ونحن نستعد بعد أيام قليلة لاستقبال عام 2016، والاحتفال بالذكرى 51 لانطلاقة حركة "فتح"، وانطلاقة الثورة الفلسطينية، نكون قد أنهينا أكثر من نصف قرن من العمل "الوطني" والنضالي في سبيل نيل حقوقنا المسلوبة المشروعة. ومع العام الجديد، كنت لأتمنى على القديس "نويل" أن يحمل لنا هدية من نوع مختلف، من قبيل أن يكون هناك شيء من الجرأة السياسية، للإعلان عن إجراء مراجعة تقيمية نقدية للأداء النضالي الفلسطيني طوال العقود الماضية، أو في أقل تقدير خلال السنوات العشر الأخيرة، أو في أضعف الإيمان خلال العام الذي سيمضي، وحده، دوننا، كعادته، كل عام.
إن العقلية السياساتية الفلسطينية غير بعيدة عن العقلية العربية، التي تعودت، على العمل السري، لتُطيح بالاستعمار الغربي تارة، أو تطيح عبر الانقلاب على رؤساء الدول التي أنشئت بعد الاستقلال تارة ثانية، أو تعمل على شكل فصيل سياسي معارض من تحت الأرض تارةً ثالثة، لتبتعد بالمحصلة عن بناء الدولة الحديثة بشفافية ونزاهة أو تؤسس لحكم القانون.
وإن كانت تلك هي الأجواء، التي عملت فيها منظمة التحرير الفلسطينية طوال السنوات التي سبقت الإعلان عن مفاوضات أوسلو، والتي كانت نتيجتها، عودة قيادات المنظمة إلى الضفة وغزة، فإن إحدى أهم نتائجها كان استمرارية نهج العمل السري لكن مع اختلاف أنه خرج من تحت الأرض ليستمر فوقها.
فلا يكون مفاجئاً أن يتناهى إلى مسامعنا فجأة أن هنالك طلبا فلسطينيا لإجراء مفاوضات فلسطينية- إسرائيلية سرية، أو أن توزع التركة الوزارية بطريقة غير مفهومة، أو أن تفشل المصالحة دون مكاشفة أو مصارحة، أو أن تقل أو تزيد المديونية في موازنة السلطة "التقشفية" التي يطال تقشفها الأسرى والقدس.
في هذا السياق، وقع تحت يدي ما كتبه رشيد الخالدي في كتاب: "القفص الحديدي: قصة الصراع الفلسطيني لإقامة دولة"، يقول فيه لم يكن مفاجئاً أن يؤول الحال إلى ما آل عليه: فمعظم قادة منظمة التحرير الفلسطينية، من عرفات نزولاً إلى القادة الآخرين، قضوا معظم حياتهم في أجواء العمل السري، وحركات التحرير الوطني تحت الأرض، وأثبتوا أنهم غير مناسبين لمهمة بناء دولة، أو الحكم بشفافية، أو لبنية راسخة تعتمد حكم القانون."
وإن كان العام الحالي يطوي صفحاته دون تحرر، ودون دولة، يبقى الأمل معقودا أنه: في عامٍ ما سوف تكون لنا دولة.