الحدث - أعدتها: محاسن أصرف
رائد كالي، يعرفني الناس بـ «مهنتي» وصوتي الصادح بالمناداة على ما بحوزتي من كعك السمسم «السميط» والعوجا، عمري تجاوز الأربعين وأولادي ثمانية، وبيتي دكانٌ صغير مقسومٌ على نفسه؛ غرفتان ومنافع رديئة، ورغم ذلك هو ليس ملكي أدفع لقاء سُكناه 600 شيقلا شهريًا.
بيع الكعك ليس مهنتي، كنت أعمل في “الطوبار” أولًا في الأراضي المحتلة عام 48، وبعد انتفاضة الأقصى عملت في غزة أحيانًا مع شركات مقاولات وأحيانًا بشكل خاص، لكني أخيرًا اعتزلت “الطوبار” بعد اشتداد الحصار، وتعطل قطاع البناء نهائيًا إثر إغلاق الأنفاق ومنع الاحتلال الإسرائيلي إدخال مواد البناء للقطاع، لم يكن لديّ ما أستند عليه لا مال مدخر ولا ميراث، فقط ساعدايّ وماء وجهي، فامتهنت بيع الكعك والعوجا لأجلب قوت يومي وأوفي التزاماتي.
بدأتُ منذ ست سنوات ماضية أُسابق خطوات المارة على مفترقات الطرق بجانب الإشارات الضوئية وعند أبواب المؤسسات الرسمية والتعليمية ووسط زحام الأسواق، أُنادي “الكعك الطازة، العوجا العسل بشيكل يا حبايب” أبيعهم ما لديّ وأعود لأسرتي ببعض حاجات كانت في الصباح أحلامًا تُداعب مخيلاتهم، وأدخر القليل لأسدد إيجار المنزل.
رحلتي في السعي للرزق قاسية وتفاصيلها شاقة وساعاتها طويلة أقضيها متنقلًا بين رحى الشوارع والحارات، غير أني سعيدٌ بها، أستفيق فجرًا أؤدي صلاتي وأتجه سيرًا على الأقدام إلى المخبز الذي يبعد مسافة نصف ساعة، أشتري الكعك والعوجا ساخنة عن طريق الجملة تقريبًا 100 – 200 قطعة يوميًا وأبيعها مفرقة لمن يشتهونها طازجة من الأطفال والطلبة والموظفين وعامة الناس، أربح يوميًا حوالي 50-40 شيقلا في أحسن الأحوال وأحيانًا قد يقل الإيراد اليومي إلى 20 شيقل وفقًا لحالة البيع والطلب من الزبائن.
المواقف التي أتعرض لها كثيرة أغلبها من الصغار، فهم الأكثر انجذابًا لصوت الباعة المارين في الطرقات، حين أُنادي على الكعك والعوجا يخرجون من بيوتهم فورًا، بعضهم يوقفني ببراءة يريد كعكًا دون أن يمتلك النقود ودون سماح الأم له بالخروج والشراء، بعض الأطفال لا أستطيع ردهم خائبين أهديهم قطعة من حلوى العوجا يتقاسمونها وأفرح حين تتورد وجوههم سعادة، ولا أشك بأن ذلك العطاء البسيط سيرده الله لي أضعافًا توفيقًا ورضًا.
أحيانًا تُضايقنا الشرطة التابعة للبلدية فيصرون علينا الابتعاد عن المواقف الرئيسية التي تكتظ بالمواطنين، أحيانًا لا نملك إلا الانصياع لأمرهم بدلًا من مصادرة العربة والبضاعة وأحيانًا أخرى يتركوننا نسترزق ليقينهم أن الحال بات على حافة الانهيار، وأننا لن نقبل أن نبقى حبيسي الفقر بانتظار صدقة أو مساعدة من صديق أو قريب.