الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أوكرانيا ... في الطريق إلى حرب باردة جديدة

2014-03-04 00:00:00
أوكرانيا ... في الطريق إلى حرب باردة جديدة
صورة ارشيفية

 

الحدث- بقلم: نبيل عمرو

 حين تململت أوكرانيا، وذلك قبل أكثر من عقدين من الزمن، اهتزت أساسات الدولة السوفياتية العظمى، ثم ما لبثت وأن انهارت، ليدخل العالم كله مرحلة غامضة اصطنع على تسميتها بمرحلة القطب الواحد.

بصورة سطحية بدا كما لو أن العالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة، قد هزم القطب الآخر، وألغى نفوذه الدولي حتى في القضايا الأساسية التي تهمه من كل النواحي.

 

فلقد تغلغل الأمريكيون والأوربيون في ثنايا الدولة العظمى البائدة، فاقتطعت من نفوذه أوروبا الشرقية بمجملها، وخلقت لدى روسيا التي هي مركز الاتحاد السوفياتي من كل النواحي سلسلة من المشاكل، حتى أن هذه الدولة الكبرى وصلت إلى حافة المجاعة. 

 

بعد مرور سنوات على تكريس القطب الواحد واندثار النفوذ السوفياتي في كل مكان، اكتشف الامريكيون قبل غيرهم أن انهيار الاتحاد السوفياتي لم يكن تحولا استراتيجيا جذريا لمصلحة نفوذهم وسياساتهم، بل اورثهم عبء غياب توازن كان يمكن ان يكون فعّالا لو ظل الاتحاد السوفياتي قائما، ولكن في حالة شريك ضعيف، يوفر للولايات المتحدة مزايا نفوذ كانت الحرب الباردة قد أضعفته في كثير من بقاع الدنيا.

 

لكن وبدلاً عن الحديث عن تلك الحقبة، فالأجدى أن نتحدث عن الوضع الراهن خصوصا بعد أن تجاوزت روسيا أزماتها ومجاعاتها، واستعادت مكانتها عبر علاقات راسخة مع دول الجوار التي كانت في ما مضى تسمى دول المنظومة الاشتراكية، وأعني برسوخ العلاقة ذلك الامتداد الاقتصادي الذي تحقق لروسيا في العديد من دول أوروبا الشرقية، إضافة إلى تثبيت نفوذ روسيا في جميع جمهوريات آسيا الوسطى.

 

بعد هذا الوضع الذي ترافق مع استقرار داخلي، قاد مراحله جميعا القيصر الجديد فلاديمير بوتين، عادت روسيا كقوة مركزية اولا في دائرة نفوذها التقليدية، ونذكر حرب جورجيا، وتطور وضعها في الحياة الدولية لتدخل بقوة في الشرق الاوسط من خلال الحليف السوري، وفي آسيا من خلال الصديق الايراني. وكان واضحا ان الولايات المتحدة الامريكية التي سئمت ارسال جيشها الى كل بقعة تشهد تمردا على نفوذها أذعنت لهذا التطور الموضوعي للدور الروسي وآثرت التعاون معه دون الاصطدام به.

 

كانت أمريكا مضطرة الى مجاملة الدور الروسي في ايران،  لأنها بحاجة الى ابرام اتفاق مع الدولة الفارسية، يعفيها من اعباء احتمال الانجرار الى عمل عسكري يناقض بالجملة والتفصيل السياسات السلمية للرئيس اوباما ، أمّا في سورية حيث الدجاجة التي باضت ذهبا في حجر روسيا من خلال حصول الدولة الروسية. المطرودة من الشرق الاوسط على امتيازات لم تكن لتحلم بها، فقد اضطرت الولايات المتحدة التي ما تزال بلا سياسة تجاه سورية الى التسليم بالنفوذ الروسي، واعتبار الاقرار به شرطا لتمرير التسويات المهادنة التي تريح امريكا حتى لو لم تنجح.

 

ان الولايات المتحدة كانت تدرك ان روسيا هي التي حفظت ماء وجهها في سوريا حين اخترعت حكاية السلاح الكيماوي وتدميره، كفدية تبعد عن التداول تدمير النظام السوري بأسره، كانت حكاية الكيماوي هي ورقة التوت التي سترت العجز الامريكي ووفرت له ادعاء بأنه نجح في امر ما، كل ذلك لم يكن مؤشرا على ان حربا باردة صريحة ستنمو وتؤثر على مستوى استقطابات دولية اوسع ، ذلك ان سورية وايران ليستا جورجيا واوكرانيا، سورية وايران نفوذ روسي في حالتين ضعيفتين ، محاطتين بحلفاء اقوياء نسبيا للولايات المتحدة في آسيا والخليج والشرق الاوسط، الا ان اوكرانيا هي حديقة البيت الروسي التي لا يسمح للمعسكر الغربي ان يتمادى في استخدامها بما يهدد عقر دار الدولة الروسية، ثم ان طبيعة النفوذ الروسي في اوكرانيا اضخم الف مرة من امتيازات الاسطول الروسي في طرطوس او اللاذقية.

 

ان شبه جزيرة القرم المسجلة جزءً من الدولة الاوكرانية الواحدة، هي في واقع الامر مكان لنفوذ روسي مغلق قد حمته روسيا باتفاقيات مع الدولة الاوكرانية الجديدة، وحتى لو لم يكن هنالك اتفاقيات فسطوة الجغرافيا الطبيعية والديموغرافية، تكفي لجعلها ارضا مواتية لتأثير روسي على واقع الدولة الاوكرانية وبما يجعل من قدرات امريكا على الحد من هذا التأثير غير مضمونة النتائج .

 

 

ما يحدث في اوكرانيا اكثر جدارة للتبشير بحرب باردة جديدة، الا اذا رأى النمر الروسي انه هو الاخر بحاجة الى تسوية لكسب الوقت وتطوير الجاهزية للمضي قدما باتجاه طرح نفسه مستقبلا كقطب آخر في عالمنا المعاصر .