السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مصطفى البرغوثي يروي لـ"الحدث" مشاهدات من غزة

2014-08-26 01:52:05 PM
 مصطفى البرغوثي يروي لـ
صورة ارشيفية
 
الحدث
محمد غفري وأحمد زكارنة
 
"نحن لا نريد سوى كرامتنا، نحن لا نريد سوى استعادة حقوقنا ولا تتراجعوا أمامهم.. الحصار كان يعني لنا الموت البطيء، والعدوان يعني لنا الموت السريع، ونحن لا نريد أن نستبدل موتا بموت، بل نريد حريتنا ورفع الحصار وحقنا في العيش".
بهذه الرسالة عاد الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، عضو المجلس التشريعي مصطفى البرغوثي، بعد زيارته الأخيرة إلى قطاع غزة، واصفا ما شاهده خلال أسبوعين، أنه مزيج بين روح صمود وتحد غير مسبوقين نفتخر كلنا بهما، وبين معاناة كبيرة لا تخلوا منها أي بقعة من أرض قطاع غزة، طالتها آلة الدمار الإسرائيلية.
ويروي البرغوثي في لقاء خص "الحدث" به، أنه خلال زيارته لإحدى المستشفيات في غزة، شاهد داخل غرفة طفلتين جريحتين هما أميرة (عامين) ولانا (7 أشهر)، لم يبق لهما أحد بعد أن استشهد كافة أفراد الأسرة ولم يتبقى سواهما، فتساءل أحد الموجودين في الغرفة حول حال الطفلتين ومن سيعتني بهما بعد العلاج، وإذ بكل من في الغرفة يتسابقون بالقول: "نحن أهلهما"؛ رغم حجم معاناة كل واحد فيهم.
وروى البرغوثي قصص الأهالي والأطفال التي شاهدها هناك، منها ما يتعلق بمشاهدات داخل مراكز الإيواء وحالتها الصعبة، وأخرى تصف حال الأحياء المدمرة، وقصصا تتعلق بالكبار والصغار على حد سواء، دون أن يستثني ما شاهده من صمود وتعال على الجراح في وجه العدوان الإسرائيلي.
فخلال الأسابيع الماضية، وبرغم انطلاق المفاوضات غير المباشرة من أجل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، يقول البرغوثي، "لم تخلُ هذه الأسابيع من تجدد العدوان والغارات الإسرائيلية على المدنيين في غزة"، واصفا حال الغزيين خلال هذه الفترة بأنه "شعب فظيع، شعب مصمم على الحياة، فخلال أيام العدوان يختفي الجميع وتخلوا الشوارع والمحال التجارية من المواطنين، وفي اليوم التالي عندما تبدأ التهدئة المؤقتة، سرعان ما تعود الحياة إلى القطاع وتشاهد عالما آخر غير ما كان عليه قبل ساعات قليلة، فتفتح الأسواق وينتشر الناس فيها، ويدفن الشهداء ويتم تقديم العزاء لذويهم".
وعند سؤاله عن مدى رضى أهلنا في غزة، عن حجم التضامن من قبل أهالي الضفة والداخل، أكد البرغوثي أن هناك تقديراً كبيراً للتظاهرات التي تخرج في مختلف أنحاء الضفة، وللمساعدات التي ترسل إليهم، ولحملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، مضيفا أن أهل غزة يناشدون أهل الضفة: "كلما زاد حجم الضغط من عندكم وزادت انتفاضتكم في وجه الاحتلال، كلما خففتم الضغط عنا وقل حجم العدوان علينا".
وفي سياق ما تشهده مختلف مناطق الضفة الغربية والداخل المحتل من حملات مقاطعة غير مسبوقة، كان العدوان الإسرائيلي على القطاع وتأثر الناس به عاطفياً، بمثابة محرك لانطلاقها في وجه المنتجات الإسرائيلية، ويقول البرغوثي: "إن الحملات ستستهدف قريبا نشر ثقافة المقاطعة لدى الأطفال، من أجل تربية جيل لا يشتري سلعة تقتله، وأضمن استمرار حملات المقاطعة بشكل منظم، ولن تقتصر على السلع الاستهلاكية، بل إن امتدادها سيكون أبعد من ذلك بكثيير، مثل استيراد البترول"، مشيراً إلى أن هذه معركة أخرى بالغة الأهمية نخوضها مع الاحتلال ويجب أن تستمر حتى تحقيق الانتصار، وتكبيد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر فادحة.
وحول مفاوضات القاهرة، أشار البرغوثي إلى أن أهم ما في ذلك هو خروج وفد فلسطيني موحد وبموقف واحد، ما سحب البساط من تحت إسرائيل في نقطتين، الأولى هي اللعب على أن الفلسطينيين مختلفين، والثانية أن هناك تناقضا بيننا وبين مصر، وهذا شيء خاطئ تم كشفه بتبني الورقة الفلسطينية من قبل الأخوة المصريين، وبالتالي يجب البناء على ذلك.
وأكد البرغوثي أن الخروج إلى المفاوضات من دون تغيير في الواقع، هو أمر غير مجد، كما شاهدنا على مدار سنوات التفاوض الممتدة لأكثر من ربع قرن، وبالتالي يجب تبني استراتيجية وطنية موحدة يتم البناء عليها، بدأت عندما توجهنا إلى الأمم المتحدة ونزعنا اعترافاً دولياً، وامتدت إلى حملات المقاطعة، ويجب أن تستمر هذه الاستراتيجية حتى إحداث تغيير في موازين القوى، وتبني المقاومة بكافة أشكالها، وبتشكيل قيادة فلسطينية موحدة تحت مظلة منظمة التحرير، وبدعم صمود الناس وكل من تضرر، بعد العدوان.
واستطرد البرغوثي قائلاً: "إن نتيجة العدوان ستنعكس في ثلاثة أمور، الأولى امتداد الانتفاضة الشعبة في الضفة واستمرار المقاطعة، وصمود المقاومة في غزة وثباتها على مواقفها، وحجم التضامن الدولي".
وأضاف أن إسرائيل لم تعد تحتمل الخسائر التي تتعرض لها، سواء من الناحية البشرية أو الاقتصادية أو الأخلاقية، مبينا أن المقاومة الفلسطينية تفوقت على إسرائيل في جانبين، الأول عندما اخترقت المناعة الأمنية الإسرائيلية بوصول الصواريخ إلى عمق إسرائيل، والتفوق الثاني كان أخلاقياً، حيث أصبحت إسرائيل أكثر دولة مكروهة عالمياً، وهو أمر ستتضح نتائجه مستقبلا، فيما يجب أن نتفوق في ثالث وهو التفوق القانوني عبر التوقيع على ميثاق روما والتوجه إلى المحاكم الدولية.
وبالإشارة إلى الموقف العالمي من العدوان على غزة، بين البرغوثي في حواره مع "الحدث"، أن العالم مصاب بانفصام في شخصيته، لأن موقف الشعوب منحاز بشكل كامل للشعب الفلسطيني، في حين يعبر موقف الحكومات، إما عن تقاعس أو انحاز إلى إسرائيل، معتبرا أن مواقف بعض رؤساء الدول في منح إسرائيل شرعية لما تقوم به، "وحقها في الدفاع عن نفسها" كما يصفونها، هو شيء مشين.
وانتقد وسائل الإعلام العالمية في طريقة تغطيتها للعدوان على غزة، ودليل ذلك أن استشهاد 564 طفلاً فلسطينياً لم يذكر، بينما قتل طفل يهودي واحد أصبح خبرا رئيسيا وعاجلا في كل وسائل الإعلام العالمية.
أما ما يتعلق بالموقف العربي، قال، "كنا نتمنى حراكاً أكبر، ومع ذلك نقول: "كل الشكر لمن دعمنا وقدم لنا، ونحن لا ننسى ذلك، ونرحب بكل من يمد يد العون لكي يساعد الشعب الفلسطيني، ولكن التجربة علمتنا عبر السنوات الطويلة، ألا نعتمد إلا على أنفسنا، وبلغتنا (ما بحك جلدك مثل ظفرك)".
وعمّا صدر مؤخراً بخصوص قرار الإبعاد الإسرائيلي بحق النائب خالدة جرار إلى مدينة أريحا، أشاد البرغوثي بموقف جرار وصمودها في وجه القرار، مؤكداً أن العمل يجري من الناحية القانونية وبالتنسيق مع برلمانات إقليمية ودولية من أجل مواجهة القرار، ويقول البرغوثي: "ذلك لن يؤثر إلا في حال التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية ووضع إسرائيل في موضع الاتهام، مع التذكير بأن إسرائيل تعتقل أيضا 35 نائباً فلسطينياً في المجلس التشريعي، وهذا يدلل على استخفاف إسرائيل بالشرعية والديموقراطية الدولية".
وحول رأيه في الصواريخ التي أطلقت على إسرائيل من جنوب لبنان، قال البرغوثي إنها تحمل رسالة قوية المعنى إلى إسرائيل، بأن غزة ليست وحدها، ولن تكون وحدها إن لم تتوقف آلة الموت الإسرائيلية.
وعما طرح خلال مقابلة تلفزيونية أجريت قبل يومين، أشار فيها الرئيس محمود عباس إلى أن القيادة الفلسطينية والجانب المصري رفضا حتى الحديث عن نزع سلاح المقاومة، أكد البرغوثي أن سلاح المقاومة هو سلاح شرعي، غير قابل للمساس، طالما هناك احتلال إسرائيلي، ومن يريد نزع سلاح المقاومة عليه أولا أن ينزع سلاح إسرائيل كدولة احتلال مجرمة، فما ألقي على غزة خلال العدوان يعادل حجم قنبلتين ذريتين، فكيف لنا ألا ندافع عن أنفسنا، ويكفينا شرف، بأن الفلسطيني يقاوم ويرد لهم الصاع صاعين.
وأضاف: "هناك فرق بين أن يستعبدك أحد ويجعلك تستسلم للاستعباد وأنت لا تقاوم، وعندها تكون عبداً ذليلاً، أو تقاوم من يحاول أن يستعبدك وعندها تكون حراً شريفاً حتى لو وضعك في ألف سجن".
وختم البرغوثي حواره مع "الحدث"، مؤكداً أن الإعمار لن يتم إلا في حال رفع الحصار وفتح ممر آمن إلى غزة، وإلا ستصبح قضية إعادة الإعمار وسيلة ابتزاز أخرى، فإذا بقي المفتاح في يد إسرائيل وهي تتحكم به، لن يتم إعمار غزة، هناك بيوتاً لم تعمر منذ عام 2006، وتساءل حول مصير الأموال التي وعدت بها الدول المانحة في مؤتمر إعمار غزة عام 2009، وبلغت حينها كما أعلن 4.6 مليار دولار، وبالتالي الشعب الفلسطيني لن يحتمل أكاذيب أخرى.