خيراً فعل الرئيس حين التزم الصمت ولم ينبس ببنت شفة لفترة طويلة تجاه الأحداث التي اجتاحت الأرض الفلسطينية.
حسناً فعلت الأجهزة الأمنية الفلسطينية حين راقبت بصمت ما يفعله فتيان فلسطينيون دون تدخل في مجريات الأحداث، لا منعاً ولا تشجيعاً حتى أيام قليلة خلت.
نِعم ما فعلت الأحزاب السياسية الفلسطينية حين اقتصر دورها على المشاركة في تقديم واجب العزاء لأسر الشهداء، ودعوات بلا جمهور لمواجهات ساخنة على حدود المدن.
المؤسسات الحقوقية صمتت في الأحداث الاخيرة، وما زلنا ننتظر تقاريرها في تقصي الحقائق حول أحداث القتل خارج القانون الميدانية مكتفية بجولات تفقدية لمواقع الأحداث كما تفعل البعثات الرسولية التي تأتي البلاد في زيارات حج.
كيف كان لكل هؤلاء أن يفعلوا غير ما فعلوا وقد فاجأتهم الأحداث كما فاجأتنا جميعاً؟.
من منا كان يعلم ما سيفعله هؤلاء الفتية؟.
لرئيس وعد أن لا تكون انتفاضة مسلحة في عهده، لذا كنست الأجهزه الامنية كل قطعة سلاح خلال السنوات العشر الماضية كان من الممكن أن تستخدم في انتفاضة مسلحة على غرار ما آلت إليه الأمور في انتفاضة 2000، ولم يخطر ببالها للحظة واحدة أن الانتفاضة الجديدة سيكون سلاحها سكاكين المطابخ وعجلات السيارات.
كيف كان لصانع القرار الأول في هذه البلاد أن يعلم بذلك، ولم ترده يوماً ما قصاصة ورق واحدة من كل أجهزة الدولة تفيده كيف يفكر فتية ما بعد أوسلوا؟.
من أين يمكنه أصلاً أن يعرف والأجهزة الأمنية ذراعه الفاعل لا يعرفون بذلك؟.
كيف يمكنها أن تعرف ومفهوم الإنسان في العصر الأمني الحديث رقم من تسع خانات، وصورة، وبصمة يد، وبصمة عين وتقارير أمنية تسكن في ملفات الكترونية مفتاحها الوحيد الأرقام؟. وهؤلاء الفتية، لا أرقام ولا بصمات ولا ملفات لهم .
انهم ليسوا أشخاصاً بالمفهوم الأمني المعاصر للأشخاص، فهم لا يحملون بطاقات هوية ولا بطاقات ممغنطة ولا بصمات لهم، وكل ما لهم في الدولة شهادات في سجل النفوس.
هل تستطيع شهادة سجل نفوس أن تعلمنا بماذا يفكر هؤلاء الفتية؟.
هل رصدنا سلوكهم، ومعاناتهم، واتجاهات تفكيرهم لنعلم بأن هؤلاء الفتية قنابل موقوتة قابلة للانفجار قبل أوانها؟.
من أين لنا أن نعلم وكل الوثائق والتقارير التي تبنى عليها سياسات البلد مبنية على فكرة الحقد الشخصي وتصفية الحساب؟.
كيف يمكننا أن نفهم ما يفكر به هؤلاء الأحداث، وكل التقارير التي ترفعها أجهزة الدولة الى صانع القرار كيدية ومبنية على الحقد الشخصي وليس لديها هدف سوى تحويل الخلافات مع الخصوم السياسيين إلى خصومات، وتحويل الخصومات الى أحقاد شخصية؟.
كيف لنا أن نعرف وامكانيات وأدوات الخصوم السياسيين انتشرت في بقاع الارض لتلتقط صورة لمسؤول رقص هنا أو يحمل بيده كأس بيرة هناك، لتنشر صورته على صفحات الفيسبوك متجاهلين معاناة جيل بأسره، وساروا هم أيضاً بدائرة الخصومة والمعاداة على أساس فكرة الحقد الشخصي.
كيف لنا أن نعرف وهذه الثقافة انتقلت من الصف الأعلى إلى الصف الأدنى لتصبح ثقافة سائدة في الوطن.
هل انتبه أحد منا منذ بدأ الانقسام ولغاية الآن بماذا يفكر جيل ما بعد أوسلو ؟.
كيف يمكن لقيادة متوسط أعمارها 65 عاماً أن تعلم بماذا يفكر جيل متوسط أعماره 14 سنة؟.
كيف يمكننا ان نفهمكم ومنافع الانقسام تغرقنا؟ الا تعذورنا يا فتيتنا إن غفلنا عنكم؟. لقد استهلكنا الوقت ونحن نلعن الانقسام في النهار وننهمر عليه في الليل، كما ينهمر قط جائع على صوص سحله من قن دجاج؟.
هذا الجيل لم يعرف في حياته من السرية أو الخصوصية شيئاً، ودونوا كل ما يفكرون به على صفحات الفيسبوك، لكننا لم نكلف أنفسنا لنقرأ جملة واحدة مما كتبوا لنفهم بماذا يفكرون، واكتفينا بقراءة وتحليل مئات الآلاف من صفحات تقارير الحقد الشخصي، حصيلة عقد من الزمان.
ليس امامنا أيها الجيل الصاعد إلا ان نكرر ما قاله الرئيس المخلوع زين العابدين متأخراً لشعبه فهمناكم فهمناكم. وأن نضيف لهم " عفواً ... كنتم تعيشون خارج التغطية، لم تصلكم اشارات بثنا، ولم تصلنا اشارات بثكم، نحن نعيش في عصرين مختلفين، عصر الانترنت والعصر الحجري.
نحن أمام جيل انفجر في لحظة واحدة، انفجر في لحظة مجنونة، وكأنه ينتقم من كل سنوات التغييب والتهميش التي عاشها في ظل حقد احتلال لم يرى في شبابه بشراً من قبل، وفي ظل انقسام كافر سرق كل أحلامهم كما سرق لقمة عيشهم، ولم ينظر إليهم أحد كبشر لهم احتياجات وانفعالات، فهم لا يحملون بطاقات، ولم توثق لهم بعد بصمات، فهم غير موجودين في منهجية تفكير الدولة الحديثة.
هل يمكنكم أن تعذرونا أحبتنا فلا بد أن نتذكركم في لحظة قطف الثمار، كي نجردكم من كل ما فعلتم؟. فلكم السيف ولنا الدم.