الحدث -
هناك تساهل مبالغ به في منح أبناء الرجل الأردني حق المواطنة التلقائية وتشدد مبالغ به في حرمان أبناء الأردنيات من ذات الحق
عمان – بثينه السراحين
ما إن أعلنت الحكومة الأردنية، نيتها منح أبناء المواطنات المتزوجات من غير أردنيين حقوقا “مدنية خدماتية؛ لا سياسية”، حتى قامت الدنيا ولم تقعد في مملكة لا يكلّ تيار من محتكري “الوطنية” فيها عن تخوين كل مَنْ يطرح ما سبيله إنصاف الإنسان في هذا البلد؛ الذي قامت دعامته الحضارية ونهضته الحديثة أصلا على مكوّن إجتماعي متعدد الأصول والمنابت وبشهادة أبرز مؤرخيه.
إلا أن هذه الأصول والمنابت، التي حرص الملك الراحل الحسين بن طلال على إبراز دورها واستحضارها في خطاباته الرسمية؛ لا يقرُّ بشراكتها الوطنية تيار متشدد ينكر عليها دورها المحوري في بناء المجتمع وتحصين مكوّنات الدولة، ويصرُّ على اختزالها في فزاعة الوطن البديل! هذا التيار الذي يكاد يؤجج “حربا أهلية!” - وفق تعبير ساخر لكاتب ومحلل صحفي - لمجرد أنّ الحكومة قررت منح تسهيلات في قطاعات التعليم والصحة وتسهيل إجراءات التنقل والسفر لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين.
النسور: كيري مُش داري!
رئيس الوزراء الأردني عبدالله النسور سخر من ربط قضية خدماتية تنهي معاناة مواطنات أردنيات وأبنائهن بمشروع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري؛ مشددا خلال لقاء جمعه برؤساء تحرير اليوميات الصحفية وعدد من الكتاب بالقول: «يعني بعضهم يريد إقناعنا بأنّ كيري ينام ويحلم بأبناء الأردنيات.. شو دخل كيري بطفل إبن لمواطنة أردنية يريد أن يذهب للمدرسة أو يتعالج في مركز صحي.. يا إخوان عندما تعود فلسطين سيترك هذا الطفل مدرسته الأردنية ويذهب إلى حيفا».
وأوضح رأس الحكومة، خلال ذات اللقاء، أن «كيري (مش داري) عن هالموضوع ولا يطالب به أصلا، ومعالجة هذه المسألة المطلبية لا تؤسس أي مخاطر على الأردن ولا تعفي إسرائيل من مسؤولياتها... واكتبوا على لساني :لا تجنيس إطلاقا ولا للتجنيس ولا أعتقد أن دخول طفل في مدرسة أردنية سيؤثر في قضية فلسطين، وكل القضية مجرد خدمات اقترحها بعض الأخوة النواب لأبناء الأردنيات لا أكثر ولا أقل؛ وغير معقول أنّ إبن الأردنيّة يرغب بقيادة سيارة في عمان مثلا وأنّ كيري مهتم بالقصة!».
للمزيد من التوضيح والتنقيب والبحث في مسألة إنسانية وحقوقية أُثير حولها الكثير من اللغظ مؤخرا وصل حد توصيف المسألة بغربنة شرقيّ النهر!، كان لقاؤنا التالي مع وزيرة الثقافة الأسبق والناطقة بإسم الحكومة الأردنية الأسبق، ورئيسة إتحاد المرأة الأردنية الأسبق، ومُؤسسة أول منظمة حقوقية مدنية في الأردن (ميزان)، الأمينة العامة الحالية للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، عضو مجلس الملك الأردني (الأعيان) الحالي، الناشطة النسوية الأردنية المحامية أسمى خضر:
عنصرية على رؤوس الأشهاد!
محاولات الحكومة التجاوب مع مطلب «مواطنات» بتوفير ظروف حياة أقل تعقيدا لأبنائهن غير الأردنيين جوبهت بمناهضة غلفتها إتهامات بالتخوين والعمالة من قبل شخوص يفترض بأنهم قادة رأي في المجتمع؛ برلمانيين وكتابا ووزراء ومسؤولين سابقين، بل وصل الأمر برئيس سابق للديوان الملكي بالتعبير عن ممانعته لهذا الطرح بالإعتراف علنا «نعم عنصريّة وعلى رؤوس الأشهاد»، المحامية أسمى خضر رفضت الردّ على هذه «المهاترات» حسب وصفها، معلقة «شخصيا يُحزنني أن يُدار الحوار بهذا الأسلوب حول هذه القضية، ونحن نختلف في الرأي؛ لكن نتحاور بعقلانية وبما يؤدي لتحقيق العدالة للجميع، وإن كانت لهؤلاء هواجس حول مشروع الوزير كيري، فأنا أقترح (على الأقل) المسارعة بمنح الحقوق لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير فلسطينيين، لأنّ هناك مظالم ومعاناة تحتاج معالجتها على وجه السرعة لهذه الفئة المتضررة».
وأما المتزوجات من فلسطينيين، فلا تُنكر «خضر» على أبنائهنّ حقوقهم المدنية التي يتوجب إستيفاؤها، لكنها تقترح ولمجابهة التيار الذي يصرّ على ربط القضية بالمشروع السياسي المثير للجدل “تأجيل النظر في موضوعهم، أي أبناء الأردنيات إلى ما بعد إنجاز خطة كيري»، موضحة أنّ «أصدق دليل على أنْ لا علاقة للوزير جون كيري ولمشاريع التوطين بهذا المطلب العادل هو أنّ هذه المبادرة بدأت منذ نحو أربعين عاما مضت، ومنذ ذلك الحين برزت مطالبات علنية وصيغت مذكرات رسمية تم رفعها للحكومات وتمّ إدارة ندوات وعقد محاضرات لإثارة هذا المطلب وتسليط الضوء وعليه، وقد لوحظ طوال الفترة الماضية أنّ الآراء كانت دائما متباينة حول مطلب المرأة الأردنية بمنح أبنائها حقوقا مدنية، وأذكر أنّ هذه الحملة المثارة حاليا ضد هذا المطلب سبقتها حملة مشابهة في أوائل تسعينيّات القرن الماضي وتجسدت بتعقيبات وتعليقات صحفية نشرت في الأسبوعية الأشهر آنذاك (شيحان)، ممّن أعلنت عن فكرة الممانعة القوية لهذا المطلب”.
زوجات الفلسطينيين في الصدارة
وزير التنمية السياسية الأردني الدكتور خالد كلالدة صرح، مؤخرا، بأن (89) ألف أردنية متزوجة من غير مواطنها، فيما أفصحت وزارة الداخلية، حديثا، عن أعداد وجنسيات أزواج الأردنيات، والتي جاءت كالتالي: الفلسطينية 50555 ، المصرية 7080، السورية 7049، السعودية 4215، العراقية 2710، الامريكية 2411، اللبنانية 1926، الاسرائيلية 771، الالمانية 730، الكويتية 557، الكندية 546، اليمنية 523، البريطانية 457 والاماراتية 446.
ومع أنّ إحصائية وزارة الداخلية تظهر أن الفلسطينيين في الترتيب الثالث لجهة جنسيات أزواج الأردنيات من غير أردنيين، إلا أن الوزيرة خضر تشدد أن «الإحصائيات التي لديّ تظهر أن العدد هو (83) ألف أردنية متزوجة من غير أردني، وبأن الفلسطينيين يتصدرون المرتبة الأولى وليس الثالثة من حيث النسبة الأعلى في جنسيات أزواج الأردنيات، وإن أردنا معرفة العدد الكلي لأبناء الأردنيات غير الأردنيين فعلينا مضاعفة الرقم لأربع مرات حسب الإحصائية الرسمية التي اعتمدت معدل إنجاب حُدد بأربع ولادات لكل واحدة».
وتستدرك خضر “هذا الرقم باعتقادي (مُهول)، وغير واضح، ولا يعطينا معيارا دقيقا أو رقما صحيحا للنساء المحتاجات (فعليا) لتحصيل حقوق مدنية لأبنائهن، وعلى سبيل المثال هناك الكثير من الفلسطينيين نجحوا بضمّ نسائهم وأطفالهم إليهم داخل فلسطين، ومنهنّ كثيرات حصلن على أرقام وطنية فلسطينية، ولم يَعدنَ بحاجة للمطالبة بأية حقوق لأبنائهن. ناهيك عمّن هاجرن وعوائلهن للغرب وحصلن وعوائلهن على جنسيات البلاد التي استقروا فيها، ولا نية أو حاجة لديهم منطقيا للمطالبة بحقوق مدنية في الأردن، ومن هنا أودّ التنبية والإشارة إلى أهمية التفريق هنا بين إحصائية رسمية مجرّدة عن أعداد المتزوجات من غير أردنيات وبين عدد المحتاجات منهن (فعليا) لحقوق مدنية لأبنائها، وهذا الرقم الدقيق لن نتعرف إليه إلا بإعداد إحصائية مستقلة ومختلفة”.
فك الإرتباط حسم المسألة
يخلط البعض بين مسألة قانونية واضحة مقرّة ومحسومة في قرار فك الإرتباط 1988، والذي أبقى الفرصة متاحة أمام سكان الضفة الغربية لحمل جوازات سفر أردنية مؤقتة؛ لم يصدر صوت فلسطيني واحد يوما ما ومذ ذلك الحين للمطالبة بتحويلها لجوازات سفر دائمة أو بتطويرها لجنسية، وتقول خضر “القرار واضح ولا يجوز أو يصحّ قانونا تجاوزه وتطوير جواز السفر المؤقت لآخر دائم أو لجنسية، ما يبددّ حجة أخرى لمعارضي الحقوق المدنيّة ومثيري مخاوف التوطين”.
وعطفا على ما سبق، تضيف خضر “جواز السفر المؤقت والمقترح تقديمه لهؤلاء خال من الرقم الوطني ولا يعني الحصول على الجنسية وهو مجرد (وثيقة مرور ووسيلة للتنقل، وفي حال صرفه لمحتاجيه من أبناء الأردنيات أقترح رهنه بشرط قانوني يمنع تحويله لجنسية، ما سيحقق التوازن بين تخفيف المعاناة من جانب وانهاء المخاوف على الطرف الآخر من المعادلة”.
نسب البطالة تحاجج الأعباء الإقتصادية
حُجج بأعباء إقتصادية تجابه مبادرة الحقوق المدنية المطروحة، وأرقام بنحو كلفة سنوية تتراوح ما بين (60) إلى (70) مليون دينار كأعباء على قطاع الصحة لوحده في حال إقرار هذه الحقوق، ترى فيها الوزيرة “خضر” حُججا مُجانبَة لمعادلة علمية إقتصادية “القوة البشرية في أي مجتمع هي بقدر ما تستنزفه فإنها بالمقابل تُسهم في دعم ورفد اقتصاد هذا المجتمع، وبقدر ما تنفق الدولة على رعاياها بقدر ما تجني منهم عوائد وضرائب ويسهمون في رفد خزينتها العامة بإنخراطهم في العملية التنموية ودفع عجلة الإنتاج. ومن هنا فإننا لن نقدم لهؤلاء (هدايا) في حال منحناهم تسهيلات وخدمات ما، فهم في حال حصلوا على هذه التسهيلات قد يتمكنوا أكثر من حرية العمل ويشعرون بالطمأنينة أكثر لجهة التحويلات والضخ المالي للبلد في حال فكروا في العمل خارجه. وفي كل الأحوال لا أجد أن هؤلاء يمثلون عبئا أكبر ممّا يمثله آلآف العاطلين عن العمل وآلاف أخرى من العمالة الوافدة التي تنافس المواطنين في سوق العمل وتفاقم ظاهرة البطالة في صفوفهم”.
وبناء على كل ما سبق ذكره، تعتبر المحامية خضر أن “هذه الزوبعة في حقيقتها تمييزية ضد المرأة أكثر منها لدوافع سياسية؛ فهذا محركها الفعلي والأساسي. والإشكالية القائمة حاليا سببها القانون الذي يعتبر أبناء الرجل الأردني أردنيين تلقائيا ولهم ما لكل أردني من الحقوق والامتيازات، في حين لا يعطي هذه الحقوق لأبناء المرأة الأردنية، علما بأن هناك أبناء رجال أردنيين ولدوا خارج البلد ولا يتكلمون لغتنا ولا ينسجمون مع أنماطنا المعيشية وهم أردنيون رغم أنهم لا يقيمون في البلد!، وفي المقابل هناك أبناء لأردنيات وُلدوا بيننا ويتكلمون لغتنا وينسجمون معنا، ولكنهم محرومون من حقهم في جنسيات أمهاتهم، مع أنّ هؤلاء لن يؤثروا على وحدة النسيج المجتمعي ولن يحدثوا فيه خللا كمثل أبناء الأردنيين من زوجات أجنبيات لا يجيدون حتى التحدث بلغتنا، وباعتقادي أن هذا يشكل (تساهلا مبالغا به) في إعطاء الحقوق لأبناء الرجال الأردنيين، في حين يشكل (تشددا مبالغا به) في التعامل مع أبناء الأردنيّات”.
الميثاق الوطني يقرّ بحقوقهم
إستنادا للمادة السادسة من الدستور الأردني «الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات» تطالب المحامية خضر «بضرورة طمأنة المرأة الأردنية على شيخوختها وعلى مستقبل أبنائها، وهي بذلك لا تطلب منحة أو هدية من أحد، بل هذا حقها وفقا (لمبدأ أولوية الحق) الذي تمّ إقراره في الميثاق الوطني الأردني العام 1990 ممّن نصّ على أنّ (للأردنيين الحق في الطمأنينة وتكافؤ الفرص)، ومن هنا يتوجب وضع حلول منطقية تحافظ على كرامة الأردنيات وأبنائهن، لجهة حقهم الإنساني في حياة خالية من المعاناة والمرارة وتمنع تشتيت وتفسخ الأسرة الأردنية التي تعتبر المرأة أساسها».
وفي حين يحصل أبناء المرأة المتزوجة من غير مواطنها، في دول عربية عديدة مثل تونس ومصر والجزائر والمغرب بشكل تلقائي على جنسية أمهاتهم، تقول خضر “أعتقد أن المرأة الأردنية تستحق مساواتها بشقيقاتها العربيات ولا يجوز مواصلة التمييز ضدها”، مشددة في تنويه حول منح جنسيات أردنية لمستثمرين عراقيين وعربا في حالات عديدة مثبتة “هذه مفارقة أخرى تثير التساؤلات!”