الحدث- محاسن أُصرف
بدا المزارع أبو محمد حجازي، 43 عامًا من رفح، متألمًا لما آل إليه حال مزرعة الزهور الخاصة به، الرجل استبدل هذا العام مساحات كبيرة من أرضة البالغة 11 دونمًا التي كان يُخصصها لزراعة الزهور بزراعة الخضراوات الشتوية علّه يجني ربحًا يُعوضه خسائره بعد أن حُرم وعشرات المزارعين من تصدير أزهارهم إلى الأسواق الأوروبية للعام الثالث على التوالي.
ويُرجع حجازي، أسباب تدهور زراعة الزهور في قطاع غزة خلال السنوات الأخيرة إلى إجراءات الاحتلال الإسرائيلي في التضييق على الحياة الإنسانية لسكان القطاع منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وأضاف :"جاء الحصار الإسرائيلي بعد فوز حماس في افانتخابات التشريعية ليقضي على المزيد من آمالنا في مردود جيد من زراعة الزهور"، لافتًا أن إغلاق المعابر بشكل متسمر أنهى أحلام التصدير إلى الأسواق الأوروبية التي هي أساس الربح في هذه الزراعة.
ويُشير حجازي إلى أن مزارعي الأزهار والورود كانوا في هذا الوقت من السنة يُحققون أرباحًا مميزة نتيجة زيادة الطلب على تصدير الورود للبلاد الأوروبية بالتزامن مع الأعياد والمناسبات الخاصة برأس السنة وأعياد المسيح وأيام الحب والأم وغيرها من المناسبات، يقول بأسى:"حُرمنا أيضًا هذا العام من الربح وبُلينا بالخسائر".
وتبلغ المساحات المزروعة بالأزهار والورود الخاصة بالتصدير قرابة 1200 دونم غالبيتها في مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وعدد قليل آخر في مدينة رفح جنوب القطاع، فيما يبلغ تكلفة زراعة الدونم الواحد قرابة الـ10 آلاف دولار ما بين أشتال وسماد ورعاية صحية وأدوات فنية.
توقف الدعم الهولندي
وشكل المشروع الهولندي لدعم زراعة الزهور في قطاع غزة، والذي بدأ في العام2006 نقطة تحول إيجابية لأصحاب مزارع الزهور، لكنه لما لبث أن توقف بداية العام 2012 ما أثمر إرباكًا لدى المزارعين وتوسعًا في نسب البطالة بينهم، ولعل السبب كما أخبر به مزارعون "الحدث" لا يبعد عن بحث الأسواق الهولندية عن أسواق جديدة لا تُعاني من الحصار والإغلاق الذي يُعانيه القطاع،وتابعوا :"الحروب وما أثمرته من تجريف للأراضي الزراعية بالإضافة إلى الإغلاق المتكرر للمعابر وعدم تمكن التُجار من غزة بالوفاء بالتزاماتهم أغلق المشروع الهولندي".
ويُشير المزارع إبراهيم، من بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة أنه مع استمرار الحصار وتوقف الدعم الهولندي بدأ يُقلص من مساحة الأرض التي كان يُخصصها لصالح زراعة الأزهار وحولها إلى زراعة الخضراوات التي تُدر ربحًا وتوزع في السوق المحلية كالبطاطا والبندورة وغيرها من المحاصيل الشتوية، وكان المزارع إبراهيم يزرع قرابة 60 دونم بأزهار القرنفل وأصناف الورد الجوري وغيرها من زهور الـ "لوندا" إلا أنه الآن لا يزرع إلا ثلاث دونمات فقط ليُلبي حاجة السوق المحلي فقط، لافتًا أن الأرباح التي يجنيها قليلة جدًا مقارنة بالتي كان يجنيها عند تصديرها إلى السوق الأوروبية.
وقال مزارعون أن ثمن الوردة الواحدة المُخصصة للتصدير يُقدر بـ 4 دولار أمريكي، بينما التي تُسوق محليًا لا يتجاوز ثمنها الشيكل الواحد، وأهاب هؤلاء في حديثهم لـ"الحدث" بكافة المسئولين في الوزارات المعنية وهيئة المعابر والحدود بالنظر إلى معاناتهم والعمل على الضغط على الاحتلال من أجل فتح المعابر والسماح بالتصدير.
يُذكر أن قطاع غزة حتى عام 2004 كان يُصدر قرابة (50) مليون زهرة سنويًا إلى الأسواق الأوروبية، ومن ثمَّ بسبب الحصار والإغلاق المتكرر للمعابر لم يتمكن المزارعون خلال عام 2012 تصدير أكثر من (5) ملايين زهرة فقط ، وبعد توقف الدعم الهولندي تقلصت أكثر – حسب مزارعو الزهور-
العودة مرهونة بالمعابر
وعبر مختصون عن سوء الأوضاع التي آلت إليها زراعة الزهور في قطاع غزة مؤخرًا، وقال مدير عام التسويق والمعابر في وزارة الزراعة المهندس تحسين السقا، أن توقف الدعم الهولندي مثل ضربة حقيقية لزراعة الزهور في القطاع، وأضاف أنه منذ ثلاث سنوات وزراعة الزهور في تراجع مستمر.
وأشار إلى أن الكثير من المزارعين بعد رفع الدعم الهولندي توقفوا عن زراعة أراضيهم بالأزهار نتيجة التكلفة العالية لزراعة الدونم الواحد، وقال لنا:"لا قدرة بأي مزارع بتوفير 10 آلاف دولار لزراعة دونم الزهور ومن ثم لا يُصدر بسبب إغلاق المعابر"، مؤكدًا أن الغالبية باتت تُفضل زراعة الأرض بالمحاصيل المفيدة على مستوى التسويق المحلي.
فيما أوضح رئيس جمعية بيت حانون الزراعية للزهور غسان قاسم، أن أوضاع المزارعون في غزة باتت تحت الصفر، ورزح العديد منهم على قائمة الفقر والبطالة، فيما جاهد فريق آخر بزراعة محاصيل الفلفل الحار والبطاطا الحلوة لتقليص خسائرهم قليلًا والتمكن من العيش بكرامة، وأضاف قائلًا لنا :"انتعاش زراعة الزهور في القطاع مُجددًا يتحاج إلى تمويل دولي بالإضافة إلى فتح المعابر بشكل دائم لتمكين المزارعين من تصدير مزروعاتهم.