الحدث: (المضمون: يجب على القيادة السياسية في أعلى المستويات أن تبدأ الاستعداد للجولة العسكرية التالية التي لن يتأخر مجيئها).
تروي حكاية قديمة محزنة أن صديقين كانا يتنزهان على ضفة نهر اليركون، وكات ضفادع خضراء تقفز قربهما. "هل تراهن على 100 شيكل أنني سأُمسك بضفدع وابتلعها؟"، قال أحدهما متحديا وتم الرهان وانتقلت 100 شيكل من جيب الى جيب، وتابعا السير. "هل تراهن على 100 شيكل أنني أنا ايضا سأُمسك بضفدع وأبتلعها"، قال الخاسر متحديا لاعنا نفسه في صمت لأنه دُفع الى الرهان الأول. وتم الرهان فابتلع هو ايضا الضفدع فعادت الـ 100 شيكل من جيب الى جيب، وأصبح كل شيء كما كان، لكن أصبح يوجد ضفدعان في بطني الصديقين.
في حرب الخمسين يوما ابتلع الطرفان ضفادع لكن الضفدع الاسرائيلية أكبر وأكثر تهييجا للبطن. وسيبذل بنيامين نتنياهو الآن جهدا ضخما ليعرض النتيجة على أنها نصر، فاذا صدق نفسه فسيكون بذلك الوحيد في جيله تقريبا. فالهدوء لن يُرد عليه بالهدوء بل بالكذب. والذي جلبه نتنياهو ورفاقه على اسرائيل في مواجهة أقوى جيوش المنطقة لمنظمة فيها أقل من 15 ألف مقاتل وعدد أقل من ذلك من القذائف الصاروخية ليس مجرد إنكسار بل هزيمة. قال يوليوس قيصر: جئت فرأيت فانتصرت. وقالت القيادة الاسرائيلية: بني وبيبي وبوغي جاءوا فرأوا فانتصروا فضُربوا بقذائف الهاون.
يجب على نتنياهو أن يقدم كشف حساب، بل ربما يجب عليه أن يحاسب نفسه على برنامج العمل وبرنامج الأولويات الذي حاول أن يمليه في السنوات الاخيرة مع اهود باراك أولا ومن غيره في السنة الاخيرة. وعلى الجنون في شأن ايران الذي اجتذب مليارات ضرورية. فلو أنه خصص لنيريم ولناحل عوز 1 بالمئة مما خصصه لنتانز لأصبح الاسرائيليون أكثر أمنا.
يحب الساسة أن يُداهنوا الجمهور وأن يمتدحوا حكمته، وهم لا يقصدون ذلك بجد لكن الجمهور أكثر حكمة منهم حقا. فهم يتحدثون حديثا عاليا عن السعي الى تماس ويدرك السكان المقصوفون أنه يجدر منع التماس. كان التل ابيبيون أكثر تنبها من شلومو "تشيتش" لاهط في شهر ونصف شهر أطلقت فيه صواريخ سكاد غربي النقب في 1991، وكان الجنوبيون أكثر واقعية من نتنياهو وشركائه حينما تركوا الكيبوتسات والقرى الزراعية على طول محور "حوشئيل"، الشارع 232، الى خارج مدى القذائف الصاروخية.
أحسنت اسرائيل متأخرة خمس سنوات وسنتين، الاستعداد للعملية السابقة، الرصاص المصبوب وعمود السحاب، بشيء واحد ووحيد هو تطوير الحماية من القذائف الصاروخية. وقد كان تكرار الطريقة نفسها وإن يكن بعدد أكبر بكثير والى مدى أبعد، خطأ أساسيا لحماس، لكن اسرائيل لم تستعد كما يجب للقتال في الانفاق ولقذائف الهاون؛ ويجب عليها أن تبدأ اليوم الاستعداد للعملية التالية لا لعملية "جرف صامد" اخرى.
يجب أن يبدأ هذا الاستعداد في المستوى الاعلى، السياسي، بتحديد جوهر الاهداف ورسم حدودها المطلوبة – ما الذي يكون الاسرائيليون مستعدين للقتال عنه ولماذا يقتلون ويُقتلون ولا يجوز الاستمرار على التهرب من ذلك فالزمان في غير مصلحة من يدفنون رؤوسهم في الرمل، ولن يدع العالم اسرائيل وحماس تُجران مرة بعد اخرى الى تبادل ضربات.
إن زيارة جنرال قوات المارينز المتقاعد جون ألين اشارة ثخينة في هذا الاتجاه. ويدعو ألين في وقت لا يشير فيه على وزيري الخارجية والدفاع الامريكيين في شأن الترتيبات الامنية التي يمكن أن ترضي الاسرائيليين والفلسطينيين، يدعو الى استعمال التأثير الامريكي بصورة انتقائية لكن قوية – في صراعات كصراعات اسرائيل والعرب والى زيادة الاستقرار والتقليل من المس بالأمن القومي الامريكي. ولا معنى لوسائل الضغط الامريكية بالسلاح والمال اذا امتُنع استعمالها في اوقات الازمات. إن براك اوباما في السنتين الباقيتين له قادر على الكف عن الامتناع من التدخل في الصراع، كي ينقذ اسرائيل من نفسها أو من قيادتها التي لا تنجح في كسر التعادل حتى في داخل مجلسها الوزاري المصغر.
أفضت الخمسون يوما في مواجهة حماس الى زعزعة اخرى لنظرية اسرائيل الأمنية، فيُحتاج الى فحص عميق عن هذه النظرية لتطريتها وترجمتها الى اجراءات سياسية ونشاط عسكري على أيدي جمع من الخبراء من الطراز الاول من خارج الجهازين السياسي والعسكري الحاليين، وأن يكون فيه اشخاص مثل الوزير السابق دان مريدور والجنرالات الاحتياطيين أوري ساغي أو شلومو يناي أو غيورا آيلاند.
إعتاد الجيش الاسرائيلي التمدح بتحقيقات صائبة وباستخلاص دروس واصلاح أخطاء. وليس من المؤكد أن ذلك كان صحيحا دائما برغم جهود صادقة، فلم يكن الجيش مستعدا بقدر كاف لحماسة تموز – آب 2014. ومن الضروري الآن أن يتقرر في وقت لا يتأخر عن نهاية الأعياد تعيين رئيس الاركان القادم كي يكون المرشح - ولا يوجد أحد سوى اللواء غادي آيزنكوت – كي يكون شريكا فاعلا مركزيا في رسم مسار اعادة بناء الجيش الاسرائيلي لأن المواجهة العسكرية القادمة والضفدع التالية لن يتأخر مجيئها.