الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

اللغة العربية... مرآة لمجتمع حي أم مفردات جامدة؟/ بقلم: نور عودة

2015-12-29 03:34:10 PM
اللغة العربية... مرآة لمجتمع حي أم مفردات جامدة؟/ بقلم: نور عودة
نور عودة

احتفل العالم بيوم اللغة العربية قبل أيام وأنتجت المنظمة الأممية التي تعنى بشؤون الثقافة والتعليم (اليونسكو) ملصقاً يحوي مفردات كلمة الحب باللغة العربية على شكل قلب. الملصق جميل والاحتفاء مهم بهذه اللغة الغنية والجميلة لكن ما كان ملفتاً للانتباه هو التغني بتعقيد اللغة وبمئات المفردات التي لا تستخدم وبحقيقة أن الانتاج الثقافي العربي لم يستخدم سوى جزء ضئيل من مخزون اللغة العربية. ومثير أيضا أن هناك من تغنى بكلمات ومصطلحات تحتاج للترجمة والتبسيط باعتبارها مثالاً لجمال وعراقة اللغة وكثيرون أيضا أبدوا اعجاباً كبيراً أن اللغة العربية تحتوي على أكثر من ١٣ مليون مفرد وكلمة بينما اللغة الانجليزية وغيرها لا تصل كلماتها إلى الربع مليون في بعض الحالات مثل اللغة الروسية بحسب الرسم البياني الملون الذي أٌعد لإبراز هذه الأرقام المثيرة.

صحيح أن اللغة هي مرآة ثقافة شعوبها وانعكاس لإنجازاته وتطوره وحضارته. لكن هل تقاس هذه المعايير بعدد الكلمات في المعاجم وعدد الكلمات المعقدة التي تشبه الرموز للقارئ اليوم؟ وهل لحقيقة أن هناك المئات من المفردات في اللغة العربية لكلمة الأسد أي أثر أو ثقل حضاري غير أننا مولعون بهذا الحيوان الذي انقرض من منطقتنا؟ وهل احتفالنا بلغتنا باعتبارها ثرية بالمفردات هو المطلوب أم أن المجتمعات تحتفل باللغة لأنها حيَة وتتطور، فتتخلى عن مفردات وتصلح أخريات وتضيف الجديد؟ وأخيراً، ألا يشكل الاحتفال هذا نفاقاً أو على أقل تقدير إنكاراً للواقع إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن معدل القراءة بين الشعوب العربية هو ربع صفحة سنويا مقارنة بأحد عشر كتاباً يقرأها الفرد في الغرب سنوياً وأن المنطقة بأكملها تنتج سنوياً، وبحسب احصائيات اليونسكو، كتابين مقابل كل 100 كتاب يصدر في أوروبا الغربية. 

نظرة على كتب أبنائنا الدراسية ومقارنتها بالكتب المدرسية في بلدان أخرى يفسر حالة العزوف عن اللغة التي يعاني منها أبناؤنا بسبب انطباعهم أن اللغة شيء معقد وممل وقديم وكيف أن الأطفال في مجتمعات أخرى يبنون علاقة صداقة مع لغتهم لأن كتبهم الدراسية كتبت بطريقة ملائمة لأعمارهم ولأن هناك من الإنتاج الفكري والثقافي والتربوي والعلمي ما يكفي لشد انتباه الأطفال وإقناعهم أن اللغة حية وطيعة وأنها مرآة أفكارهم ومشاعرهم وأن النص الأدبي أو حتى الدرس الأكاديمي ليس قالباً جامداً عليهم أن يحفظوه ويرددوه دون فهمه أو التفاعل معه. منهاجنا الدراسي جامد وممل، كتبه الكبار وكأنهم يحاكون أنفسهم ولا يأبهون بما يفكر به الأطفال. النتيجة واضحة: أجيال لا تعرف لغتها وليس لديها أي اهتمام في معرفتها ومتصالحة تماماً مع أخطاء إملائية ونحوية ومعرفية باعتبارها غير ذات قيمة أو دلالة. 

هذه الأجيال منخرطة في كل المجالات العملية والمهنية وهذا يفسر الاعتداءات المتكررة على قواعد النحو والصرف وتشويه المفردات الذي نطالعه كل يوم في وسائل الإعلام والنشرات المهنية وغيرها من المواد المكتوبة في كل المجالات. وعلى سبيل المثال لا الحصر، من المعتاد أن نقرأ خبراً يتحدث عن "النائبة" في إشارة إلى سيدة عضو في البرلمان أو المجلس التشريعي رغم أن النائبة هي المصيبة في اللغة العربية وأن المصطلح الصحيح هو النائب! ومع أن هذا الخطأ المفزع شائع جداً، لا نسمع مثلاً عن حملة لتحديث المصطلح بحيث لا يستخدم في معناه الأصلي وانما في مكانه المستحدث وذلك تماشياً مع تطور الحياة والمجتمع. في ذات السياق، لا نسمع أن هناك مساعٍ لاستحداث مفردات جديدة تؤنث المناصب بشكل عام فتبقى القاعدة أن المدير والرئيس والنائب والسفير وغيرها من الألقاب كلها مذكر لأنه وبكل بساطة، لم تواكب لغتنا تطور المجتمع وانخراط المرأة في كل المجالات العلمية والعملية.

اللغة ليست كلمات ومفردات باردة لأنها انعكاس لشعب، يفترض أنه يؤثر ويتأثر بما حوله ويتطور لمواكبة العصر. المجتمعات تتطور عندما تنتج ومجتمعاتنا للأسف مكبلة بأنظمة لا تسمح بالإنجاز إلا إذا كان متصلاً بإنجازاتها الوهمية وانتصاراتها الورقية. ونشكر الأقدار أننا فلسطينيون وأننا تظللنا بعظماء أمثال محمود درويش الذي نحت واقعاً لغوياً وثقافياً عصرياً ومنتفضاً على الجمود والتكلس فأهدانا نصوصاً أدبية وسياسية ووطنية أبدية هي في واقع الحال أيقونات لغوية وحضارية. هذه الحالة التي جسدها محمود درويش وغيره من العظماء لم تنعكس وللأسف الشديد على مناهجنا التعليمية وحياتنا اليومية وبشكل عام، لم تشكل بصمة هؤلاء وغيرهم من الأدباء العرب حالة قوية بما يكفي لنقل اللغة من الجمود إلى الحياة. واقعنا اللغوي الرديء في المنطقة متصل بواقعنا الثقافي والسياسي وإن كنا نريد أن نحتفل بلغتنا الجميلة فحريَ بنا أن نرتقي بتعليمنا وعلمنا وأن نسعى لتكون لغتنا حية وألا تتعامل معها الأجيال باعتبارها أيقونة تاريخية مثيرة للاهتمام. احتفالنا يجب أن يكون لواقع يستحق الاحتفاء به لا لتمنيات نريدها ولا نعمل لتحقيقها.