#سلموا_المعبر
اكتظ الفضاء الافتراضي بحملة من قلب قهر قطاع غزة على هاشتاج #سلموا_المعبر وذلك بعد ان كابد الآلاف من أهلنا في القطاع ذلاً ومهانة على معبر رفح الذي فتح مؤخراً ليومين بعد أشهر من الإغلاق. الحملة موجهة لحركة حماس التي تصر على الاستحواذ على قطاع غزة والسيطرة على معبره البري الوحيد رغم ما ينتج عن هذه السيطرة المسلحة من معاناة تعجز الكلمات عن وصفها. وقد سبق وصرح قياديون كبار في حركة حماس أنهم لن يسلموا المعبر للجهات الرسمية في حكومة "الوفاق" التي ساهموا في تشكيلها رغم تأكيد السلطات المصرية أنهم لن يفتحوا المعبر دون ذلك إلا في حالات استثنائية، ما يعني استمرار معاناة قرابة مليوني فلسطيني بسبب هذا الموقف الفصائلي المتعصب. وقد قابلت حركة حماس هذه الحملة اللا-فصائلية وهذا المطلب الأساسي المشروع بالتهجم على مطلقيها والمشاركين فيها وذهبت حتى التشكيك في وطنيتهم.
لكن الاتهام الأكثر فظاظة هو الذي وجهه قياديون بارزون في الحركة بأن من يطالبون بتسليم المعبر هم ضد "المقاومة" ويريدون "حرف البوصلة" عن الهبة الشعبية المستمرة وكأن أمن الفصيل يحتاج لحماية "المقاومة" من الشعب. نسي هؤلاء أن المقاومة تولد من رحم الشعوب وقرارهم وأن شعبنا، وتحديدا أهلنا في القطاع المحتجز، قدموا تضحيات تفوق قدرة البشر من أجل فلسطين وحريتها وصبروا على جولات القتال التي خاضتها الفصائل وأنتجت ويلات إنسانية لا زالت مستمرة وأن شعبنا لا يزال يقدم الغالي والأغلى في سبيل الحرية دون انتظار توجيهات من أحد فهو الموجه وفي وعيه بوصلة لا تحيد عن الحرية ولا يسطو عليها فريق أو قبيلة مهما علها صوتها وقسى سوطها.
لقد كشفت هذه الحملة أن الغرور في التعامل مع الناس هو عنوان لأطول وأكبر حالة احتجاز للرهائن عرفها التاريخ: قرابة اثنين مليون من البشر هم الآن حبيسو أوهام وشعارات تساق على أنها إرادة شعب وعنوان لانتصار مزعوم يتفاخر فيه الفصيل الأوحد. شكراً لمطلقي الحملة وللشباب والشابات الذين كسروا حاجز الخوف وتحدوا رسائل الترهيب والتخويف واستدعاءات أمن الفصيل من أجل إيصال صوت الناس المقهورين ورفض الدعاية الكاذبة بأن أهلنا في غزة راضون بالسجن والقهر ومستسلمون له كقدر فرض لأجل استمرار الفصيل في استحواذه على الوطن وقدره وعلى الشعب ومستقبله.
الأمن والفخ
لا شك أن فريق المحامين والساسة الإسرائيليين اللذين كتبوا اتفاقية أوسلو سعيدون بنجاحهم وانتصارهم على الوعي الفلسطيني. فقد حرص هؤلاء على تجهيز الفخاخ للشعب الفلسطيني في نص وروح الاتفاقية المرحلية التي لم يكن مكتوبا لها أن تنتهي برسم هؤلاء. أهم فخ في هذا السياق هو علاقة الشعب بالسلطة التي أنشأت لتنقلهم من الاحتلال إلى الاستقلال وتحديداً بالأجهزة الأمنية التي طلب منها أن تحقق المعادلة المستحيلة: الأمن في ظل الاحتلال. وبهذا، كلما أرادت اسرائيل أن تزرع الإحباط والإهانة في وعينا الجمعي، ما عليها إلا أن ترسل دورية لجيش احتلالها إلى إحدى المدن المصنفة كذبا بمناطق "أ" - أي تحت السيطرة الفلسطينية- حتى نتطوع نحن لمهاجمة أنفسنا واطلاق حكم العمالة على أبنائنا ولومهم بأقسى العبارات على عدم التصدي للمحتل، متناسين أن الاحتلال قائم ومستمر وأن فقاعة مناطق "أ" ليست سوى فقاعة كاذبة وأن الحياة اليومية لغالبية شعبنا لا تزال محكومة بقرار من جندي مستجد في جيش الاحتلال.
نطلب من الضباط المواجهة العسكرية ونحاكمهم على عدم خوضها في حين نعلم علم اليقين أن الارادة السياسية لمواجهة مفتوحة وغير متكافئة من هذا النوع غير موجودة عند أي فصيل مهما بلغت حدة شعارات بيانته الإنشائية. ثم نحاكمهم لأن واقع الاحتلال فقئ فقاعتنا الجميلة في مناطق "أ" ونتجاهل التناقض الصارخ في عويلنا عن حماة الوطن وتخاذلهم المزعوم عن حماية السيادة رغم أننا نصرخ ليل نهار أننا تحت الاحتلال وأن لا سيادة بوجوده سوى لإرادتنا في ترسيخ الحرية مهما كان الثمن. أي انفصام هذا الذي حبسنا أنفسنا فيه وأي جلد للذات هذا الذي نصر عليه في وقت نحن بأمس الحاجة فيه لصوت العقل وحكمة الوحدة.
نطلب منهم أن يجرونا إلى واقع لا قدرة لهم على تحمل أعبائه ونتناسى أنهم، وضمن ما أوكل لهم من مسؤوليات مستحيلة، يستحقون التحية لأنهم ورغم كل الصعوبات حققوا لنا من الأمن ما يسمح لنا بالاطمئنان في بيوتنا والتأمين على أنفسنا وأولادنا وممتلكاتنا في حياتنا اليومية وحيث لا يتدخل الاحتلال بفظاظته المعتادة في حياتنا. معدلات الجريمة في فلسطين تهبط ولا ترتفع وذلك رغم قسوة الأحوال الاجتماعية والسياسية وهي عوامل تزيد من الفلتان والجريمة في أي مجتمع. نتناسى أيضاً أن هؤلاء، وعندما كان هناك قرار بالمواجهة، لم يترددوا في الذود بأرواحهم وحريتهم في سبيل حريتنا رغم أننا، نحن الغاضبون اليوم، لم نفكر حينها بهم حتى أن بعضنا لم يستقبلهم أو يقدم لهم كوباً من الماء عندما كانت المواجهة في أوجها وكانوا يختلسون الحياة من براثن محاولات الاغتيال والاعتقال والإهانة الجمعية على شاشات التلفاز العالمية.
لا تطلبوا من أفراد الأمن – وهم أبناؤنا وبناتنا – أن يتخذوا قرارات ليست من اختصاصهم. قرار المواجهة المفتوحة سياسي وعلينا أن نفخر بانضباط الأمن وعدم انقضاضه على القرار الوطني في ظرف يمكن أن يستغل بهذه الطريقة وأن يجعلنا رهائن في حاضرنا ومستقبلنا لمنطق القوة بدل قوة المنطق. شكراً لهم ويا ويلنا من أنفسنا.