السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المسيحية والقوميات... وهدم التاريخ بقلم: تيسير الزًبري

2014-08-25 10:41:31 PM
المسيحية والقوميات... وهدم التاريخ
بقلم: تيسير الزًبري
صورة ارشيفية
صريح العبارة

 

الحدث: هكذا.. تتكشف عيوبنا عند أول أزمة من الأزمات الداخلية في عالمنا العربي، علماً بأن شعوباً أخرى مرت بأزمات كبرى، ولكن ما لدينا شيء آخر يمس جوهر وجودنا وعمقنا التاريخي ويهدد مستقبلنا بذات الوقت، أنه صراع معقد يجمع ما بين الصراع الطائفي والقومي والسياسي والفكري، ويأخذ أشكالاً من القمع والإجرام، يندى لها جبين البشرية جمعاء!

في الوقت الذي تشخص فيه أبصارنا نحو الجرائم العنصرية ذات البعد السلفي التلمودي ضد الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة، وبشكل خاص ما جرى ويجري في غزة، وبخط موازٍ من الجرائم والفظاعات تقوم بها مجموعات (سلفية ورجعية) بشن حرب طائفية وعرقية باسم الدين الإسلامي، أما ما هو أبعد من ذلك، فإن الأيام سوف تكشفه شيئاً فشيئاً، وهو الوجه الآخر من فرض الهيمنة والنفوذ الاستعماريين على المنطقة وشعوبها.

بدأت ملامح وشواخص الإجرام الطائفي في احتلال قرية معلولة السورية، فقد ضربت الكنائس، وجرى خطف الراهبات، وتمت حملة ترويع هائلة لأهالي هذه البلدة التاريخية، والتي ما زالت تتحدث بلغة المسيح الآراميـة (بالمناسبة هذه البلدة كانت قد احتضنت معسكرات للمقاومة الفلسطينية في السبعينات). انتقل هذا الإجرام الطائفي إلى العراق بعد الحملة "الداعشية" على الموصل ومحافظة نينوى، وقد بدأت عمليات القتل برجال الدين المسلمين الذين رفضوا إعلان الولاء لعصابات الإجرام ومدعي الخلافة، وانتقلت إلى الجنود العراقيين، واستكملت بسبي النساء العراقيات من بنات الطائفة المسيحية الكلدانيات،والكلدانيون هم ورثة التاريخ القديم لحضارة ما بين النهرين قبل آلاف السنين، وقد انتقلت عمليات الإجرام والطرد ضد قوميات أخرى وأديان أخرى في محافظة نينوى من الأكراد، والشبك، والأزيديين.

لن أستطرد كثيراً في سرد الجرائم ضد الإنسانية التي تمت ممارستها ضد شعوب المنطقة وأديانها وطوائفها المتنوعة ذات الأبعاد التاريخية التي تركت لنا كنوزاً في الثقافة والفلسفة والتاريخ.

لقد تركت لنا هذه الأديان والطوائف تراثاً هائلاً من الفلسفات اليونانية والفارسية والمسيحية قبل ظهور الدين الإسلامي بقرون. إنها جزء من التراث الثقافي والإنساني العالمي، يجب أن تخضع للبحث والتنقيب وليس الهدم والقتل، وكل الجرائم التي نراها دون أن نفعل شيئاً لوقفها!

أعرف أن الموضوع شائك، وهو بحاجة إلى بناء مؤسسي وثقافي وأخلاقي جديد يبدأ من مناهج التعليم، إلى المساجد، إلى دور الإفتاء وإلى الأزهر، والحوزات العلمية. يجب أن تتكاثف جميعها من أجل حماية التراث التاريخي والإنساني لشعوب المنطقة، ولا بأس من مراجعة بعض المفاهيم السلفية التي لم تكن من صلب الدين الإسلامي، مثل مفهوم "الموالي"، وهم أصحاب الديانات الأخرى، والرق وعبودية النساء بما فيها البيع في الأسواق، أو باتخاذ الموقف تجاه الأعمال اللاأخلاقية، والتي تسمى بزواج النكاح.

إن من يعتقد أن الأمثلة التي سبقت هي في صلب الدين الإسلامي يكون قد ألحق أكبر الأذى بالدين الإسلامي ذاته، بل إنه أساء لكل الأديان السماوية، وغير السماوية، ويكون قد فتح الأبواب أمام غزو استعماري وصهيوني واسع ضد بلداننا وشعوبنا جميعها.

لماذا يصر البعض على إخراج الأديان من سياقها التاريخي ويتعاملون معها كالأيقونات والأصنام؟ إننا إذا ما اعتمدنا النهج العلمي بمناقشة ومراجعة كل الأديان وفهمها في سياقها التاريخي والاجتماعي والاقتصادي، فإننا سنكون قادرين على بناء أفضل أشكال التعايش الإنساني والعالمي، ونكون قد التحقنا بركب الحضارة الإنسانية قولاً وفعلاً!!