السبت  16 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

لماذا تعمدت إسرائيل ارتكاب مذابح بحق العائلات في قطاع غزة؟

2014-08-28 09:13:48 AM
لماذا تعمدت إسرائيل ارتكاب مذابح بحق العائلات في قطاع غزة؟
صورة ارشيفية

 ما هي أهدافهم الحربية والنفسية؟ وما أثر ذلك على الأسرة الفلسطينية؟

الأهداف والأبعاد من وجهة نظر الكتاب والمحللين

الحدث: سراب عوض

أثار حجم النيران التي سكبت على رؤوس الآمنين والعزل في قطاع غزة، العديد من الأسئلة الكبرى في زمان لم يعد فيه السؤال مقتصراً على الضحايا الذين تلقوا بصدورهم العارية، وبيوتهم الضعيفة هذه الحمم البركانية، وربما رحلوا دونما يتمكنوا من سؤال القتلة، لماذا قتلتمونا؟ بل تخطى ذلك إلى عقول المفكرين والساسة وأصحاب الرأي والمعرفة في الأبعاد الحقيقية للفكر الإجرامي التفوقي الذي يحرك آلة القتل والعدوان في كيان لم يعد غريباً بطبائعه وأهدافه، حتى على القوى التي زرعته في بلادنا فلسطين، كي يقوم بهذه الوظيفة اللاإنسانية.

لقد فجر حجم هذا العدوان وطرق أيقاعه، ليس الضمائر البشرية فقط، بل ربما فجر أيضاً كل قوى الطبيعة وغرابة الفوضى فيها، لرؤية هذا العدوان وتتبع آثاره وتداعياته على المخلوقات كافة، وعلى البيئة التي تعيش فيها هذه المخلوقات، لذلك نحن هنا نطرح السؤال التاريخي في لحظة مفصلية لا بد وأن تفضي إلى محصلة أخرى في الصراع العربي الإسرائيلي المحتدم منذ ما يزيد على قرن، وبنفس الصخب والإيقاع الذي تجسد في الآونة الأخيرة على أهل غزة الآمنين، حيث قدر لنا أن نختار مجموعة من المختصين والمفكرين في هذا الشأن، علهم يجلون هذه الوقائع، ويرفعون من شأن الحقيقة في التاريخ، التي ستبقى مرتبطة بعناد الحق الفلسطيني، وقوته الإبداعية الخلاقة في الدفاع عن الحياة بتلك الأجساد التي توردت على فوهات الحمم طائعة، دفاعاً عن الحق في الوجود.

 

المحلل السياسي يونس الرجوب، أفاد في معرض حديث خاص لـ "الحدث" أن العقيدة التي تحرك آلة الحرب الصهيوني لإيقاع الجريمة ضد الآمنين العزل من أبناء فلسطين، تقوم على مجموعة من القواعد والأسس الخرافية والأسطورية المرتبطة باليهودية السياسية، التي تعرف تماماً أنها قامت باقتطاع مجموعة بشرية تنحدر من مئة وخمسين عرقاً وأمة، وعزل هذه المجموعة البشرية عن جذورها وثقافاتها وأعراقها وتحويلها إلى قوة عدوانية في التاريخ، تقوم وحدتها على عداء الغير والسطو والعدوان على أملاكهم وأرواحهم، وهي تعلم تماماً أنها معتدية وأنها بلا مبررات قانونية أو أخلاقية، وبالتالي تم حشو هذه المجموعة البشرية بمعتقدات خرافية تلمودية ليس لها أصل في الأديان أو المعتقدات والقيم الإنسانية، سيما القواعد والأسس التي تقول: "كل أرض تدوسها بطون أـقدامكم فهي لكم!! هكذا كلم الرب يوشع. وليس من العيب أن تكون ذماماً وكذاباً وجاسوساً إذا كان ذلك لإضاءة شمعة في جبل صهيون، في يوم سبتك أكرم بهيمتك، ولا تنظر لأي من "الغوييم" أنت وريث آدم في عمارة الأرض، وغيرك خلق لفتنتك في دينك وإعالتك في عمارتها، وليس من حقه أن يسود عليك"، وبالتالي فإن هذه الخلفية التعبوية تشكل أساساً لتميز هذه البشرية بالعدوان، وإشعارها بالعداء المتواصل للغير، وإثارة بواعث الكراهية والأحقاد في نفوسها، سيما وأن القتل والإجرام بحاجة إلى مثل هذه الكراهية، ومثل هذا الحقد الأسود على الغير، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن المظلومية التي تأسست عليها الحركة الصهيونية الاستعمارية، قامت في أصل مبناها الفكري والعقائدي على التميز والعنصرية والفوقية، والاعتقاد الراسخ بأن أصل العداء لليهودية يكمن في المكون غير الآدمي في "الغوييم"، حيث لا تعترف اليهودية السياسية بانتساب الأمم الأخرى لسيدنا آدم عليه السلام، بل تعتبر البشر كافة من سلالات حيوانية خلقها الله سبحانه وتعالى لمنفعة اليهودية السياسية، أو منفعة سلالة سيدنا آدم عليه السلام التي حصرتها اليهودية السياسية في العنصر والدم اليهودي فقط، حيث، على هذه الخلفية، تجنبت الحركة الصهيونية الاستعمارية عملية الإبادة المباشرة والسريعة للشعب الفلسطينيي عام 1948 واستبدلتها بعملية الترانس فير، أي "الاجلاء والترحيل" والإبادة بعيدة المدى وذلك لترسيخ المظلومية في العقل الأوروبي وإيقاعها على الشعب الفلسطيني بصورة أخرى، وبالتالي نستذكر هنا وفي بند أركان الأمن الصهيوني التي أسسها بن غوريون بعد إقامة الدولة العبرية عام 1948 مقولته الشهيرة في التعامل مع الشعب الفلسطيني بعد الإجلاء والترحيل، حيث قال: يجب أن نضع على جدول مهماتنا العسكرية (ابعولوت عشيكت) أي عمليات الإخضاع والتسكيت، وهذا يعني وفقاً لرؤية بن غوريون ضرب تجمعات الشعب الفلسطيني كلما دعت الحاجة لكسر الروح المعنوية بين أوساط المهجرين، وإخضاعهم بقوة العدوان وإشعارهم باستحالة الرد عليه أو كسره واحتوائه، ومن ثم صناعة ثورة تأخذ على مسؤوليتها هزيمته واندثاره، حيث لا بد أن نستذكر هنا كل العمليات العدوانية التي حدثت ضد الشعب الفلسطيني في هذا الإطار بدءاً من مجزرة كفر قاسم ومروراً بنحالين، وخانيونس، والسموع، وقبية، ومجازر قرى اللطرون الثلاثة التي حدثت عام 1967 أثناء العدوان على الأمة العربية، وصولاً إلى مجازر مخيمات لبنان ومخيمات الضفة الغربية، ومجزرة غزة التي نحن بصدد الحديث عنها، حيث يعتبر الكيان الصهيوني أن العدو المباشر الذي يهدد وجوده ككيان دخيل هو الشعب الفلسطيني، وبالتالي فإنه يصعد من عدوانه عليه، ويقوم بضربه بمعدل كل خمسة أعوام مرة، ويقوم بضربه ضربةً موجعة كالضربة المستمرة لقطاع غزة حتى تاريخه، لذا نحن أمام آلة حرب عنصرية مؤسسة على إيقاع العدوان كجزء لا يتجزأ من عقيدتها التعبوية، وفي الجانب الآخر نحن أمام جماعة بشرية مقتطعة من أصولها القومية والعرقية لهذه الغاية، ونحن أمام اختلال واضح وجلي في موازين القيم أمام المصالح والأهداف الاستعمارية المحيطة بالوطن العربي كثرواته النفطية والطبيعية، وهو الأمر الذي يشكل جذر المشكلة وأصل العدوان على شعبنا الأعزل الآمن في بلاده، الذي ليس له خيار غير خيار الصمود تحت هذه الحمم والبراكين، دفاعاً عن حقه ووجوده، ولن ينكسر.

من جهته أكد وكيل وزارة البيئة جميل المطور لـ "الحدث"، أن المحتل الإسرائيلي، ومنذ سني النكبة الأولى وكافة سني الاحتلال لأرضنا الفلسطينية، تفنن في توجيه الضربات وارتكاب المجازر بحق شعب أعزل، ولم يتورع عن ارتكاب أبشع الأعمال الهمجيه من عسكرية وأمنية ونفسية واقتصادية، ولعل العدوان الأخير مثل الصورة الأكثر كثافة لعقلية الإجرام والإرهاب الإسرائيلي الذي فاق كل الحدود والأوصاف، حيث تتفتق عقليته كل يوم عن أحدث الوسائل والتقنيات والأسلحة والأدوات في عدوانه البربري على شعبنا في قطاع غزة، وتميز هذا العدوان بغزارة النيران براً وبحراً وجواً، وتميز بارتكاب المجازر بحق العديد من العائلات الفلسطينية في إطار سياسة الأرض المحروقة واجتثات تلك العائلات عن وجه الأرض، ولا شك أن المحتل يرمي من وراء هذا الأسلوب الوحشي محاولة كسر إرادة شعبنا وتركيعه وحمله على الاستسلام والتمرد على المقاومة، كما أنه يهدف إلى توجيه رسائل نفسية حادة وقاسية لبقية أبناء شعبنا، في محاوله منه لإطفاء حالة النضال، والركون إلى مربع الحياد أو التسليم بالأمر الواقع، وأضاف المطور أن سياسة التطهير العرقي هذه مورست في أكثر من حرب أو مواجهة على مدار السنوات الطويلة، سواء في فلسطين أو في لبنان، ولكنها لم تؤتِ أكلها لأن إرادة الشعوب أقوى من إرادة الموت والدمار، كما أن المحتلين يهدفون إلى ترويع الناس واستعراض جبروتهم العسكري المجرد من القيم والروادع الإنسانية ومحاذير القانون الدولي الإنساني وكل الاتفاقيات الأممية ذات العلاقة، ولا شك أن هذه المجازر تترك آثارها النفسية والاجتماعية على الناس، ولا سيما الأطفال وتسبب فيما يعرف بصدمات الحرب، فبين شلال الدم النازف وبين فقدان الشيخ والطفل والأم والقريب والجار وكل ذوي القربى، مساحات من الألم والحزن وجروح لا تندمل أمام الفراق الصعب، الأمر الذي يتطلب جملة من التدخلات من قبل المختصين والمؤسسات العاملة في مجال الإرشاد النفسي والاجتماعي من أجل الحد أو تخفيف وطأة تلك الآثار الأليمة، ولكن ينبغي أن نقول أن شعبنا تعود على ركوب الأهوال وواجه الكثير من محطات القتل والمجازر والتشريد، عصي على الكسر والانحناء في سبيل حريته وكرامته واستقلاله الوطني، فالاحتلال إلى زوال، وأما شعبنا فإنه ذاهب نحو حريته ودولته بعاصمتها القدس، طال الزمن أم قصر، وكما قيل، لا بد دون الشهد من وخز الأبر.

المحلل السياسي د.بيتر قمري اعتبر في حديث مع "الحدث"، أنه ضمن فلسفة الحركة الصهيونية التي وضعت مبادءها في مؤتمر بازل عام 1897، كان إقامة دولة يهودية خالصة يحدها غرباً نهر النيل وشرقاً نهر الفرات، ورغم أن وعد بلفور قد ذكر صراحة على إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين ولم يتكلم عن الهدف الصهيوني التوراتي بعيد الأمد، والذي لا زال سعياً صهيونياً، والذي شعاره "من النيل إلى الفرات أرضك يا إسرائيل" فقد بقي هذا الشعار الهدف حُلُماً يراود اليمين الإسرائيلي، الذي هو الممثل الأمين للفكر الصهيوني وصاحب شعار يهودية الدولة والمتحكم آنياً بالقرار الإسرائيلي وفق معادلة التحالف الحزبي في التشكيلة الوزارية الإسرائيلية الحالية.

اليمين الإسرائيلي لا يُقر ولا يعترف ولن يعترف لاحقاً بدولة فلسطينية قائمة أو ستقوم على أي جزء من التراب الفلسطيني، إن كان في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، وإن تطلعه الدائم هو في تحقيق الحُلـُم الصهيوني التوراتي، لذا كان العمل على تفريغ الأرض الفلسطينية من أهلها هو منهج عمل دائم يُطبق بكافة الوسائل، الترغيبية والضغوط الاقتصادية والسياسية وآخرها بالوسائل العسكرية. ولما أن توافقت هذه الرغبات في الحملة الساديـّة النازية والبربرية على قطاع غزة، فإن المذابح هي الوسيلة الآنية المتاحة للإقلال من التعداد السكاني العربي في قطاع غزة، ناهيك عن أمرين آخرين، وهما ساديّة الصهيونية وعنصريتها المتمثلة بالمبدأ العسكري الصهيوني، ومن ضمنها سياسة إرهاب الخصم، وهي من ضمن الفلسفة العسكرية الإسرائيلية، وأيضاً من مفاهيم إدارة الصراع وعقلية اليمين الإسرائيلي وحزب الليكود، وريث الإرهابي مناحيم بيغن وقتله النساء والأطفال في مذبحة دير ياسين عام 1948 ومذبحة قبيـَة وكفر قاسم عام 1956 إلى جانب قناعات الصهيونية الإسرائيلية، والتي تقول إن أسفل كل حجر أو شجرة في قطاع غزة هناك مدخل أو مخرج لِنـَفـَق، وإن في كل بيت من القطاع يتواجد فدائي يحمل السلاح، فهدم البيوت على من فيها وتجريف الأراضي هو تحييدٌ أو قضاءٌ على الأنفاق وقتلٌ لمن يحمل سلاح المقاومة.

وأضاف قمري: "لا نستطيع أن ننكر مدى التأثر النفسي لكل مـَن يُقتل أبوه أو أمه أو أخوه أو ابنهُ أمام عينيه وبدم بارد سادي، لكن هذا التأثر النفسي يَخلق، إلى جانب الاستعداد المبدئي والفطري والمفهوم الإيماني للاستشهاد لدى الفلسطيني، يخلق ردود فعل تظهر نتائجها لاحقا،ً وفي ساحات المواجهة والصراع المستقبلي والأزلي بين الفلسطينيين والصهاينة، إلى أن يعود الحق لأصحابه كاملاً غير منقوص، فلا اتفاقات ولا مساومات ولا مفاوضات ولا دويلة تنسيه فلسطين الحرة العربية الموحدة، وهذا ما تجهله العقلية الصهيونية أو تتغاضى عنه بفعل الاقتدار العسكري والضعف العربي الآني والدعم الأمريكي الأوروبي غير المحدود، إلى جانب تغاضي الحكومات العربية، الوكيلة للمخططات والسياسات الأمريكية، عن حرب الإبادة الجارية والمخطط لها في قطاع غزة، مما اعتبر تشجيعاً مباشراً على استمرار المذبحة بحجة التخلص والقضاء على حركة حماس متناسين أن المقاومة في قطاع غزة هي مقاومة كل الفصائل الوطنية والإسلامية، يعضدها ويؤيدها شعب غزة ويرعاها ويصونها بالقلوب والمهج وحبات العيون، لأنها معركة دفاع عن النفس ومعركة حق وكرامة ووجود"، مشيراً أن هناك أُسـَراً فلسطينية أصبحت بكاملها ممحية مِن سجلات النفوس، لكنها لن تـُمحى من عقول أبناءِ فلسطين وأشرافِ الأمة، ونسي مَن يدعم الحملة النازية السادية البربرية والإرهابية الصهيونية الممارسة على قطاع غزة البطلة، على الإنسان وعلى الحجر، مِن عرب اللسان، أن أبناء الأمة العربيةِ وشعبِ فلسطين على وجه الخصوص هم كالعنقاءِ يخرجون من الرماد يعيدون الحياة ويصوغون المعادلة الجديدة وِفق مقتضياتها، كونهم يعشقون التحدي ويؤمنون بالحق الأزلي، وعلى الصهاينة ألاّ ينسوا أمرين اثنين وهما، أن أطفال اليوم هم رجال الغد، وهذا ما يخشاه الصهاينة، لذا أمعنوا في قتل الأطفال، وثانيها أن الملائكة الأطفال، ممن فقدوا عائلاتهم وأصبحوا اليوم أيتاماً هم فدائيو الغد وأن المرأة الفلسطينية التي فقدت أبناءها هي امرأة وَلود تؤمن بالقضاء والقدر، تبكي اليوم طفلها المذبوح على هيكل الحرية، وتلد غداً طفلاً منذوراً للوطن وقضية التحرير، وتقدمه راضية من أجل فلسطين وحريتها ومن أجل ما تؤمن به.

من جهته أكد الباحث والكاتب الصحفي عبد الغني سلامة لصحيفة الحدث، أن إسرائيل هي التي بدأت بشن العدوان الهمجي على قطاع غزة، واختارت التوقيت والمكان وحددت الأهداف، وبهذا المعنى، فإن الحرب تكون قد فُرضت على غزة فرضاً، ولم يكن أمام حماس ومعها بقية قوى المقاومة من خيار سوى قبول التحدي، والدفاع عن النفس، وهذا يعني أيضاً أن إسرائيل لديها مخطط معين، تعمل على تنفيذه، صحيح أنه لا يمكن لها أن تنجز أهدافها بالكامل، إلا أنها وبسبب تفوقها المطلق بالقوة العسكرية، وفي ظل تواطؤ دولي، وصمت عربي، استطاعت أن تظل، وإلى حد ما، ممسكة بزمام المبادرة سواء من الناحية العسكرية، أم من الناحية السياسية، رغم تكبدها خسائر في الأرواح، وخسائر اقتصادية كبيرة، نتيجة الأداء البطولي والمميز لرجال المقاومة، موضحاً أن لدى إسرائيل أسباباً وأهدافاً سياسية واستراتيجية وراء كل حرب تخوضها، في هذه الحرب كانت المواجهة بين جيش نظامي مدجج بأعتى أنواع السلاح، مقابل ميليشيات شعبية (فصائل المقاومة) بأسلحة متواضعة، أي أن الحرب لم تكن حرباً كلاسيكية بين جيشين، أو بين دولتين، بل كانت ضد قوى وتنظيمات وتشكيلات عسكرية موجودة بين الناس، وهؤلاء الناس هم الحاضنة التي توفر للمقاومة الغطاء والدعم اللوجستي، وفي مثل هذه الحالة يدفع المدنيون ثمناً باهظاً، لأنهم عملياً شركاء في المقاومة، وبالتالي يصبحون في نظر العدو أهدافاً "مشروعة". وإسرائيل، كما هو معروف، تربي مواطنيها وجنودها على العقيدة الصهيونية التي ترى في الفلسطينيين (والعرب، وكل العالم) مجرد "أغيار"، و"غوييم" خُلقوا على الهامش، ومن أجل خدمة الشعب اليهودي، وبهذه النظرة العنصرية المتعالية لا يتبقى في قلوب الجنود الإسرائيليين بقايا رحمة أو إنسانية، ويصبح الفلسطينيون بالنسبة لهم مجرد أرقام، وأهداف عسكرية، لذلك لا يتردد الطيار الإسرائيلي في قصف الأهداف المدنية، ولا يرف جفن لأي جندي وهو يصوب قذائف دبابته ومدفعيته نحو البيوت، حتى لو كانت مليئة بالأطفال والنساء والشيوخ، وهي بالضرورة كذلك. ومن جهة أخرى، وحتى تضمن الجبهة الداخلية، وتضمن عدم خروج مجموعات رافضة للحرب والقتل، تعمد الإعلام الإسرائيلي الرسمي عدم إظهار صور الضحايا الفلسطينيين، وخاصة من الأطفال، ولذلك، فإن الأغلبية الساحقة من الجمهور الإسرائيلي لم ترَ من العدوان على غزة سوى صور سحب الدخان، والتفجيرات عن بعد. يعتقد البعض أن استهداف البيوت والعائلات هو ناتج عرضي لا بد منه في سياق استهداف منصات الصواريخ والأنفاق التي يدعي الجيش الإسرائيلي أنها منتشرة بين الأحياء السكنية، وبجانب المدارس والجوامع، بمعنى أن الهدف هو ضرب مواقع عسكرية قريبة من البيوت، ولكن وبسبب الكثافة السكانية تكون الضحايا من العائلات. قد يكون جزء من هذا الطرح صحيح نسبياً، ولكن ومن وجهة نظري فإن استهداف البيوت والعائلات كان متعمداً، وعن سبق الإصرار والترصد، وليس ردة فعل على خسائر الجنود الإسرائيليين، ولا انتقاماً من رجال المقاومة الذين تعجز عن مواجهتهم بسبب ظروف هذه الحرب غير العادية، ولا لأن الجيش فقد أعصابه وبدأ يتصرف بشكل جنوني. فإذا كانت إسرائيل لديها مخططات لمدن وشوارع وأحياء غزة، ولديها كم هائل من الصور الجوية، سواء من الطائرات "الزنانة"، أو من الأقمار الصناعية، إضافة لأرشيف كامل من المعلومات الاستخبارية التي جمعته خلال سنوات طويلة، وتقوم بتحديثه يومياً من خلال عملائها، فكيف يكون استهداف منزل أو مدرسة مجرد خطأ بالتهديف!؟ وهي،أي إسرائيل، التي طالما تفاخرت بقدرتها على رصد أي شخص مطلوب وإصابته بدقة حتى لو كان على دراجة! إذن، وبلا أدنى شك، كل الصواريخ التي سقطت على البيوت والمدارس بما فيها من أطفال وأناس أبرياء ولا دخل لهم بالمقاومة، كانت صواريخ موجهة بدقة، ولأغراض سياسية وتكتيكية، تستهدف إسرائيل الناس المدنيين لغرض القتل وإسقاط أكبر عدد ممكن من الضحايا، وبهدف التخريب، ولذلك راح ضحية هذه الحرب عشرات العائلات التي استشهد جميع أفرادها ولم يبق منهم أحد، حتى أنها استهدفت مدارس لوكالة الغوث يقيم فيها مئات المهجرين مع علمها بذلك، وحصولها على إحداثيات موقع المدرسة من قبل الوكالة. وتريد من وراء ذلك فكفكة العلاقة بين الجماهير والمقاومة، أي جعل السكان المدنيين عبئاً على المقاومة ووسيلة ضغط عليها، بدلاً من كونهم داعماً وسنداً، حتى يصل الأمر إلى خروج المظاهرات الشعبية التي تحمل المقاومة مسؤولية سقوط الضحايا، وبذلك تعزل المقاومة عن محيطها الشعبي، وتستفرد بها، وتنزع عنها أهم عناصر قوتها، بل وتظهرها كما لو أنها السبب في الخسائر المدنية، وتريد أيضاً زيادة تكاليف الحرب على المقاومة، وزيادة الخسائر المادية والبشرية، وتدمير البنية التحتية، بحيث تفكر في المستقبل مائة مرة قبل استهداف المستوطنات والمدن الإسرائيلية بالصواريخ، أي تريد كي الوعي الفلسطيني على مستوى الفصائل والأفراد، وبث الرعب والخوف في قلوب الفلسطينيين، وإعادة تكوين الذهنية الفلسطينية بحيث تكون أكثر خضوعاً وتسليماً بقوة إسرائيل وهيمنتها وتفوقها، أي بجملة واحدة تريد قتل روح المقاومة الشعبية. وهذا هو جوهر الحرب النفسية التي استخدم فيها الجيش الإسرائيلي ترسانته العسكرية بما في ذلك أسلحة محرمة دولياً. ولدى إسرائيل أيضاً أهداف أخرى تتجاوز نطاق الحرب الدائرة الآن، أي لمرحلة ما بعد الحرب، حيث أن ألفي شهيد وعشرة آلاف جريح وآلاف البيوت المهدمة، هي بحد ذاتها كارثة إنسانية واجتماعية كبرى، فكل شهيد إذا كان رب أسرة سيخلف وراءه أيتاماً سيفقدون مستقبلهم الذي طالما حلموا فيه، وكل جريح فقد أطرافه أو أصابه شلل أو إعاقة سيصبح عالة على المجتمع، وكل من فقد بيته وممتلكاته سيحتاج سنوات طويلة حتى يعوض جزءاً منها، وهذا الواقع الصعب سيخلق نقاط ضعف اجتماعية، وسيفتح المجال أمام تزايد معدلات الجريمة والتعديات والمشاكل الاجتماعية الأخرى، وسيكون بمثابة قنبلة موقوتة ستهدد السلم الأهلي والنظام الاجتماعي، وستعيق مخططات التنمية وإعادة الإعمار، بحيث تظل غزة، ولسنوات طويلة، غارقة في الأزمات والمشاكل. هذه الحرب كشفت عن القناع الزائف الذي طالما حاولت إسرائيل التخفي وراءه، وأظهرتها على حقيقتها البشعة، وأكدت أن الجيش الإسرائيلي بلا أخلاق، وبلا إنسانية. جيش لا يتورع عن قتل أطفال ومدنيين وهم في بيوتهم، ولذلك، مهما ادعت إسرائيل رغبتها بالسلام، ومهما طرحت من أعذار واهية بأنها تدافع عن نفسها. ستظل دماء 450 طفل لعنة تطارها أبد الدهر، وستظل دماء ما يقرب الألفي شهيد جلهم من المدنيين وصمة عار على جبينها.

وفي سياق متصل أعتبر الكاتب الصحفي موفق مطر، أن ما حدث في غزة كان نتاجاً لتفشي التعاليم التلمودية في جيش الاحتلال، على حساب العقيدة العسكرية التي عرف بها، وهذا يعني استجابته لدعوات المتطرفين من الحاخامات المتطرفين لقتل الفلسطينيين دون استثناء، طفل أو امرأة أو مسن، ومن ثم اعتمدت على توجيه ضربات موجعة لعائلات وممتلكات وقيادات من الفصائل، لإشعارها بحجم الخسائر، مضيفاً أن إسرائيل تعمدت قصف البيوت نظراً للجوء قيادات من الفصائل تخزين أسلحة من نوع ما في بيوتهم، أو استخدام هذه البيوت كمنطلق للمجموعات المسلحة، أو باعتبار بعضها نتاجاً لتجارة الأنفاق، وهذا ما تتعمده الجيوش عند بدء كل حرب فتباشر بضربات موجعة للخصم، وردعه بقوة الضربة العسكرية، وبما أن الفصائل في غزة لا تمتلك أسلحة مؤثرة فإن جيش الاحتلال وجه ضربته إلى أكبادنا "أطفالنا" على اعتبار أن هذا الأمر يوجع قيادات الفصائل ويدفعها لوقف إطلاق النار.