الحدث- القدس
كتب آفي يسسخاروف، محلل الشؤون الشرق الأوسط، مقالاً قال فيه، إن دولة الاحتلال الإسرائيلي بأجهزتها الأمنية على دراية تامة بالتغييرات العسكرية التي تحصل داخل حركة حماس، موضحاً أن النجم الصاعد في حركة التغييرات الأخيرة كان نجم يحيى السنوار، الذي وصفه بـ رجل حماس القويى، والمتشدد الجديد في قطاع غزة .
وإلى نص المقال:
دخل تغيير في الموظفين في أجهزة الأمن التابعة لحماس في غزة حيز التنفيذ هذا الأسبوع. صلاح أبو شرخ، قائد أجهزة الأمن – منصب شبيه بـ”قائد هيئة الأركان العامة” للأجهزة الرسمية (وليس الجناح العسكري) – ترك منصبه ليصبح وكيل وزارة المواصلات. توفيق أبو نعيم، أحد الرجال الذين تم إطلاق سراحهم في صفقة تبادل 1,027 أسيرا مقابل الجندي المختطف غلعاد شاليط، عُين مكانه.
في حين أن هذه التغييرات قد لا تبدو مثيرة للإهتمام، فإن العنوان المخفي يتعلق بالراعي لأبو نعيم: يحيى السنوار. السنوار، وهو عنصر رفيع المستوى في حماس أصلا، يبرز بوصفه رجل حماس القوي والمتعنت الجديد في غزة. تعيين أبو نعيم يدل على خطوة أخرى من خطوات السنوار في طريقه إلى القيادة العليا: السيطرة على أجهزة حماس الأمنية في غزة، بما في ذلك الشرطة وجهاز الأمن الداخلي نظير الشاباك في غزة.
تم إطلاق سراح السنوار (54 عاما)، من السجن الإسرائيلي قبل أربع سنوات فقط ضمن صفقة شاليط. في عام 1989 حُكم عليه بالسجن لإدانته بقتل متعاونين، وقضى 22 عاما في السجن. منذ إطلاق سراحه، وضع السنوار لنفسه أساسات في حماس، وهو يتحول تدريجيا إلى قائدها غير الرسمي ولكن من دون منازع في غزة.
ويُعتبر السنوار صاحب تأثير كبير في كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس، لأنه – ومن بين أسباب أخرى – هو من أحد مؤسسيها. ويُعتقد أيضا بأنه أرفع شخصية سياسية لحماس في غزة، فوق رئيس الحكومة إسماعيل هنية، الأصغر منه والأدنى مكانة.
إنه شخصية صقورية حتى داخل حماس، ويعارض أية تسوية في سياساتها فيما يتعلق بالسلطة الفلسطينية وإسرائيل. حتى من السجن، كان واحدا من أبرز المعارضين لصفقة شاليط – لأنه اعتبر بنودها، جندي واحد مقابل 1,027 أسيرا كخضوع من قبل حماس للشروط الإسرائيلية.
معارضته للصفقة كانت قوية لدرجة أن الشاباك قام بتحويله إلى وحدة معزولة في السجن في ذلك الوقت، بحسب ما ذكرته صحيفة “هآرتس” في حينها، (إلى جانب زاهر جبارين، قائد رفيع آخر في حماس) لمنعه من عرقلتها.
وهكذا أصبح الرجل الذي قام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإطلاق سراحه من السجن وبسرعة العدو رقم واحد لدولة إسرائيل.
الخطف والمزيد من الخطف
وٌلد السنوار في مخيم خان يونس للاجئين، تماما مثل محمد ضيف، قائد الجناح العسكري لحركة حماس، ومحمد دحلان، القائد الرفيع السابق في فتح الذي تحول إلى ألد أعدائهما.
دحلان وسنوار، وهما بنفس السن، درسا في الجامعة الإسلامية في غزة. حتى في ذلك الوقت، في بداية سنوات الـ -80، تقاطعت طرقهما وأصبحا خصمين سياسيين.
أسس دحلان جناح الشبيبة في فتح، وخاض إنتخابات رئاسة إتحاد الطلاب كمرشح عن حركته. السنوار خاض الإنتخابات ضده كمرشح عن الكتلة الإسلامية، إتحاد الطلبة التابع للإخوان المسلمون (كان ذلك قبل تأسيس حماس).
في أحد الأعوام، أجرت الجامعة مناظرة بين السنوار ودحلان والتي حظيت بتغطية إعلامية. وقف الرجلان على المنصة وتحدثا إلى الطلاب عن مواضيع مثل حرب لبنان الأولى والوضع في غزة والإحتلال الإسرائيلي.
أحد الأشخاص الذي عرف السنوار وهو شاب قال لموقع “واللا” الإخباري: “لقد كان شخصا كاريزماتيا وصادقا ويختلف كثيرا عن سياسيي حماس من الجيل الجديد. إنه عبقري وصاحب دهاء سياسي، وأنا والكثيرون غيري نكن له إحتراما كبيرا حتى اليوم. هو ليس كثير الكلام مثل الآخرين؛ إنه رجل أفعال”.
على الرغم من موقعه الرفيع في الحركة، يتجنب السنوار التواصل مع الصحافة العربية والفلسطينية. ورغم أنه يتحدث العبرية، فهو لا يعطي مقابلات للصحافة العبرية أيضا.
خلال الإنتفاضة الأولى، أسس السنوار الجناح العكسري السري لحركة حماس إلى جانب محمد ضيف وصلاح شحادة. حتى في بداياته، شارك في هجمات ضد مستوطنين وجنود في قطاع غزة وقام بقتل متعاونين وحُكم عليه بعد إدانته بذلك بالسجن مدى الحياة في إسرائيل. لكنه لم يوقف نشاطه خلال فترة سجنه.
حظي السنوار بلقب الأسير رقم واحد لحماس في إسرائيل. خلال هذه السنوات حاول، من دون نجاح، تخطيط هجمات، وخاصة عمليات خطف بهدف أن تؤدي هذه العمليات إلى إطلاق سراحه. بعد ذلك، في يونيو 2006، تم إختطاف غلعاد شاليط من الحدود مع غزة على يد ثلاث مجموعات مختلفة: لجان المقاومة وجيش الإسلام وحماس. تم تحويل شاليط إلى مسؤولية حماس الحصرية بعد مفاوضات.
أحد الأشخاص المسؤولين على تأمينه كان محمد السنوار، شقيق يحيى، والذي يُعتبر قائد قطاع خان يونس. التقارير من غزة أشارت إلى أن محمد السنوار أعلن فورا بعد تحويل شاليط إلى وصايته بأنه لن يكون هناك إتفاق مع إسرائيل إذا لم يشمل هذا الإتفاق شقيقه يحيى.
بعد إستكمال الصفقة وأخذ الأسرى إلى غزة، تم اختيار السنوار لإلقاء كلمة بإسمهم. واقفا امام حشد بلغ عدده حوالي 200,00 شخص حضروا الإستقبال الرسمي، تعهد السنوار، وعلى رأسه قبعة خضراء، بأنه لن ينسى الأسرى الذين بقوا وراء القضبان. “نشعر بأننا تركنا قلوبنا وراءنا. تركنا الكثير من الأسرى من ورائنا، من عز الدين القسام وسرايا القدس [الجناح العسكري للجهاد الإسلامي]”، كما قال. “تركنا محمد عيسى من ورائنا. تركنا حسن سلامة من ورائنا… أدعو قادة مجموعات المقاومة وكتائب عز الدين القسام بأن يأخذوا على عاتقهم تحرير جميع الأسرى قريبا. أدعو أولئك الذين يملكون القدرة على المشاركة في فعل ذلك”.
بعد الصدمة
ولكن بحسب شخصيات كانت على إتصال به في غزة، كانت هذه النقطة التي بدأت فيها مرحلة “الصدمة”. عندما دخل السنوار إلى السجن، كانت حماس حركة صغيرة وسرية من دون جيش أو سياسيين. لم تكن لديها الرغبة ولا القدرة على السيطرة على أحد. بعد إطلاق سراحه، اكتشف السنوار واقعا جديدا كانت فيه حماس في الحكومة وأجهزة الأمن. لم يعد مطلوبا، والقيادة العليا في حماس كانت مليئة بالسياسيين، بعضهم أصغر سنا وآخرين أكبر قليلا، الذين نسوا ما كان عليه أن يكونوا فارين أو في السجن.
بعد التغلب على الصدمة الأولى وبسرعة، أظهر السنوار دافعا إستثنائيا للإنضمام إلى القيادة العليا. كانت لديه اتصالات ممتازة مع الجناح العسكري والتي يعود تاريخها إلى الوقت الذي قضاه في السجن، مع أن علاقاته مع قادة الجناح السياسي الذي يقيمون في الخارج، أمثال خالد مشعل ومجموعته، لم تكن بالجيدة.
محمد ضيف ومروان عيسى وقادة آخرون في الجناح العسكري، كأخيه الأصغر محمد، أخذوا وجهات نظره بعين الإعتبار وقدروها. كذلك فعل أعضاء القيادة السياسية في قطاع غزة، وهو أحد أكثر أعضائها المخضرمين (تم إطلاق سراح صديقه روحي مشتهى ضمن صفقة شاليط أيضا).
في أواخر سنوات ال80، كان السنوار واحدا من أكثر المقربين إلى الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حماس وقائدها الروحي، ونفذ توجيهات ياسين على الأرض برفقة صلاح شحادة وضيف.
رئيس الحكومة السابق هنية، كان “مجرد” رئيس مكتب ياسين. درجة التوتر غير العادية بين الجناحين العسكري والسياسي في غزة بعد عملية “الجرف الصامد” هي بالتحديد ما دفع بالسنوار إلى أن يصبح حلقة الوصل في المنظومة، الشخص الوحيد الذي يصغي إليه الجميع سواء في الجناح العسكري أو السياسي ويحترمونه.
ثمن النجاح
مشكلة السنوار الحالية هي أن للنجاح ثمنه. صنع له أعداء سياسيين، وليس الجميع راض عن إستيلائه السريع على حماس.
أحد خصوم السنوار السياسيين هو فتحي حماد، الذي لا يُعتبر من أشد المعجبين به، بعبارة ملطفة. قام السنوار بإجراء سلسة من الإقالات والتعيينات الجديدة كتلك التي ذُكرت في بداية هذا المقال، وأولئك الذين تمت إقالتهم سيحاولون على الأرجح تصفية حساباتهم معه عاجلا أم آجلا.
علاقة هنية بالسنوار هي علاقة معقدة أيضا. أولا، يُعتبر هنية أكثر إعتدالا. ثانيا، حتى مع أن العلاقة بينهما تبدو جيدة، يدرك هنية أن السنوار قد يشكل تهديدا على مركزه كنائب رئيس المكتب السياسي في الإنتخابات القادمة وقد يتم حتى إنتخابه كقائده.
علاوة على ذلك، ليس الجميع في خان يونس، مسقط رأسه، راض عن إزدياد قوة حمولة السنوار. فقد إستولى أعضاؤها على أراض ومصالح تجارية، وأحيانا بالقوة.
ولكن في نهاية المطاف، قد تكون هذه التفاعلات دلالة على سرعة إزدياد قوته وعودته إلى الطبقة العليا.
خلال أربع أعوام فقط، السنوار، الذي كان مرة الأسير رقم واحد، قد تحول إلى العدو رقم واحد. هو يقود خطا صقوريا، ولكن ليس الأكثر تشددا في حماس. هو على دراية كبيرة بحاجات حماس السياسية والعسكرية وكذلك على معرفة كبيرة بكل ما يتعلق بإسرائيل والمجال السني وحتى إيران.
هل سيكون هو الشخص الذي سيقود حربا أخرى ضد إسرائيل؟ ليس بالضروروة. ولكن يمكننا أن نكون متأكدين من شيء واحد – سيبذل جهودا جبارة لصفقة تبادل أسرى أخرى، ووفقا لشروط ستكون أقل فائدة لإسرائيل من صفقة شاليط، وحتى لو أدى إختطاف جنود إسرائيليين إلى صراع على نطاق واسع.