السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

تكهنات تتدحرج في شلال الدم بقلم: سامي سرحان

2014-08-26 12:35:04 AM
تكهنات تتدحرج في شلال الدم
بقلم: سامي سرحان
صورة ارشيفية

 الحدث: 51 يوما لم ينقطع شلال الدم الفلسطيني، ولم يتوقف قتل الأطفال وهدم البيوت بالطائرات الحربية والمدفعية الإسرائيلية الثقيلة. والعالم صامت والعرب والمسلمون تائهون يبحثون عن دور في بركة الدم الفلسطيني، وقدسهم مسرى نبيهم ومعراجه وقبلتهم الأولى تهوّد. نسوا القدس التي فتحها الخليفة عمر، وبنى قبتها بنو مروان وحررها صلاح الدين المسلم الكردي الذي تنهش "داعش" بني قومه باسم الإسلام.

المبادرة المصرية التي بذل أبو مازن جهدا جبارا لتكون الوحيدة على الطاولة، قتل بها الجانب الفلسطيني لتكون مرجعا لإعلان وقف النار وفك الحصار وذهب إليها بوفد موحد وموقف موحد وأدار المفاوضات غير المباشرة عن طريق مصر مع الجانب الإسرائيلي، ووضع الجانب الإسرائيلي في مأزق أمام مصر والعالم وهي التي كانت تؤيد بقوّة (في الظاهر) المبادرة المصرية قبل أن يجمع الجانب الفلسطيني على قبولها، وإدارة مفاوضات شاقة أجبرت الجانب الإسرائيلي عن كشف موقفه الرافض للمباردة وقطع تهدئة الأيام الخمسة فجأة لتغتال الحربية عائلة القائد محمد الضيف (زوجته وطفليه).

ربما تُفضي المبادرة المصرية اليوم أو غدا إلى وقف إطلاق النار ورفع الحصار وتوسيع منطقة الصيد البحري وفتح المعابر، إلا أن المبادرة تظل في مهب الريح لأن إسرائيل هي من يرفضها وليس الجانب الفلسطيني، كما كانت تتوقع إسرائيل.

وتتدحرج الكرة في شلال الدم الفلسطيني إلى مجلس الأمن الدولي، وتتقدم ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بمسودة مشروع قرار ربما لا يبصر النور لأن الولايات المتحدة كما تقول الأنباء تبحث في ثنايا المبادرة الأوروبية عن نقاط لا تعجب إسرائيل لحذفها من مسودة مشروع القرار والاستعاضة عن القرار ببيان عن مجلس الأمن غير ملزم وغير قابل للتنفيذ.

وحذّر الرئيس محمود عباس في حال فشل المبادرة المصرية ومجلس الأمن في التوصل إلى قرارات توقف الحرب على الشعب الفلسطيني نهائيا وشريط بين هذا المطلب والحل النهائي للصراع بأنه سيطرح حلا غير تقليدي على وزير الخارجية الأمريكية "جون كيري" في حال التقاه في الأيام القادمة، لم يفصح الرئيس عن فحوى هذا الحل لكنه قال إنه لن يكون حلاً عسكرياً وتوقع ألا توافق الولايات المتحدة عليه ولكنه سيطرحه ويتمسك به "ويضع رجليه في الحيط" على حد المثل الشعبي الفلسطيني الذي استشهد به أبو مازن.

المراقبون بدءوا بالتكهنات حول ماهيّة ما سيطرحه أبو مازن على كيري لأنهم يرون حلّاً في الأفق سواء في القاهرة أو في مجلس الأمن. واحد من هذه التكهنات يقول أنه من الصعب التكهن بما سيطرحه الرئيس من الناحية التفصيلية، ولكن أغلب الظن أن المسألة تتعلق بمبادرة سيقدمها الجانب الفلسطيني إلى الأمم المتحدة لاستصدار نص بأن دولة فلسطين تحت الاحتلال وبموجب قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة السابقة وإذا تم اعتماد هذا القرار بصورة واضحة تصبح مهمة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إنهاء هذا الاحتلال على قاعدة تصفية آثار الاستعمار الواردة في نصوص قرارات الجمعية العامة وبالتالي يصبح المجتمع الدولي جزءا لا يتجزأ من معركة إنهاء الاحتلال وكل من يتخلّف عن هذه  المهمة يعتبر بمثابة من يدعم الإحتلال ويخالف قوانين الأمم المتحدة.

ويبدو أن هذه الفكرة بحثت في القاهرة بين الرئيس أبو مازن والقيادة المصرية التي تعهدت بتأمين الغطاء العربي الكامل لهذه الخطوة، وربما يبدي الأوروبيون درجة من الحماس لهذه الخطوة وفق المحلل الدكتور عبد المجيد سويلم، وأضاف أن هذا التوجه لن يثني القيادة الفلسطينية عن مجابهة إسرائيل في المنظمات الدولية المتخصصة وطلب حماية دولية لدولة واقعة تحت الاحتلال. قد تعارض الولايات المتحدة هذا التوجه لكنها لا تستطيع تبنّي الموقف الإسرائيلي وستتولد عن هذه المبادرة مجابهة دبلوماسية ضارية بين فلسطين والاحتلال الإسرائيلي، وقد يحدد المجتمع الدولي فترة زمنية لزوال الاحتلال وفي حال عدم الإلتزام بذلك تتعرض إسرائيل لعقوبات مشددة من المجتمع الدولي.

التكهن الثاني تحدّث عن تسريب معلومات تقول أن الرئيس سيطلب من الولايات المتحدة إعلانا بأن توافق على حدود عام 1967 كحدود للدولة الفلسطينية خلال شهر من اللقاء المرتقب مع كيري، وإذا لم توافق واشنطن على هذا الاقتراح سيذهب الرئيس باتجاه حل السلطة لأن الولايات المتحدة راعية إسرائيل وراعية عملية السلام، بجب أن تعترف باستحقاق تأخر كثيراً وربما أن السطلة هي أيضا تأخرت كثيرا في طرق هذا الباب، فهي تخفف عبء الاحتلال وتجعله احتلالاً مريحاً وبلا تكلفة كما أنها سرقت الضفة الغربية وجعلت من المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية بؤراً متناثرة في محيط استيطاني يتحكّم في كلّ مفاصل الضفة والقدس. والتكهّن الثالث أن يطلب أبو مازن حماية دولية وقوات دولية، والتكهّن الرابع على حدود الرابع من حزيران 1967، الذي استبعده الرئيس أبو مازن نفسه ولكنه يجد ميلا متزايدا من الجمهور الفلسطيني الذي لم ينقطع شلال دمه عن التدفق منذ العام 1948، ورغم الكارثة والنكبة المتجددة التي أصابت فلسطين وخاصة القطاع في أطفالها ونسائها وشيوخها وشبابها ومساكنها وشوارعها ومدارسها ومستشفياتها ومحطات الكهرباء والماء والأسواق التجارية فيها، وما تتعرض له من نهب لثرواتها، هذا الميل هو العودة إلى جذر الصراع الذي يعرفه كل فلسطيني، ويعيش مأساته وهو أن أوروبا الاستعمارية زرعت دولة إسرائيل كجسم غريب في المنطقة العربية على أنقاض شعب فلسطين وأرض فلسطين ولا بد من إزالة هذا الإجحاف بحقوقهم الوطنية والقومية والتاريخية والطبيعية والقانونية.

وهكذا يبقى شلال الدم نازفا حتى تتمكن إسرائيل التي تعاني حكومتها من خلافات تهدد استمرارها وجيشها الذي لا يرغب في دخول برّي لغزة بعد تجربته قبل هدنة الأيام الخمسة وخسائره غير المتوقعة. لكن يظل شلال الدم الفلسطيني متدفقا وهو ما يسعى الرئيس أبو مازن إلى وضع حد لهذا الآن وليس غداً، عن طريق مصر التي ربما توجه الدعوة إلى الطرفين للعودة إلى مصر للتفاوض على وقف إطلاق نار غير محدد بمدة زمنية، واستئناف المفاوضات لرفع الحصار عن القطاع وفتح جميع المعابر.

ولكي يتوقف شلال الدم مرة واحدة، إلى الآن يبحث أبو مازن عن حل نهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي طال وامتد 66 عاما، ويدرك الفلسطينيون وهم تحت مرمى النيران وشلال دمهم يروي أرض وطنهم أن زمنهم بات قريباً وأن زمن عربدة إسرائيل دون حساب أو مساءله قد ولّى وإلى غير رجعة، وللأسف فإن العرب غافلون عن شلال دمائنا ويبدو أن زمن العرب والعروبة القومية والتضامن العربي والقيادة العربية الموحدة قد ولّى هو أيضا، رغم ثراء العرب وكثرة عددهم وعتادهم وتعدد دولهم فلا أصدق من قول الرسول الكريم فيهم: "إنهم كثير ولكنهم كغثاء السبيل، بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى".