الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الشلام عليكم بقلم: أحمد زكارنة

2014-03-04 00:00:00
الشلام عليكم بقلم:  أحمد زكارنة
صورة ارشيفية

 

القارئ المتابع للحركة الأدبية الفلسطينية سيعلم فوراً أن العنوان أعلاه هو أحد تجليات « ناي الأرض المحتلة « الكاتب والشاعر الراحل الدكتور عبد اللطيف عقل، المتمرد صاحب الأسلوب الصارخ المتهكم عن سبق إصرار وترصد، وهو يصفع  في حينه كل تجار الأرض بجمر الكلام.

وكي لا نترك الأمر للتأويل فإن استحضار عنوان الدكتور عبد اللطيف، في ظل ما نمر به من حالة رمادية قاتمة، لا تنذر إلا بالانزلاق، إنما جاء عن قصد لا ليصفعَ تجار الأرض، وإنما ليستصرخ قادة هذا الوطن، أن أوقفوا المفاوضات.. نعم هذا العنوان جاء يرفض فكرة أن الحياة مفاوضات، أن تُصادر أرضنا ونفاوض، أن تُهود قدسنا ونفاوض، أن تُقسم بيوتنا بجدار عنصري ونفاوض، والأهم أن يُستباح دمنا ونفاوض، أن نرفع شعاراتنا ونذهب لذاك التفاوض الذي يدفعنا للجلوس إليهم في حوار سمج منزوع الفعل، يطولُ ويتسعُ لتغيب معالم الطريق نحو حريتنا.

ولذا أكرر ما أؤمن به، أن في الحوار يكمن الشيطان مرتدياً كل التفاصيل.  

في الحوار.. 

تجدُ القلبَ في الجانب الأيمن، فيصبحُ لِزاماً إدارةُ الرأسِ قليلاً نحو الأيسر.

في الحوار..البلادُ مرتفعةٌ باتجاهِ السماء، حيثُ تُفتحُ الحدود، أو حيثُ كلَ شيءٍ يصيرُ حداً

في الحوار..الوجوهُ صافيةٌ، والأشكالُ دقيقة، والأصواتُ المتداخلةُ للمنتصرينِ والخاسرين

أصواتُ احتكاكٍ تفاوضيٍ أو مقاربة، سمها ما شئت، لا فرق، الفرقُ الوحيد، أنها مجابهةٌ،

كما لوكنا نحوّلُ الدمَ إلى حبر.

في الحوار.. صوتُ قهقةٍ، ونقرُ أقدام، وحديثٌ دافئٌ 

أطفالٌ ثلاثةٌ أصحاء: واحدٌ في المصحة، واثنانْ ميتان.

في الحوار..ثمةَ أشياءٌ كثيرةٌ علينا أن نثقَ بها،

بكتلِ الثلجِ التي تتشبثُ بسفحِ الجبل، أن اللحنَ الطويل الشجي، عُزفَ على وترٍ مقطوع، 

بوعودِ الصمت، وابتساماتِ التفاهمِ الصفراء

أن الأرضَ المصادرة، لا تخُصُنا، وأن الرصاصةَ في الرأسِ، لضروراتِ التهوية، والقتلى ليسوا شهداء.

في الحوار..كُتبت للمرةِ الأولى، جُملٌ قصيرة، تنكحُ نفسَها بنفسِها، وتقول:

لسنا على عجلةٍ من أمرنا، فما دُمنا في منأى عن الريحِ، يُمكنُ أن نسمعَ العُشبَ ينمو.

في الحوار..  يؤكدونَ أن الخطرَ في كلِ مكان، في مدخنةٍ عاليةْ.. في صحنٍ مفتوح..

في تجعداتِ الماء.. في قاموسِ الخُرافات.. في ضفدعٍ تحوّل فجأةً إلى حمامةِ سلام.

في الحوار..توصلوا إلى صياغةٍ مليئةٍ بالندوب، ورحابةٍ في صدرٍ ضيق

قبرٌ واحدٌ مشتركٌ لا غير، سقفٌ واحدٌ مشتركٌ لا غير، وإن رفعَ أحدكُم الرأس، تخلى مبكراً عن مهمتهِ، أن يكونَ خانعاً، فأطلقنا عليه النار.

في الحوار.. الأملُ حقيبةٌ مدرسيةٌ مثقوبةٌ بالرصاص، لأن الصورَ في الذاكرةِ أكثرَ وضوحاً، والرؤيةُ مباشرة، كدولابٍ يصيرُ بطيئاً في المخيلة، والترقيمُ شفوي، أو عسكرٍ على رقعةِ شطرنج، يتقدمُ خطوةً للأمام، وخطوتين للخلف، مبللٌ، وثقيل، كفراشةٍ خرجت لتوها من الشرنقة.

هنا يُمكنُ للسلامِ أن يجيءَ قطرةً، قطرة.. ربما بعدَ عام، وربما بعدَ قرن 

المهم أن يبقى المصلُ في المشفى، لنُحيلَ العسرَ يسراُ، وننحي الشمس. 

ونقول الشلام عليكم