إلى أن ما يثير الدهشة أن فكرة إنشاء السوق العربية المشتركة كانت رغبة ومصلحة عربية ملحة حتى قبل قيام إسرائيل، ولكن، للأسف الشديد، على الرغم من مرور عقود طويلة، إلا أن العرب لم ينجحوا حتى اليوم في تحقيقها!
 
بين القيود والذنب!
وها هم الفلسطينيون يعيدون الكرة وأخرى ليمتشقوا سلاح المقاطعة الاقتصادية للاحتلال في وقت فُرضت عليهم اتفاقيات اقتصادية تجبرهم على الابتياع من عدوهم، وتحرمهم من خلق بيئة تنموية تؤهلهم للاستغناء عن هذا العدو الذي يُمعن، بمنهجية، في سرقة مواردهم أو تدميرها أو الحيلولة دون استغلالها. مثل هذا السلاح يطل أحياناً بصورة محدودة ويختفي، وأحياناً بشكل موسمي، وفي أحايينٍ أخرى يبرز بسبب حدث جلل أو مؤثر.
وفي هذه المرة كان الدافع لهذه "الإطلالة" قيام إسرائيل بشن عدوان دموي ومريع ضد أهلنا في قطاع غزة. هذا الحدث جعل من أولئك الذين يُدمنون تناول السلع الإسرائيلية يصابون "بالخجل" والإحساس بالإثم الملازم للجرم، انطلاقاً من شعار "نبتاع سلعهم ليقتلونا بثمنها". في هذه "المشهدية الاقتصادية" للمقاطعة جاء هذا التقرير منطلقاً من جملة من الأسئلة، أهمها: ما هي جذور هذه المقاطعة؟ وما هو مسارها ومصيرها سابقاً ولاحقاً؟ وما هي الآليات التي بواسطتها يُملأ هذا السلاح ببارود التأثير والإنجاز؟ وما تأثيراته على الاحتلال؟ وكذلك، ما دور الأطراف المختلفة ومسؤوليتها في إنجاح هذا الفعل المقاوم؟ وأخيراً هل هذه الحركة من المقاطعة "سحابة صيف" أم سلاح مقيم ودائم؟
يقول الخبير الاقتصادي د. نافذ أبو بكر: "تعد السوق الفلسطيني هدفاً أساسياً للسلع والمنتجات الإسرائيلية، وتلك القادمة من المستوطنات، حيث بلغ إجمالي واردات الفلسطينيين من إسرائيل العام الماضي نحو 3.5 مليار دولار أمريكي، ونحو 500 مليون دولار واردات من المستوطنات المقامة على أراضي الضفة"، مضيفاً: " في المحصلة، المقاطعة هي ضرورة اقتصادية، يتجلى بعدها الاقتصادي في رفع نسبة حصة المنتجات الوطنية الفلسطينية في السوق المحلي بما يزيد عن 40%، وتوفير 30-40 ألف فرصة عمل".
 
الثالوث والصمود
ويبين أبو بكر أن الجانب الفلسطيني يستورد ما يقارب 4 مليار دولار سنويًا، مليارين منها فقط للسلع الإسرائيلية، أي أن 80% من السوق المحلي للمنتجات الإسرائيلية، و20% للمنتجات المحلية، مشيرًا إلى أن المقاطعة الاقتصادية يجب أن ترتكز في ثلاثة أشكال، أولها مقاطعة لكل ما هو إسرائيلي، وثانيها مقاطعة منتجات المستوطنات وثالثها مقاطعة المنتج الذي يتوفر له بديل عربي، وأكد على ضرورة تضافر جهود كافة الجهات المختصة من حكومة ومؤسسات أهلية وشعبية ووسائل الإعلام  والقيام بأدوار متكاملة لنجاح حملات المقاطعة أكثر وأكثر.
الخبير الاقتصادي والبيئي جورج كرزم يقول: "إن المقاطعة الشعبية للمنتجات الإسرائيلية  تعتبر من أهم أشكال المقاومة جذرية وفعالية خاصة بالتوازي مع تحسين جودة الإنتاج المحلي وتوسيع وتطوير القطاعات الإنتاجية الفلسطينية المختلفة وتوفير الحماية والدعم الحقيقيين للمنتجات المحلية".  ويضيف: "يجب علينا جميعاً أن نعمل كل ما بوسعنا لإضعاف الاحتلال، وذلك من خلال التوقف عن شراء بضائعه، وتشجيع اقتصادنا الفلسطيني وحمايته، من خلال شرائنا للبضائع الفلسطينية والعربية، علماً بأن جميع البضائع الإسرائيلية الأساسية، الغذائية وغير الغذائية، يوجد مقابلها بضائع فلسطينية أو عربية بديلة". 
ويذكر كرزم: "أن جزءاً هاماً من السلع التي نستهلكها، وغالبيتها مستوردة من إسرائيل والخارج، لا يشكل احتياجات أساسية وحيوية، وبالتالي يمكننا الاستغناء عنها، مقللين بذلك من تسريب الفائض المالي المتراكم للخارج، وبالتالي نعيد استثمار هذا الفائض داخلياً، استثماراً منتجاً ومستداماً"، منوهاً في الإطار ذاته إلى: "أن وقف أو فرملة استيراد أو تدفق السلع الغذائية الإسرائيلية والأجنبية الأخرى إلى السوق الفلسطينية يشكل مطلباً اقتصادياً ووطنياً ملحاً ويساهم جدياً في تعزيز الاقتصاد المحلي المقاوم، وتثبيت الارتباط بالأرض، والانطلاق لزراعة المزيد من الأراضي".
بدوره يقول رئيس جمعية حماية المستهلك الفلسطيني صلاح هنية إن المستهلك الفلسطيني لديه الوعي والانتماء الكبيرين لشراء منتجه الوطني، حيث أنه أصبح يختار بين مجموعة منتجات فلسطينية باتت حاضرة بقوة على الرفوف وفي الثلاجات، كما وأنه بات يشعر بفرق السعر لصالحه. ويضيف: "المقاطعة خرجت من نطاق التمني والتوسل إلى دائرة الفعل والحضور بقوة وتترك آثاراً واضحة المعالم على مكونات الاقتصاد الإسرائيلي، وهذا لن يقاس خلال أسبوعين أو ثلاثة، بل على فترة زمنية قابلة للقياس ضمن أدوات مضبوطة".
 
تقدم شعبي وغياب رسمي!
 وأكد هنية أن الجهد الشعبي بالمقاطعة لا بد أن يترافق مع دور حكومي واضح المعالم خصوصاً أن الرئيس محمود عباس استضاف مؤتمراً نظمه ديوان الرئاسة في العام 2007 لتشجيع المنتجات الفلسطينية ومنحها الأفضلية في العطاءات والمشتريات الحكومية، وأُتخذت مجموعة من الإجراءات، إلا أن هذا الأمر لم يُتابع من قبل الوزارات والهيئات الحكومية خصوصاً في المشاريع الكبرى، تارة خوفاً من مخالفة الاتفاقيات والبروتوكولات، وتارة خوفاً من تدخلات المانحين، رغم أن المبررين غير واقعيين وفق قوله. وأشار إلى عدم توافق حكومي مع الجهد الشعبي في المقاطعة رغم أن الحكومة تستطيع أن تدخل من شباك دعم المنتجات الفلسطينية ومقاطعة منتجات المستوطنات من باب حماية المستهلك عبر آليات وطرق كثيرة.
من جانبه يؤكد الكاتب في القضايا الاقتصادية د. عقل أبو قرع  أنه من أجل بقاء المقاطعة متواصلة يجب دراستها بشكلٍ علمي وموضوعي، وذلك في أن يتم تبيان الايجابيات وإظهار ما إذا كان لها سلبيات أو انعكاسات، موضحاً أنه بناء على ذلك تُحدد الوسائل والحوافز والبدائل، التي من الممكن أن تجعل من هذه الحملة عملية دائمة أو كجزءٍ من منهج حياة المواطن والمستهلك والتاجر والمورد وصاحب القرار الرسمي، وليست فقط رد فعل لحدثٍ ما.
ويوضح د. أبو قرع أن هناك اتفاقيات اقتصادية تحد من أو تقيد من زخم هذه الحملة، لا سيما المنتجات التي يتم إنتاجها أو تصنيعها أو مصدرها داخل إسرائيل، منوهاً إلى أن: "الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية بيننا وبين الإسرائيليين متصلة بالإطار السياسي العام، وبالتالي الإخلال بها أو تعديلها أو تجاوزها قد يكون له انعكاسات وآثار أخرى، سواء قانونية أو تجارية أو حتى سياسية، هذا إذا لم يتم، وبشكلٍ موضوعي، العمل على توفير بدائل أو أطر اقتصادية أخرى، عربية أو إقليمية أو حتى دولية".
عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، مفوض التعبئة والتنظيم جهاد العالول قال أن العدوان الأخير على شعبنا في الضفة والقطاع دفع المواطنين إلى تنامي المقاطعة الشخصية لمنتجات الاحتلال، مشدداً على أن هذه المقاطعة من أكثر المواقف تأثيراً وضغطاً على إسرائيل، إلى جانب دعمها للمنتج الوطني واستيعاب المزيد من الأيدي العاملة، وفتح المجال لكل مواطن للمساهمة في المقاومة الشعبية. وأضاف " سنحول هذه القضية إلى ثقافة ونهج للحياة، وسنمنح شهادة لكل تاجر أخلى  متجره من البضائع الإسرائيلية"، معبراً عن سعادته بالإقبال الطوعي من قبل المواطنين للمقاطعة.
 
برامج متدحرجة!
وفي السياق ذاته يؤكد رئيس اتحاد جمعيات حماية المستهلك المهندس عزمي الشيوخي وجود برنامج شعبي ووطني متدحرج يهدف إلى إزالة منتجات الاحتلال من السوق الفلسطيني، وأن البرنامج يعتمد على كافة أشكال المقاومة الشعبية الميدانية بما فيها المسيرات والاعتصامات أمام مقرات ومستودعات المروجين للسلع الإسرائيلية".  وأوضح الشيوخي أن ذروة الاحتجاجات ستصل إلى مقاضاة من يريد الإمعان بالاستمرار في ترويج منتجات الاحتلال وخدماته وفقا للقانون. وفي هذا الخصوص يُذكر الشيوخي بقانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960 المادة 127 والتي تجرم كل من عقد أو حاول عقد صفقات تجارية مع احد رعايا العدو بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تنقص عن مائة دينار أردني.
أما منسق الحملة الشعبية لمقاطعة البضائع الإسرائيلية في الضفة الغربية خالد منصور فيرى أن الهدف من المقاطعة، هو عزل إسرائيل سياسياً واقتصادياً، ومحاولة لتعزيز المنتج الوطني الفلسطيني وإيجاد نفسه في الأسواق المحلية والعربية. وقال "المفهوم من مقاطعة بضائع الاحتلال هو منع وصول الأموال التي يجنيها من هذه المنتجات إلى الجيش الإسرائيلي الذي يقتل أطفالنا وشيوخنا ونساءنا"، مشيراً إلى أن الأسواق الفلسطينية تحتوي على بضائع إسرائيلية بقيمة 4-5 مليار دولار، تجني منها سلطات الاحتلال 16% ضرائب تذهب إلى الجيش.
إلى ذلك، يقول مدير مصنع  " البينار" للألبان في رام الله منتصر بدارنة، أن المنتج الإسرائيلي يسيطر على 60 % من سوق الألبان في الضفة والقطاع، مشيراً إلى الزيادة في إنتاج المصنع بعد المقاطعة والتي ارتفعت إلى 35%. ويضيف: "هناك التزاماً شخصياً من قبل المستهلك الفلسطيني بعدم شراء البضائع الإسرائيلية لأن الصور من غزة أعطتنا دافعاً لعدم شراء البضائع الإسرائيلية".
التاجر أبو نعمان عبد الدايم يقول: "حتى تنجح المقاطعة فلا بد من توافر عوامل أهمها: تعزيز ثقافة المقاطعة على المستوى العائلي و المدرسي، وتحسين النوعية والاهتمام بالجودة للمنتج المحلي أو حتى المستورد، ودراسة اﻻسعار بعناية وما يتناسب مع الوضع اﻻقتصادي خشية أن تعود المنتجات الإسرائيلية بغزو الأسواق من بوابة العروضوالتوفير".
المواطن جعفر كنس يقول: "إن المواطن ينظر طويلاً مثل هذه الخطوة الهامة التي تحفز الإنتاج والاستهلاك الوطني وتضعف الاقتصاد الإسرائيلي، محذراً في الوقت ذاته من استغلال بعض التجار من هذه الروح الوطنية للمقاطعة عبر رفع الأسعار أو الاحتكار".
وبهذا، فإن شعارات مثل (لا تدفع ثمن رصاصهم ليقتلوا أطفالنا، شرائك للمنتج الإسرائيلي يساهم في التبرع للجيش الإسرائيلي بـ 16%، قاطع منتج عدوك، اطعم أولادك من خير بلاد) تساهم في إشعال جذوة الانتماء للمنتج الوطني واتقاد شعلة الوعي بقيمة هذا المنتج، بعيداً عن التهام منتج العدو الذي يلتهم الوطن بأبنائه وموارده.