افتتاحية العدد
الحدث - عندما يتعطل عقل المجتمع فلا يرى في المرأة غير جسدها، كيفَ يُغطيه وكيفَ يُعرّيه، حينها لا يتحرك المجتمع إلا في عوالم الشهوات غير المضبوطة والمتطرفة، ولا يتحرك في عوالم العقلانيات أو الإبداع. عندما بدأ بيكاسو، برسم لوحته «جيرترود»، استدعى الكاتبة الأمريكية، التي حملت اللوحة اسمها، 87 مرة ليتمكن من رسمها، وفي كل مرة كان يغضب بيكاسو، لأنه لم يستطع أن يرى ما وراء وما أبعد من جسد جيرترود، وكان بيكاسو يسأل نفسه دائماً من أين أبدأ، أأبدأُ من كتف جيرترود أم من وجهها وهي المرأة المكتنزة ناهضة الصدر عريضة الكفل مستديرة الوجه، وعندما لا يجد جواباً كان يُنهي جلسة الرسم، ويلف وجه اللوحة نحو الحائط كي ينسى كل الخطوط التي رسمها. كان الإسباني العبقري يريد أن يجد الوجه المستحيل لامرأة تعلق بها وبجسدها وعندما أنهى بيكاسو رسم اللوحة لم تشبه الصورة المرسومة جيرترود، وعندما سُئل عن ذلك، قال ستُشبه جيرترود يوما ما هذه اللوحة. النقاد يعتبرون لوحة «جيرترود» من أهم اللوحات التي رسمها بيكاسو لأنها كانت تحمل بذرة نبوغه في عالم الفن، حيث بدأت التكعيبية ترفرف في روحه لتُخلد اسمه كمؤسس حركة الفن التكعيبي وليخلد اسم والدته أيضاً التي حمل كنيتها لأن اسم والده «خوسيه رويث» ووالدته «ماريا بيكاسو».
عندما يتحرك العقل ما وراء الحواس الجسدية إلى حواس روحية – عقلانية متكاملة مع بعضها البعض يتكامل المجتمع، فلا يكون كشجرة المغيلان التي لها جذعٌ وليس لها ظل. ولا تكون المرأة «حارسة نار» فقط بل مشاركة في إشعالها وفي حراستها.