الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

اسم أمي ليس عورة

2015-12-24 06:19:28 PM
اسم أمي ليس عورة
صورة تعبيرية لام وطفله

 

مقالات الحدث

كتب الصحفي أحمد رفعت، مقالا أوضح فيه رأيه من موضوع مناداة النسوة اللاتي يعرفهن سواء أكانت أمه أم اخته أم حبيبته أم زوجته باسمها.

 

وإلى نص المقال

 

صغيرًا كنتُ أستمع إلى أبي يتحدث عن أمي، في حضورها أو غيابها، باسمها المُجرَّد، بلا أي ألقاب أو تلميحات، تغنيه عن ذكر اسمها.. عندما كنتُ طفلًا، كنتُ أظن أن جميع الناس يفعلون مثلما يفعل أبي، لكن مع مرور الوقت، بدأت الصورة تتضح أكثر وأكثر بالنسبة لي؛ لأدرك أن هناك سياج من السرية يحيط باسم "الأنثى"، أي أنثى، في حياة الرجل، مما يجعل اسم المرأة من الأمور السرية، التي تتصل بمروءة الرجل، ومدى غيرته وحميته في الدفاع عن نسائه!

 


للأمر حسابات أخرى بالنسبة للمصريين، تختلف جذريًا عما قد يراه سواهم بخصوص اسم المرأة.. الرجال هنا يعتبرون الإفصاح عن اسم الزوجة أو الأم أو الابنة أو الأخت فيه نوع من كشف سترها، كأنه يعريها أمام الناس.. في الشارع، ينادي الزوج زوجته باسمه هو، أو اسم أبيها، أو اسم ابنهما! المهم ألا ينطق اسمها هي أمام العامة



عندما تواجه واحدًا ممن يعتنقون هذا المذهب الغريب في التفكير، في النظر لاسم المرأة والتعامل معه كأنه سر مقدس؛ سيدافع عن نفسه ويواجهك بحقيقة أن المجتمع يفرض نظرته بخصوص هذا الأمر، حتى أنك قد تتعرض لأسوأ المواقف وأكثرها سخافة إذا ما عرف أحدهم اسم أمك؛ فهنا في مصر، قد يشتم أحدهم الآخر بأن يناديه باسم أمه مُجردًا: "يا ابن فُلانة!" وعندئذ، يُصبح اسم الأم سُبة في حد ذاته، دون أي نعوت أخرى!



عندما أرادت الجماهير الغاضبة في المدرجات أن تهاجم "عصام الحضري"، لاعب الكرة الشهير والحارس السابق لمنتخب مصر، أخذوا ينادونه باسم أمه، بعد أن تجرأ الحارس، وفي سياق الحديث دون أن يقصد، ذكر اسم أمه في أحد البرامج الحوارية.. وكذلك الأمر في ميدان السياسة: فلا يمكن لمصريّ أن ينسى أن أحد أهم الهتافات ضد الرئيس المصري المعزول "محمد مرسي"، والذي اعتادت الجماهير الغاضبة في الميادين ان تهتف به ضده، هي أن تناديه باسم مُلفَّق لأمه، رآه البعض مُضحكًا؛ فادعوا أنه اسمٌ لأمه، ونشروه بين الجماهير الغاضبة؛ فكان الهتاف الساخر إياه هو الأكثر رواجًا في المظاهرات المعارضة لحكم "محمد مرسي".



ليس الأمر تافهًا، كما قد يتصور البعض؛ فهو متصل بشكل مباشر برؤية المجتمع، مجتمع الرجال تحديدًا، للمرأة، والتي يراها الأغلبية ككيان مُلحق بالرجل، متصل به، لا يقدر على العيش دون أن يتم إلحاقه ولصقه بالرجل، بشكل ما.. يجب أن نعمل على توضيح الصورة أمام الغافلين: للبنت كيانٌ منفصل عن أي أحد آخر، ليست مُلحقة بأحد، اسم البنت يخصها هي، وحدها دون سواها، وعندما يتم ذكرها في أي حديث، أو يرغب أحدهم في منادتها لأمر ما؛ فعليه أن يناديها باسمها، لا باسم أبيها أو أخيها أو ابنها! تلك التفاصيل الصغيرة هي ما تلتصق بوعي الإنسان، تُشكِّله، وتدفعه في الاتجاه الذي يناسبها.



أبي رجلٌ عادي تمامًا، عمل طوال حياته العملية كموظف في إحدى الشركات الكبرى، حيث يمكن اعتباره مثال للمواطن العادي، غير متصل بأي شأن يخص النضال من أجل حريات المرأة أو ما شابه؛ فهو غير مهتم بهذه الأمور من الأساس.. عندما أتأمل الآن في طريقة حديثه عن أمي أمام الناس، وتصميمه على أن يناديها دومًا باسمها، دون مواربة كما يفعل غيره، أرى في هذا انعكاسًا للطريقة التي أجده يتعامل مع أمي طوال حياتنا من خلالها.. لم يقلل أبي من شان أمي أبدًا، لا يعتبرها تابعًا له، لا يفترض أن توافقه الرأي على كل شيء كما يتصور معظم الرجال العرب، دومًا أجده يتفاخر بها، وبإنجازاتها الصغيرة، يتباهى بقصة حبهما الطويلة أمام كل الناس.. أحاط أبي حياته مع أمي بسياج من التقدير والاحترام المتبادل، تغلفهما وتحرسهما المحبة.



لا يتغير التاريخ إلا بمن يقدرون على الرفض، والمواجهة، وتحمُّل تبعات الوقوف ضد السائد.. لابد أن يلعب أحد دور الرافض، والساخط على الأوضاع؛ لتتغير في المستقبل.. الاستسلام للتيار لا يعني سوى المزيد من الانجراف نحو القاع..



لم أقتنع بالتبريرات التي يسوقها من يرفضون الإفصاح عن أسماء أمهاتهم وزوجاتهم أمام الناس، أرى في هذا انهزامًا أمام السائد، حتى لو كُنا متأكدين من سخافته وضحالته.



لا أرى في اسم أمي او حبيبتي عورة، يجب أن أداريها وأعمل على إخفائها دومًا، بعيدًا عن أعين الفضوليين.. أحب أمي؛ فهي امرأة مبهجة حقًا، وأحب اسمها.. اسمها: "يُمنى"، وأتمنى أن أنجب بنتًا، في المستقبل، وأُسميها على اسمها.