سنة قادمة من الفراغ السياسي على صعيد الجهود الأمريكية والدولية لإيجاد حل للقضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. هذا ما أعلن عنه السيد جون كيري أثناء جولته الأخيرة التي زار خلالها إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
الجولة التي لم تتطرق أصلا للبحث في حل للصراع أو تحريك للمفاوضات المجمدة منذ أن أعلن كيري فشل الإدارة الأمريكية في تقريب وجهات النظر بين الفلسطينيين والاسرائيليين وحمل جزءا مهما من فشل الجهود الأمريكية إلى مواقف الحكومة الإسرائيلية وبخاصة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وما سبق ذلك وأعقبه من شتم وتبادل للاتهامات بين البيت الأبيض وحكومة نتنياهو.
وليس بجديد على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أن يوضع سياسيا ودبلوماسيا في الثلاجة لأعوام وعقود، وإلا لوجدت القضية الفلسطينية حلا لها قبل اكثر من سبعين عاما. أي قبل أن تقوم دولة إسرائيل على أرض الشعب الفلسطيني التي اغتصبتها وطردت معظم أهلها من أراضيهم ومساكنهم وممتلكاتهم عام 1948 ثم أكملت احتلال ما تبقى من الأرض الفلسطينية في عدوان 1967.
ورغم التجاهل السياسي والظلم التاريخي الواقع على الشعب الفلسطيني وتقسيم أرضه وشعبه بين إسرائيل والدول العربية المجاورة، فقد أثبت الشعب الفلسطيني أنه قادر على الحفاظ على هويته وبلورتها في كيان وطني، وأن لديه الطاقة والتصميم على انتزاع حقوقه المشروعة وغير القابلة للتصرف من الاحتلال الإسرائيلي الذي بات يسوّق في هذا الزمن العربي والدولي الرديء لمقولاته المتهافتة حول أرض الميعاد وأرض الشعب اليهودي والارتباط التاريخي بين اليهود وهذه الأرض وعدم خضوع الأرض الفلسطينية لسيادة دولة قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ومنذ نشأة الكيان الإسرائيلي وتشريد الشعب الفلسطيني لم تشهد منطقة الشرق الأوسط استقرارا من أي نوع، وحكمت شعوب المنطقة بأسوأ أنواع الرجعيات القبلية والعسكرية التي عرفها التاريخ للحفاظ على أمن اسرائيل ورفاهيتها، يضاف إلى ذلك الاعتداءات الإسرائيلية واحتلال إسرائيل لمزيد من الأرض العربية، حتى صارت محاولات استعادتها موضوعا للمساومة على حقوق الشعب الفلسطيني الأساسية في الحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير.
ورغم كل ما نشاهده من تردٍ عربي وتفكك للدول العربية التي احتضنت إسرائيل، فإن جذوة النضال الفلسطيني لم تخبوا ولن تخبوا، فكما كانت الانتفاضة الأولى مفاجأة لإسرائيل وللعالم على قدرة الشعب الفلسطيني على استنباط أساليب مقاومة جديدة فإن انتفاضة أو هبة شباب ما بعد اوسلو خلقت حراكا من نوع جديد على صعيد مقاومة الاحتلال. فقطعان المستوطنين الذين انتشروا في عهد اوسلو على الطرقات وفي السهول والجبال الفلسطينية، يهاجمون القرى والتجمعات الفلسطينية ويحرقون المواطنين الآمنين في منازلهم ويحطمون ممتلكاتهم ومزروعاتهم انكفأوا على ذاتهم وباتوا يسيرون في طرقات الضفة الغربية والقدس المحتلة تحت حماية الجيش الاسرائيلي.
وطالما هناك ارادة فلسطينية واستعداد شعبي للتضحية بالنفس فليس امام حكومة نتنياهو أو أي حكومة اسرائيلية اخرى سوى البحث عن سبيل للوصول الى حل للصراع مع الفلسطينيين. وكفى اسرائيل تطرفا وارهابا ضد الشعب الفلسطيني والبحث عن حل.
ربما تكون هذه الدعوة مثالية في ظل ما تشهده اسرائيل من تطرف في عهد نتنياهو حتى بات رئيس الدولة الاسرائيلية ريفلين هدفا لتحريض نتنياهو فقط لأنه تحدث عن وقف التحريض الذي يمارس ضد عرب 1948 والبحث عن سبل لتهدئة الاوضاع.
وكما كان رئيس الوزراء الاسبق اسحق رابين هدفا لتحريض نتنياهو واليمين المتطرف حتى اغتيل على ايدي اليهودي ايغال عمير المتطرف الذي تزوج في السجن وربما أنجب أطفالا وتتعامل معه شريحة كبيرة من اليهود المتطرفين كبطل قومي، فإن ريفلين ربما يلقى نفس مصير رابين، فليس في اسرائيل اليوم مكان للعقل. وخطأ حين يعتقدون أن الوضع المزري والارهاب الذي يعم المنطقة يسير في صالح مشروع انكار حقوق الشعب الفلسطيني.