الحدث – وكالات
جمّع اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنته الخارجية المصرية، مساء أمس، نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي وحركة حماس، المحسوبة فكريا على جماعة الإخوان، على طاولة إتمام نجاح المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، رغم الجفوة والخلاف الواسع بين الإخوان والسيسي.
وفي حضور حماس التي من المفترض أن محكمة مصرية حظرتها في مارس/ آذار الماضي ومفاوضين فلسطينيين من مختلف فصائل المقاومة، أعلنت مصر التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة والذي دخل حيز التنفيذ الساعة السابعة مساء أمس.
المفاوضات التي احتضنتها القاهرة كوسيط ومثلها نظام الرئيس السيسي ممثلا في أجهزة سيادية ودبلوماسية جلس وتباحث مع حركة حماس المحسوبة على الإخوان في فلسطين وجها لوجه، رغم ما روجته تقارير إعلامية وصحفية منذ انطلاق الحرب علي قطاع غزة في يوينو/ حزيران الماضي عن خلافات جمة بينهما .
وعزز التكهنات بأن يؤثر موقف السيسي من الإخوان على المفاوضات الجارية في القاهرة، رفض حركة حماس للمبادرة المصرية في صورتها الأولى التي عرضتها مصر في 14 يوليو/تموز الماضي، أي بعد أسبوع من الحرب الإسرائيلية على غزة، بعد أن اعتبرتها الحركة غير معبرة عن مطالب الفلسطينيين.
وإلى أبعد من ذلك ذهبت تقارير إعلامية للقول إن حركة حماس لا تريد أن تمكن السيسي من إحراز انتصار سياسي ودبلوماسي بعد إطاحته بالرئيس الأسبق محمد مرسي المنتمي للجماعة، فضلا عن حديث تلك التقارير أن السيسي يسعي لتصفية حماس التابعة للجماعة في قطاع غزة بعدما أنهي حكم الإخوان في مصر.
ومع التعثر الذي شهدته مفاوضات الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي قبل إنجاز اتفاق وقف إطلاق النار، بدا الأمر وكأن المفاوضات برمتها ستخرج من يد الراعي المصري، وربما ينتقل مركز القوة والتأثير في مجريات الصراع إلى أطراف أقليمية أخرى بيدها مفاتيح للحل، وفي كل الأحوال وضعت حماس في خانة المتهم لما اعتبر موقفا مسبقا للحركة من النظام المصري.
المعادلة التي مكنت مصر ونظامها الحاكم في ظل وجود حركة حماس، من إنجاز اتفاق وقف إطلاق النار تكمن، بحسب خبراء ومحللين استطلعت وكالة الأناضول آرائهم، في إبعاد الخلافات والأيدلوجيا والتمسك بتحقيق المصالح.
ويقول أستاذ علم الاجتماع السياسي سعيد صادق، إن "كلا من السيسي وحماس أبعدا الخلافات الدائرة في مصر مع الإخوان وهما يسعيان لحل أزمة قطاع غزة".
وأضاف لـ"الأناضول" أن "حماس تعلم أنها لن تنجز شيء بدون السيسي، وبالتالي كان الدور المصري حتما صعب تجاهله"، مشيرا إلى أن السيسي أبعد خلافاته مع الإخوان وحقق اتفاقا وربح.
غير بعيد عن هذا الرأي يعتبر حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن ما حدث إنجاز يحسب للجميع، قائلا "اليوم (بعد انجاز الاتفاق) كشف أن ما كان يقال أن مصر منحازة لإسرائيل وأنها تريد تحطيم المقاومة كان زائفا".
وأشار نافعة إلى أن "الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بما لديه من الانضباط تعالى عن الاتهامات واستطاع أن ينجز إنجاز لفلسطين وللمقاومة الفلسطينية.
وحول تعامل حماس مع النظام المصري يرى نافعة أن حركة حماس لها وجهان وجه مقاومة يصب مع كل المقاومة الفلسطينية التي حققت إنجازا بالتهدئة ووجه آخر أيدلوجي (منتمي للإخوان) تم إبعاده بما يحمله من أوجه اختلاف قائمة عن مشهد المفاوضات.
وفي مارس/ اذار الماضي، قضت محكمة مصرية بوقف نشاط حركة "حماس" الفلسطينية، داخل مصر، وحظر أنشطتها بالكامل، والتحفظ علي مقراتها داخل البلاد.
وليس الخلافات والأيدلوجية وحدها التي لعبت دورها في جمع الطرفين المتناقضين ولكن أيضا "الحسابات والمصالح"، بحسب طارق فهمي أستاذ العلوم رئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية بالمركز القومى لدراسات الشرق الأوسط .
وقال فهمي إن "الزج باسم السيسي والحديث أن له هدف مشترك مع إسرائيل لمحاولة تصفية حماس هي إدعاءات اسرائيلية ليس لها أساس وظهر عدم صحته باتفاق التهدئة اليوم".
وأضاف فهمي أن مصر استقبلت وفد حماس في المفاوضات الدائرة، وعلي أرضها تواجد قيادات من حماس مثل موسي أبو مرزوق، وبالتالي اتضح أنه ليس صحيحا أن هناك تحالف بين السيسي وإسرائيل ضد حماس.
وتابع قائلا "لم يوقع الطرف الإسرائيلي والطرف الفلسطيني حبا في مصر أو لإنجاح السيسي أو غيره وإنما لحسابات ومصالح وهنا يظهر السؤال لماذا وافقت حماس؟"
ويجيب فهمي عن تساؤله عن موافقة حماس علي التهدئة قائلا "في تقديري أن حماس تنحني للعاصفة لكي تمرّ وأنها لا تريد أن تخرج عن صدارة المشهد وتتركها لأبومازن (محمود عباس الرئيس الفلسطيني) وحده والدخول في أي تسويات قادمة، إذن هناك شروط وضغوط وجملة من المصالح أدت للوصول لهذا الاتفاق".
حركة حماس اعتبرت على لسان المتحدث باسمها سامي أبو زهري، أن "المقاومة الفلسطينية استطاعت أن تنجز ما عجزت عنه الجيوش العربية مجتمعة وحققت معظم مطالبها من المعركة مع إسرائيل التي استمرت 51 يوما"
وهو الأمر نفسه الذي أكده بيان صادر عن حركتي حماس والجهاد الإسلامى، تضمن توجيه الشكر لمصر بما يعني ضمنا توجيه الشكر للنظام الذي رعى هذه المفاوضات قائلة "إننا فى حركتى حماس والجهاد الإسلامى نشكر مصر الشقيقة لرعايتها هذه المفاوضات غير المباشرة للوصول لوقف العدوان والذى أفضى إلى وقف إطلاق النار، وإنهاء الحصار وفتح المعابر وإعادة الإعمار".
بيان الخارجية المصرية إذا نص المعادلة التي تغلبت فيها المصالح على الخلافات ويقول نصه "حفاظا علي أرواح الأبرياء وحقنا للدماء واستنادا للمبادرة المصرية 2014 وتفاهمات القاهرة 2012 دعت مصر الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى وقف إطلاق نار شامل ومتبادل بالتزامن مع فتح المعابر بين قطاع غزة وإسرائيل بما يحقق سرعة إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثة ومستلزمات الأعمار".
وأضاف البيان أن "الاتفاق يشمل أيضا الصيد البحري انطلاق من ٦ ميل واستمرار المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين بشأن الموضوعات الآخري خلال شهر من بدء تثبيت وقف اطلاق النار".
ذلك البيان الذي أعلن اتفاقا يسدل الستار على جولة جديدة من جولات الصراع بين الفلسطينيين والإسرائليين، تلك الجولة التي افتتحتها إسرائيل بحربها على قطاع غزة في السابع من يوليو/تموز الماضي، وأوقعت نحو 2143 قتيلا فلسطينيا، وأكثر من 11 ألف مصاب، مقابل 64 قتيلا في صفوف الجنود الإسرائيليين، و5 مدنيين، ومئات المصابين، وفق معطيات رسمية من الجانبين.