في حال اتفاقنا أن المكان وبيئته يشكلا عنصراً حيوياً من عناصر الإنتاج، سواء تعلق الأمر بالثقافة أو الاقتصاد أو السياسية، فحتماً سنتفق أن ما يدور من اشتباك في الساحة الثقافية، إنما هو نتاج طبيعي لما يشهده الوطن بكل دوائره الفاعلة والنائمة والمزاودة.
هنا أعتقد أنه من الأهمية بمكان، أن نفكك بعض الالتباسات، لا أن نتركها أو نفلسفها بما لا يُفهم كما يفعل البعض بشكل متعمد لركوب الموجة الرابحة على قاعدة "إذا الريح مالت، مال حيث تميل". والتفكيك في اللحظة الراهنة، يبدأ من لحظة انتشار خبر إقالة مجلس إمناء "مؤسسة محمود درويش" المكون من خمسة وعشرين عضواً يترأسهم السيد ياسر عبد ربه الذي كان إلى وقت قريب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
والسيد ياسر عبد ربه، الذي عملت في ظل مسؤوليته عن الإعلام الرسمي الفلسطيني، لم تربطني به أية علاقة تذكر، بل وأختلف مع سياساته ورؤياه اختلافاً جذرياً لا علاقة له بالانتماء الحزبي، وإنما بالفكر السياسي، ولكنّ هذا الاختلاف لا يعني أبداً أن يوافق مثقف أو مدع للثقافة على الشكل والأسلوب الذي صدر فيه مرسوم بإقالة مجلس أمناء مؤسسة محمود درويش، وهو من تشغل السواد الأعظم من مقاعده شريحة محترمة من مثقفي هذه البلاد على امتداد جغرافيتها.
نعم التغيير سنة مؤكدة من سنن الحياة، ونعم أخرى بأن من قبل التعيين بمرسوم، عليه ألا يعترض على إقالته بمرسوم آخر، ولكن الإشكال هنا، يكمن في كون المرسوم لا علاقة له بالحالة الثقافية الفلسطينية وشكلها الحالي، وإنما يكمن في اختلاف سياسي أخذ يتمدد ليطال العديد من مناحي الحياة ذات العلاقة مع المختلف معهم. فضلاً عن كون المثقف عادة ما يطلق العنان لصراخه رفضاً لكل أشكال الإقصاء سواء تعلق الأمر بالمتفق معهم أو المختلف عليهم. فكيف يستقيم أن نرفض شكلاً ونوافق على آخر، خاصة والحالة هنا لا علاقة لها بالمشهد الثقافي ومؤسساته.
شخصياً ومع إدراكي المسبق لشكل الشللية التي تدار بها الأمور في كافة وجوه حياتنا الاقتصادية منها والثقافية كما السياسية، انحاز إلى ضخ دماء جديدة في شرايين الفعل الثقافي في كافة مؤسساته، تماماً كما هو الحال في تكليف وزير جديد لم يتخطى سن الأربعين من العمر، بصرف النظر عما يملك من مقومات هي ما ستحكم أولاً وأخيراً على سياساته المطبقة على أرض الواقع.
أن يصل الأمر أن يعاتبك صديق على موقف من هذا المشهد والحال هكذا، يعني أن هناك حالة انفصام حاد في مفهوم واستيعاب فكرة الحريات بحد ذاتها، وليس مع الشخوص وأساليبهم السياسية، خاصة وأن الكل مختلف مع الكل، ولا يدعي أحد أنه مالك حصري للحق والحقيقة، تحديداً ونحن إذ اختلفنا ما أسهل أن نخون المختلف معه ونصفه بما تيسر من صفات، ومنها التطبيع على سبيل المثال لا الحصر، والسؤال هنا: إن كانت استضافة عديد الأسماء الثقافية العربية يعد شكلاً من أشكال التطبيع، فكيف نقيم استضافة آخرين بعناوين مختلفة؟ ما الفارق بين هذا وذاك وكلاهما يدخل البلاد بتصريح من ذات المحتل؟ سؤال برسم كل فاعل في هذا المشهد.
أخيراً، وإن كنت أسجل هنا اختلافي الواضح والصريح والمعلن مع سياسات ورؤى السيد ياسر عبد ربه، فأنا هنا أيضاً أعلن أني مع المؤسسة وبقية أعضاء مجلس أمنائها الذين هم نواة فاعلة في المشهد الثقافي، وعليه أنصح الأصدقاء، لنختلف كما نريد وليدلِ كل بدلوه كما يشاء، على ألا نصل إلى حالة أقل ما يمكن أن يصفنا بها آخر، "لتكون مثقفاً كن وقحاً".