خاص الحدث– محاسن أصرف
في قطاع غزة بعد العدوان الإسرائيلي، كلما مررت بحيٍ من أحياء محافظاته الخمس تتكشف مأساة تُنبئ عن أحوال من عايشوها وذاقوا لوعتها، ما يُلفت الانتباه هو الإصرار الإسرائيلي على تدمير البنية التحية للاقتصاد الفلسطيني في كافة القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية والإنشائية وحتى الزراعية.
في المُخيم عُمال يرجون الكهرباء ساعة
"شادي عوف" في منتصف عقده الثالث، متزوج وأب لثلاثة أطفال أصغرهم "سما" تُعاني من سوء تغذية والسبب قلة ذات اليد لوالدها، يعمل شادي في مجال تصليح وكي الملابس، ويعتمد اعتمادا كليا في عمله على الكهرباء، ولذلك، الآن بات لا يعمل إلا في ساعات وصل الكهرباء والتي تتراوح يومياً من 2–6 ساعات فقط، لا تُعينه على تحقيق ربح يوفر به قوت يومه وأطفاله.
محمد ابنه الأكبر في العام الماضي لم يتمكن من دخول رياض الأطفال نظراً لعدم قدرة والده على توفير الرسوم الشهرية له، وفي هذا العام سيحرمه قلة رزق أبيه من التجهيز للمدرسة بعد أن سجل لعامه الدراسي الأول.
وهناك في السوق المركزي لمخيم الشاطئ، يجلس "أبو محمد" بانتظار عودة التيار الكهربائي ليفحص الأعطال بأجهزة كهربائية أتى بها له بعض زبائنه لتصليحها، يقول الرجل: "انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 14 ساعة يومياً يُعطل عملي"، ولا يملك "أبو محمد" القدرة المالية لشراء مولد كهربائي يُساعده في إنجاز عمله لأن سيجر عليه المزيد من التكاليف هو في غنى عنها، فهو بالكاد يدبر قوت يومه، وأحياناً كثيرة يستدينه.
ويشكو صاحب محل للمجمدات في السوق من عدم قدرته على شراء كميات كبيرة كما كان يفعل في السابق، ويرجع السبب إلى انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 14 ساعة متواصلة، إضافة إلى ضعف الإقبال على الشراء نتيجة الحرب، وكذلك ضعف القدرة المالية للمواطنين خاصة وأن بعض الموظفين لم يتلقوا رواتبهم، يؤكد الرجل أن تلك الحالة أثرت على وضعه الاقتصادي كثيراً، لكنه يأمل أن تنتهي تلك الحالة إلى زوال في أقرب وقت ممكن.
فقد العمل والرزوح على قائمة البطالة
لقد قضى العدوان الإسرائيلي على أوجه الحياة الاقتصادية في غزة، وأدى تدمير المنشآت الصناعية إلى ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل في القطاع إلى معدلات أعلى مما كانت عليه في زمن الحصار والإغلاق الممتد من ثماني سنوات، يقول "أبو محمد عفانة" :"أحرقت القذائف الإسرائيلية مصنع الإسفنج الذي أعمل به وأجني منه دخلاً يُؤمن احتياجات أسرتي ومع احتراقه احترق قلبي وبت عاطلاً عن العمل".
وأبو محمد لم يكن الوحيد الذي فقد مصدر رزقه وانضم بفعل العدوان الإسرائيلي الهمجي على المنشآت الصناعية إلى قائمة البطالة التي تجاوزت الـ50%، الكثير من عمال المنطقة الصناعية شرق غزة وشمالها، باتوا عاطلين عن العمل وأضيفوا لـ 170 ألف عامل تعطلوا قبل العدوان بفعل استمرار الحصار وإغلاق المعابر، الآن جميعهم يرجون عودة لكنهم لا يعلمون وقتها ولا حتى آليتها.
حرق واستهداف ممنهج للأراضي الزراعية
كنت ما إن تتجه إلى شمال قطاع غزة في بيت لاهيا وبيت حانون أو شرقه في قرى خزاعة وعبسان وبني سهيلا، حتى تأسرك خضرة المناطق بمحاصيلها اليانعة، لكنك بعد العدوان لن تجد إلا حُطاماً اختلط بنبات الأرض، يوسف أبو حليمة ورث أرضاً غناء عن والده سعد الله الذي استشهد في حرب 2008، اعتنى بها ورعاها بعرقه ودمه، لكن جرافات الاحتلال الإسرائيلي جعلتها أثراً بعد عين، يؤكد أن عملية إعادة استصلاحها صعبة خاصة بعد قطع أشجار الحمضيات والزيتون فيها ودفن محصولها في باطنها.
ولا يختلف حال "عدنان الآغا" عن سابقه، هذا الرجل الخمسيني يتألم على ما حل بأرضه الزراعية الواقعة بالقرب من مستشفى غزة الأوروبي بخان يونس جنوب القطاع، فهي لم تعد صالحة للزراعة وكمية سموم الصواريخ التي أُلقيت فيها ستفقدها قدرتها على الإنتاج، ناهيك عن تدمير البيوت البلاستيكية فيها وردم بئر المياه، يقول: "بالأمس تفقدت الأرض ومزروعاتها كانت جلها جافة وتساقطت بعض ثمارها".
صيادون بانتظار عودة الهدوء لمياه البحر
على شاطئ البحر بالقرب من الميناء المدمرة والمحترقة بنيران القصف الإسرائيلي ينتظر 5000 صياد في قطاع غزة العودة إلى مهنتهم رغم تدمير جل قواربهم ومعدات صيدهم، فيما البعض الآخر يُكلله التشاؤم والضجر.
الصياد أمجد الشرافي كا ينتظر بفارغ الصبر اتفاق يسمح له ولآلاف الصياديين من الإبحار لـ10 أميال، ما يُمكنهم من جلب رزق أوفر وتحقيق ربح أعلى يُنسيهم حالة الشح والفقر التي عانوها خلال سنوات الحصار الثمانية، لكن أمله وصل لـ6 أميال فقط.
يقول الشرافي: "أوضاعنا كصيادين جداً سيئة، وتقريباً لا نعمل بفعل ممارسات الاحتلال في البحر من جهة ومطاردته لقواربنا، ومن جهة أخرى ارتفاع ثمن السولار المشغل للقوارب وعدم قدرتنا على توفيره للإبحار يومياً"، وتابع: "كنا نأمل أن تتحسن أوضاعنا بعد تحقيق اتفاق وقف إطلاق نار دائم، ولكن لم يحدث ذلك".
وعلى العكس كان "وائل أبو ريالة" الذي تعرض مركبه لنيران الاحتلال الإسرائيلي خلال العدوان، لا يملك بصيص أمل لأن يعود الصيد مجدداً، ويعزو تشاؤمه إلى تعرض مركبه وشركاه للقصف وعدم قدرتها على الإبحار، في ظل عدم وجود إمكانية مادية لصيانتها أو حتى شراء غيرها.
يؤكد أنه فقد وشركاه من أبناء عمومته المركب التي كانوا يجلبون عبرها رزق أطفالهم، يقول: "كنا في انتظار موسم الصيد لكن الزوارق الحربية الإسرائيلية أتت على أحلامنا به وبتنا معطلين إجباراً عن العمل لا نملك الإتيان بقوت أسرنا".