ليس هناك من شيء مطروح من قبل حكام اسرائيل، يستجيب للمطالب الفلسطينية العادلة.. فالمطروح من الناحية الفعلية إسرائيليا هو العمل على طرد الشعب الفلسطيني من الضفة الغربية أي سياسة الترانسفير وإقامة الدولة اليهودية الخالصة، وهذا الأمر أصبح غير قابل للتنفيذ بسبب معطيات فلسطينية وإقليمية ودولية حتى الآن. ومع ذلك فإنه يتوجب الحذر من ظهور ظروف إقليمية مؤاتية لإسرائيل في حال تصعيد الممارسات الداعشية وما شابهها في الإقليم.
أما الحلول المطروحة إسرائيليا ودوليا وعربيا فهي :
1. ضم الفلسطينيين إلى إسرائيل وإعطاؤهم حقوقاً متساوية مع الإسرائيليين وهو ما يعارضه معظم الإسرائيليين بسبب الديموغرافيا.
2. الإبقاء على الاحتلال قائما وترتيب الوضع بحيث يعيش الفلسطينيون في معازل - النموذج الجنوب إفريقي- وسيؤدي هذا لأن تصبح عنصرية وفاشية إسرائيل مرفوضة من قبل شعوب العالم مما سيجعل مصير إسرائيل لا يختلف عن مصير نظام جنوب إفريقيا العنصري، ذلك المسار الحتمي لتطور الاستيطان والممارسات الفاشية العنصرية ضد الشعب الفلسطيني.
3. الانصياع للإرادة الدولية بالاعتراف بدولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود 1967 وهو الأمر الذي لا تتوافر له إمكانية التحقيق ضمن الواقع الإسرائيلي الحالي.
بمراجعة سريعة لأداء حركة فتح في العقد الماضي فإنه يمكن تلخيص إخفاقات الحركة بالتالي:
1. في ظل الانغلاق السياسي يتوجب على قيادة الحركة العمل على الجبهة الداخلية واستغلال الوضع لتقوية الذات.
2. عجز الحركة عن طرح استراتيجية مقنعة للشعب في الخلاص من الاحتلال مما أدى إلى ضعف قوتها وتأثيرها جماهيريا.
3. المعالجة الخاطئة للتناقضات في صفوف الشعب، والتي أدت إلى الشلل في مواجهة نجاح حركة حماس في الانتخابات التشريعية، وعدم قدرة الحركة على إيجاد الوسائل الخلّاقة للاعتماد على الجماهير في قطاع غزة لإعادتها ضمن الحركة الوطنية الموحدة.
4. ضعف اللجنة المركزية التي أُفرزت عن المؤتمر السادس للحركة وعدم قدرتها على تسلم زمام قيادة الحركة ومنظمة التحرير الفلسطينية، وعدم القدرة على العمل الجماعي كقيادة موحدة ذات رؤيا سياسية واحدة قادرة على القيام بمتطلبات حركة التحرر الوطني الفلسطينية.
5. العمل على تهيئة الظروف الداخلية لإجراء انتخابات لتجديد الشرعيات الحركية والتشريعية وهيئات منظمة التحرير الفلسطينية.
هذا الوضع يتطلب منا اخذ زمام المبادرة والبحث عن طريق الخلاص والاستفادة من تجربة الحركة والبحث عن نقاط القوة فيها والتي اوصلت الحركة الى قيادة حركة التحرر الوطني الفلسطينية.
تحدث الجميع عن ضرورة تقوية حركة فتح، ولا يختلف احد منا على ضرورة ذلك. وعليه يجب أن تكون الاستراتيجية قادرة على الاجابة على جميع اسباب الضعف سواءً تجاه الاحتلال او تجاه التناقض مع حركة حماس وخطها الذي يعتمد على الحل الديني والذي يعمل استراتيجيا على اقامة الخلافة الاسلامية مما يعطي التبرير والمشروعية لاسرائيل في إقامة الدولة اليهودية والذي بدأت بعض دول العالم تدعمه.
اما ما يجب علينا الحفاظ عليه فهو المكتسبات التي حققناها سواء على صعيد بناء مؤسسات الدولة او ما تحقق على الصعيد الدولي على طريق الاعتراف الفعلي بدولتنا على حدود عام 1967.
وحيث انه لم يتم حتى الان التقييم العلمي لشعار المقاومة الشعبية بعد اعتماده منذ ست سنوات، فاننا جميعا متفقون على ان ما تم من فعاليات محدودة في مناطق محدودة واوقات محددة يبين اننا لم نكن جادين في طرح هذا الشعار، أو أن استراتيجية المقاومة الشعبية لم تكن واضحة للحركة، وإننا لم نستطع اقناع جماهير شعبنا بجديتنا؛ بل أصبحنا بما نقوم به اقرب الى حركة محافظة همها الاساسي الحفاظ على المكتسبات التي حققناها، سواء على مستوى الحركة او على مستوى القيادة الكادر، وهو ما جعل وضعنا ضعيفا امام شعبنا الذي يعاني من الاحتلال وحالة اليأس والقنوط الذي وصل اليه والانسداد السياسي بفشل المفاوضات والذي عبر عنه الرئيس ابو مازن امام الامم المتحدة، أضف الى ذلك العربدة المسعورة للإرهاب الصهيوني والذي تمثل بحرق الشهيد محمد أبو خضير وشهداء عائلة الدوابشة أحياء وغيرها من جرائم الاحتلال وسياسة الفصل العنصري وهدم البيوت واقتلاع الاشجار ومصادرة الاراضي والاستيطان المتغول والاعتقالات. كل هذه التداعيات أدت بالعديد من أبنائنا لمقاومة الاحتلال بما يملكونه من جرأة واستعداد للتضحية وبالوسائل المتاحة والتي شكلت فعلاً مقاوماً من طراز جديد اعتمد المبادرة الفردية لأبنائنا وبناتنا دون وجود قيادة وتنظيم، ليشكلوا حالة من المواجهة الفريدة مع قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين بدأت في القدس ومن ثم امتدت لتشمل باقي مدن ومخيمات وقرى فلسطين.
ولتستطيع الحركة ضبط ايقاع حركة المقاومة وضمان استمراريتها فإن القيادة بحاجة إلى فعل ابداعي يعيد ثقة الجماهير بها. وحسب تقديري فإن على الكوادر القادرة على التخطيط لذلك تجاوز الشلل الفكري للقيادة وطرح وممارسة استراتيجية المقاومة الوطنية الشاملة بعيدة المدى ووضع التكتيكات والاليات اللازمة لتحقيقها والتي هي بحاجة إلى دراسة معمقة لآليات التحرك اللازمة في مجالات المواجهة الأمنية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والصحية والتخطيط العمراني وغيرها، وهذا يتطلب تفعيل وإعادة هيكلة تنظيم حركة فتح وباقي التنظيمات الوطنية الفلسطينية لتكون قادرة على تنفيذ هذه الاستراتيجية بما يكفل استمرارية المقاومة الوطنية الشاملة وضبط ايقاعها.
انطلاقا مما تقدم وبعد تقييم الفترة ما بين المؤتمر السادس للحركة وحتى الآن فإنه يتوجب علينا تحديد الممارسات الوطنية المطلوبة من حركتنا وجماهير شعبنا ضمن رؤيتنا للمقاومة الوطنية السلمية الشاملة سالفة الذكر والتي يجب أن يكون مؤداها ممارسة كل أشكال التحركات الجماهيرية غير العنيفة للحفاظ على طابعها السلمي الذي لا يتيح لقوات الاحتلال استخدام آلته العسكرية الفتاكة ضد جماهير شعبنا الاعزل، والاسترشاد بالتجربة الجنوب افريقية والهندية في مقاومة الاحتلال البريطاني نتيجة الاختلال الهائل في ميزان القوى بين الشعب الاعزل والآلة العسكرية الاسرائيلية المدججة بجميع انواع الاسلحة الفتاكة والتعبئة الفاشية العنصرية للتجمع الاسرائيلي بما فيه معظم احزابه وعصابات المستوطنين في مستوطنات القدس والضفة.
من هنا يكون لزاماً علينا معرفة ما هو ممكن القيام به نضاليا للحؤول دون أعطاء القوات الصهيونية الفاشية العنصرية المبرر في التمادي للقيام بإجراءات إجرامية ضد أبناء شعبنا، وإبراز الوجه الحقيقي للإحتلال، والصورة الحقيقية لكوننا الضحية أمام العالم. حيث أن الآلة الإعلامية في الغرب قادرة على تصوير أي عمل عنيف من قبلنا على أن الصهاينة هم الضحية إذ يستحضرون في خطابهم الاعلامي الصورة النمطية لليهودي المضطهد والتذكير بعمليات الإبادة (الهولوكوست).
لقد حقق عدم استخدامنا للعنف خلال السنوات الماضية تغييرصورتنا في نظر شعوب العالم وأظهر حقيقة إسرائيل كقوة عسكرية معتدية ومحتلة وتقترف كافة أشكال القمع والقتل وبما يصنف جرائم حرب في القانون الدولي الانساني، وكانت الحرب التدميرية على قطاع غزة أحد المعالم المهمة في هذا الجانب.
مما سبق فإن المقاومة الوطنية السلمية الشاملة بعيدة المدى هي التي تحقق اهدافنا، وهذه تعتمد على الاستراتيجيات التالية:
1. استراتيجية المواجهة مع الاحتلال على جميع الصعد منها:
أ. المقاومة السلمية غير العنيفة ومنها المظاهرات والاضرابات والعصيان المدني واستعادة الروح الهجومية للحركة من خلال تعبئة جماهير شعبنا بجدوى المقاومة السلمية لتصبح الثقافة السائدة في أوساط الجماهير. وتشكل لجان المقاومة الوطنية لصد هجوم قطعان المستوطنين في القرى والأحياء والمخيمات، خطوة مهمة في هذا الاتجاه والتي يجب تعميمها في كافة احياء المدن والمخيمات والقرى.
ب. إيجاد الوسائل الإعلامية اللازمة لمواجهة الصهيونية السياسية وتوضيح مشروعية النضال الفلسطيني ولاإنسانية الاحتلال ضمن خطاب مدروس موجه للاسرائيليين باللغة العبرية.
ج. تطوير وتحديث الاعلام الفلسطيني الموجه للعالم، وخصوصا في اوروبا وامريكا، ووضع استراتيجية تتناسب مع احتياجات القضية الفلسطينية في العالم والاستفادة من الكفاءات المتميزة الفلسطينية والعربية في مواجهة التحديات والخطاب الاعلامي الصهيوني. وكذلك الاستفادة القصوى من وسائل الاتصالات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي.
2. إعادة النظر في كل الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة مع اسرائيل وما نتج عنها، ومقاطعة المنتجات الاسرائيلية والتي يوجد لها بدائل فلسطينية او غيرها، ومقاطعة منتجات المستوطنات نهائيا واعتماد أليات مراقبة فعّالة لتحقيق ذلك.
3. بالاضافة الى ذلك عمل الخطط اللازمة للمواجهة الثقافية والتي تتضمن التاريخ والايديولوجيا والادب والفنون المختلفة وجامعات العالم .
4. استراتيجية العمل الجماهيري والاهتمام بقضايا الشعب .
5. استراتيجية العمل الوحدوي والانطلاق دائما من توحيد صفوف كل القوى في الحركة الوطنية الفلسطينية للخلاص من الاحتلال/ العدو المشترك.
6. انطلاقاً من الاستفتاء الشعبي الذي حدث أكثر من مرة في قطاع غزة عبر احتفالية المليونية بالشهيد أبو عمار وانطلاقة حركة فتح في الأعوام الماضية، فإنه بالإمكان تغيير الوضع القائم في غزة عبر النضالات الجماهيرية السلمية والتي يجب أن تبدأ بالنضال من أجل تلبية احتياجات جماهير شعبنا في غزة وبخاصة العمل ضد الحصار المفروض على قطاع غزة وحل أزمات المياه والكهرباء وفتح المعابر واعادة الإعمار، بحيث يشمل قطاعات واسعة من الجماهير تصل إلى حد القدرة على إعلان الإضرابات والعصيان المدني في النهاية، ويتطلب ذلك العمل مع القوى الوطنية المختلفة بما فيها الوطنيين من حركة الجهاد الإسلامي وغيرهم.
7. تجديد الشرعيات على مستوى الحركة ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية والاهتمام ببناء مؤسسات لجميع هذه الأطر تكون قادرة على الاستجابة لاحتياجات شعبنا ونضاله.
8. العمل لتحقيق الإعتراف الدولي الكامل لدولة فلسطين في الأمم المتحدة والمتابعة الجادة للقضايا التي ترفع ضد حكومة الاحتلال أمام محكمة الجنايات الدولية وغيرها.
9. المراجعة الجادة للمسلكية الثورية وتقييم العلاقات داخل تنظيم الحركة ومؤسساتها وتكريس مبدأ المحاسبة الجادة للوصول الى منهج يعيد للحركة دورها في تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الذاتية.
10. تشكيل لجنة وطنية من الاستشاريين لاختيار المرشحين للمناصب العليا في دولة فلسطين.
وهذا جميعه يتطلب استيعاب كافة كوادر الحركة المستعدين للعطاء والتضحية لأخذ الدور في انجاز هذه المهمات.
مما تقدم يتوجب علينا انتخاب القيادة القادمة للحركة والتي تمتلك الإرادة السياسية من المؤهلين نضاليا وسياسيا والملتزمين بهذه الاستراتيجية الشاملة وتقييم القيادات المرشحة للمؤتمر السابع لحركة فتح وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية بناءً على قدراتها واستعدادها للتضحية لاستعادة الحركة ومنظمة التحرير لدورها التاريخي في قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية لتحقيق اهدافنا الوطنية.