أي نوع من الأشخاص يصبح جهاديًّا إرهابيًّا؟ بشكل أكثر تحديدًا، ما نوع تعليم هؤلاء الأشخاص؟ الغالبية العظمى من الخريجين الذين انضموا إلى جماعات إرهابية كانوا قد درسوا الهندسة، أو العلوم، أو الطب. يشير أحد الأبحاث إلى أنه بالكاد يمكنك أن تجد أحدهم قد درس العلوم الاجتماعية أو الفنون. هذه الرؤية يمكن أن يكون لها نتائج في غاية الأهمية.
تقريبًا نصف الجهاديين (48.5%) المجنَّدين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حصلوا على تعليم عالٍ، وفقًا لتحليل لدييجو جامبيتا يعود لعام 2007 ذُكِر في وثيقة “تحصين العقل” (Immunising the Mind)، وهي وثيقة جديدة نُشِرت من قِبَل المجلس الثقافي البريطاني. 44% من هؤلاء حصلوا على شهادات في الهندسة، بينما بلغت تلك النسبة 59% بين الجهاديين المجندين في الغرب.
وأظهرت دراسة للإرهابين في تونس –حيث قام مهندس كهرباء بهجوم إرهابي في يونيو الماضي- نفس النِسب تقريبًا. كما وجدت دراسة لـ18 مسلمًا بريطانيًّا تورطوا في هجمات إرهابية أن ثمانية منهم درسوا الهندسة أو تكنولوجيا المعلومات، وأربعة منهم درسوا العلوم، الصيدلة، والرياضيات، بينما درس واحد فقط العلوم الاجتماعية.
كل هذا ليس من قبيل المصادفة، كما يشير مارتن روز، مستشار المجلس الثقافي البريطاني في شئون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. يجمع تقرير مارتن روز “تحصين العقل” مجموعة واسعة من الآراء دعمًا للرأي بأن العلوم تفشل في غرس التفكير النقدي، مقارنة بتأثير المناقشات التي تقوم عليها تخصصات الفنون. وصاغ روز مفهوم “العقلية الهندسية”، وهو ما يجعل طلاب العلوم فريسة سهلة لمجنِّدي الإرهابيين.
يستند التقرير إلى مجموعة من الدراسات الأكاديمية وملف للمخابرات البريطانية الذي يصف المجنَّد الجديد المثالي بأنه “ذكي وفضولي، ولكن لا يتساءل بشأن السلطة”.
يقول روز إن ثقافة تدريس العلوم دائمًا تعتمد على طريقة الصواب والخطأ، أو الحق والباطل، وهذا يدمر قدرة طلاب العلوم والهندسة على تنمية مهارات الدراسة النقدية. ويوضح روز أيضًا أن هذا لا يقتصر على الطلاب العرب فقط، حيث تبين التقارير انجذاب بعض طلاب الطب البريطانيين المسلمين لنظرية الخلق.
قد يكون هذا الخلل نتيجة لدعوة زعيم داعش أبي بكر البغدادي في سبتمبر 2014 للقضاة والأطباء والمهندسين وذوي الخبرة العسكرية والإدارية للانضمام لما يسميه بـ”الخلافة”. بالتأكيد تحتاج داعش إلى مهندسين في مجال النفط، وصانعي القنابل، ولكن العديد من المهندسين الذين انضموا إليهم كُلِفوا بأدوار غير تقنية.
ربما كان ذلك مجرد انعكاس للحقيقة المنتشرة في العالم العربي، وهي أن كليات الطب والهندسة والعلوم الطبيعية -على الترتيب- هي كليات النخبة التي تجذب أغلب الطلاب المتفوقين، لأنها على نحو تقليدي تؤدي إلى الوظائف المرموقة.
ومع ذلك، يقول روز إن ما يقرب من 70% من الطلاب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يدرسون العلوم الاجتماعية. بالرغم من حقيقة أن التدريس جودته أقل في هذه التخصصات الجامعية، إلا أن النهج التربوي الذي تتبعه -الذي يتطلب التفسير والمناقشة- يخالف طريقة الأبيض والأسود التي تتبعها الجماعات الجهادية. ربما يكون هذا هو السبب في استبعاد تخصصات علوم الآثار والفنون الجميلة والقانون والفلسفة والعلوم السياسية والرياضة والدراما والأدب من الجامعات الموجودة في المناطق التي تسيطر داعش عليها.
على أي حال، لا يبدو ذلك غريبًا. في عام 2003، أشار تقرير الأمم المتحدة لتنمية الإنسان أن مناهج التعليم العربية تشجع التسليم والطاعة والتبعية والامتثال، بدلًا من التفكير النقدي الحر.
ولكن إذا كان ذلك صحيحًا، إلى أين سيقودنا؟ يقترح روز أن المجلس الثقافي البريطاني –المؤسسة التي تُموَّل من المملكة المتحدة وتقوم بنشر الثقافة البريطانية في أنحاء العالم- يجب أن يشارك في إصلاح التعليم، وفي “إضفاء الإنسانية” على تدريس التخصصات العلمية والتقنية. هذا التعليم من شأنه أن يشجع جميع الطلاب على التفكير والتساؤل سواء كانت هذه التساؤلات بخصوص السلطة، أو العلم، أو السياسية، أو الدين.
ولكنهم سيكونون بحاجة إلى شيء لا يمكنهم الحصول عليه من الخبراء الثقافيين الغربيين. ما يغفل التقرير ذكره أن الطلاب سيكونون بحاجة إلى أن ينفتحوا على التعاليم الإسلامية الغزيرة التي كوّنت الدين قبل ظهور السلفية الأصولية الغنية بالنفط.