خاص الحدث - جميل عليان
عاشت المناطق التي يسكنها الإسرائيليون في محيط غزة ليلة هادئة بعد أن تلقت نحو 5000 صاروخ، وقضت غزة أيضا ليلتها بدون قصف جحيمي.. لكن نتائج الحرب لا تحسب فقط برسم بياني لاستتباب الهدوء على جانبي خط القتال.
قد تكون الحرب الأخيرة على قطاع غزة بعيدة كل البعد عن مجريات حرب عام 1948 التي تكللت بإنشاء دولة إسرائيل، لكن حرب الـ51 يوما كانت الأقسى على كلا الجانبين.
فقد سالت دماء فلسطينية كثيرة، وسمع صياح الإسرائيليون المرعوبين في كل العالم، وهو ما أشار إليه محللون، بأنه الجديد في حروب إسرائيل.
فالعدوان الإسرائيلي الذي خلف آلاف القتلى والجرحى، ودمر جزءا كبيرا من قطاع غزة، جوبه أيضا برد فعل لم تعهده إسرائيل من قبل، عندما وصلت صواريخ المقاومة معظم المدن الإسرائيلية.
فخمسة آلاف صاروخ فوق دولة تحمي نفسها بالقباب الحديدة، ومنظومة رادار متطورة، كان حلما، وأصبح حقيقة.
وفيما يحاول الإسرائيليون تسويق نتيجة الحرب، بانتهائها بالتعادل، إلا أن الحسابات الفلسطينية تختلف بين الانتصار حتى وإن كان معنويا، وبين من يعتبر أن البقاء على قيد الحياة هو بحد ذاته انتصار.
لكن بعد سقوط عدد كبير من الشهداء وآلاف الجرحى يبدو أن حقيقة الانتصار هو مجرد البقاء.
ويقول محللون، إن إسرائيل فقدت خلال الأسابيع المنصرمة قسطا كبيرا من هيبتها، ليس في تفكير الدول، إنما أيضا في التفكير الشعبي الفلسطيني والعربي.
فالمقاتلون في القطاع الذي لا تتجاوز مساحته الكلية 340 كيلومترا مربعا، قاتلوا الدولة ذات التسليح الكبير، حتى الدقيقة الأخيرة من الحرب، وعندما أعلن الاتفاق الأخير للتهدئة خرج آلاف الفلسطينيين للاحتفال بنصرهم على الاحتلال، فيما التزمت إسرائيل بالصمت.
فذاته رئيس حكومتها أغلق هاتفه.
لكن الصمود الذي وصف بـ"الأسطوري"، الذي استمر واحد وخمسين يوما لم يحقق من اشتراطات المقاومة إلا الحد الأدنى كما يقول بعض المحللين.
فيما كانت فاتورة الحرب التي قدمتها الحكومة الإسرائيلية اليمينية دماء الآلاف من المدنيين.
بالنسبة للفلسطينيين كانت حسابات الحرب تعتمد على مدى قدرتهم الصمود أمام دولة نووية، لكن بالنسبة لإسرائيل التي غيرت من حساباتها كثير، كانت الحسابات تعتمد على وقف إطلاق الصواريخ التي وصلت لأول مرة إلى عمق التجمعات السكانية اليهودية والمستوطنات في الضفة الغربية.
لقد غيرت الحرب الأخيرة الكثير في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، وأيضا بدا للفلسطينيين أن إسرائيل قد تذهب عميقا في القتل والتدمير.
وإذا كانت هذه الخسارة هي الأكبر التي يتكبدها الجيش الإسرائيلي منذ حرب يوليو 2006 ضد حزب الله، إلا أن القصف المستمر فوق رؤوس المدنيين في القطاع أسفر عن استشهاد نحو 2143 مواطنا، غالبيتهم من المدنيين وربعهم من الأطفال، كما أصيب أكثر من 11 ألفا آخرين بجروح.
ويبدو أن نتائج الاتفاق النهائي لم تبتعد كثيرا عن ما أقره الاتفاق السابق عام 2012، لكن حسابات إسرائيل التي خسرت الكثير أمام الرأي العام الدولي، لا يمكن التغاضي عنها كواحدة من نتائج الحرب بعيدة المدى.
وقال المحلل السياسي زكريا محمد "لم يكن الاتفاق جيدا لنا، لكن لم يكن بإمكاننا في ظل الشروط الإقليمية والدولية القاسية أن نحصل على أفضل منه، وقد حصل هذا مع حزب الله في 2006، فقد انتصر على الأرض، لكنه حصل على اتفاق سيء، بل واتفاق معاد جدا، كان يفترض أن ينزع سلاحه".
وأضاف "لم يصل الأمر معنا إلى هذا الحد بالطبع، لكن الاتفاق لم يكن رائعا، غير أن مثل هذه الاتفاقات حصيلة تفاهمات واسعة، ولا تعكس الحقائق على الأرض، والحقيقة على الأرض لا تقل عن فشل إسرائيلي".
وتابع زكريا "من ناحية ثانية فإن أكثر من نصف المجتمع الإسرائيلي يعتقد أن حرب نتنياهو كانت حربا فاشلة، وأنها أضرت بشدة بقوة الردع الإسرائيلي، وأنها فتحت موضوع الضفة الغربية على مداه، وحطمت الاتجاه الفلسطيني المسالم والمريح لإسرائيل، اتجاه كبير المفاوضين، واتجاه مفاوضات إلى الأبد، وأنها أعادت فتح موضوع القدس على يد المقدسيين أنفسهم".
وقال "هناك من يقول عندهم أيضا: وماذا حققنا من هذه الحرب؟ ما حققناه كان يمكن أن نحصل عليه من دون حرب. في الميزان النهائي، هذه المعركة لم تنته لصالح إسرائيل".
بدوره، قال المحلل السياسي، هشام عبد الله وهو صحافي سابق في وكالة الأنباء الفرنسية، إن "تعريف النصر يخضع لشروط غير سليمة، لكن هذه المرة جاء نتيجة تجربة شديدة الفظاعة (...) بأي شكل انتهت الحرب الأخيرة فهي شكلت للشارع الفلسطيني تعبيرا جديدا عن النصر. بمجرد خروجك من المعركة هو نصر".
وأضاف أن المرحلة "هي حرب ترويع. إسرائيل اعتمدت على الإبادة. إبادة عائلات بأكملها. تدمير أحياء كاملة. وهذه حقيقة إسرائيل القائمة على القوة الكاسحة. لذلك فان حسابات الربح والخسارة لا تحسب بشكل حرفي أمام الدمار والخراب".
وقال "خلال السنوات السبع الماضية شنت إسرائيل 3 حروب راح ضحيتها آلاف. لذلك علينا أن نخرج من الحسابات العاطفية".
وفيما يبدو أن الشارع الإسرائيلي غير راض عن نتائج الحرب بعيدا عن حسابات القلم والورقة، وهو ما قد يؤدي إلى انهيار ائتلاف اليمين الإسرائيلي الذي يشكل الحكومة، يظهر الفلسطينيون يفكرون في مرحلة سياسية جديدة.
وكان الرئيس محمود عباس قال: "سنضع أمام القيادة رؤيتنا لحل القضية الفلسطينية، وسنستمر في التشاور فيه مع الأشقاء والمجتمع الدولي".
وأضاف في مستهل اجتماع القيادة، مساء أمس الثلاثاء، في مقر الرئاسة بمدينة رام الله، "يجب أن تكون الرؤية واضحة جدا ومحددة ومعلومة من الألف إلى الياء، أما الدخول في مفاوضات غائمة أمر لا يمكن أن نستمر فيه".