الحدث: قبل أن يذهب الوفد الفلسطيني الموحد لخوض "معركة" جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة مع الإسرائيليين، بعد مرور شهر من وقف إطلاق النار، وقبل كل ذلك لا بد من وقفة تقييمية "سريعة" لبعض ما كان يتم تناوله من مواقف سياسية وإعلامية أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير.
لا بد من التذكير أن العمل العسكري في المحافظات الجنوبية، قد نقل الاشتباك من شكله الانتفاضي الجماهيري في الضفة الغربية ومدينة القدس ومناطق الكثافة العربية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وخاصة بعد عملية القمع الوحشية التي ارتكبتها حكومة الاحتلال بعد اختطاف المستوطنين الثلاثة في منطقة الخليل، إلى الشكل الوحيد للصراع، وهو العمل العسكري وتبادل إطلاق الصواريخ مع قاذفات F16 الإسرائيلية، وانتقل بعدها إلى الاشتباك البري، وتواصل في فترات أخرى وإلى أشكال أخرى. الإعلام والخلل السياسي المقصود لدى البعض، قد كرر مقولة أن الضفة الغربية لم ترتق إلى مستوى العمل عنه في المحافظات الجنوبية، وبما يشير إلى مقولة انقسامية رددت كثيراً بين (سلطة رام الله وسلطة غزة المقاومة)، وجرى إغفال التحركات والصدامات والشهداء الذين سقطوا من المواطنيين الفلسطينيين مع قوات الاحتلال. إنها العودة إلى الإعلام الانقسامي الذي ألحق أكبر الأذى بالحق الفلسطيني، ونسي أصحاب هذا الإعلام أن أحد أسباب الحملة العسكرية على قطاع غزة من قبل حكومة نتنياهو، فصل الضفة الغربية عن غزة وإنهاء المصالحة.
منذ الأيام الأولى، وبعد مطالبات من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تقدم الأشقاء المصريون بمبادرة لوقف إطلاق النار، تستند إلى هدنة سابقة كان قد أنجزها الأشقاء المصريون مع الإسرائيليين في عهد الحكومة الإسلامية في مصر، عهد محمد مرسي، ومع كل ذلك، فقد وُجهت المبادرة بحملة إعلامية افتقدت إلى النزاهة والإحساس بالمسؤولية الوطنية والقومية، وقد تم وضع العراقيل في وجهها، كما جرى تحشيد موقف عدائي ضد مصر والرئيس السيسي لم يسبق له مثيل، ولا تخفى الأسباب الكامنة وراء ذلك، والتي لها علاقة بالمواجهة الساخنة بالنظام المصري والأخوان المسلمين، بل أن أحدهم يلمح في مؤتمره الصحفي بأن تلك المبادرة هي متاجرة بدم الفلسطينيين ومحاولة تستهدف قطع الطريق على تحرك قطر وتركيا!
لا يتسع المجال للحوار حول كل ذلك بأثر رجعي، ولكنني أُكرر ما قاله المسؤولون المصريون، وبشكل خاص الرئيس السيسي، من أن المهمة الأولى لوقف العدوان الإسرائيلي تبتدئ بوقف إطلاق النار لعدة أيام، ومن ثمة الدخول في مباحثات على فتح المعابر وأية مطالب فلسطينية أخرى، (عندما قُدمت المبادرة المصرية لم يكن عدد الشهداء الفلسطينيين قد زاد عن 200 شهيد، ولم يكن الاجتياح البري قد حصل).
أنتقل إلى استخلاصٍ أخذته من آخرين ومن أعضاء في القيادة الفلسطينية، ومنهم من كان عضواً في الوفد الفلسطيني الموحد، وقد سألته: ما هو الفرق بين قرار وقف إطلاق النار بعد 51 يوماً من الدم والدمار والخراب وسقوط آلاف الشهداء وآلاف الجرحى، وما بين المبادرة المصرية بعد أسبوع من المواجهة المسلحة؟ الجميع أجابوا أن لا فرق، بل أن بعضهم قد أشار إلى أن ما كان معروضاً حينها هو أفضل مما تسرب من معلومات اليوم!
الآن، ورغم الآلام والتضحيات الجسام، فإن الشعب الفلسطيني متمسك بموقفه الوطني ونضاله من أجل الحرية والاستقلال، وهو لم يستسلم أمام الجرائم التي ارتكبها الاحتلال في عدوانه الأخير بالرغم من لجوء وتشرد حوالي نصف مليون فلسطيني في قطاع غزة، هذا الشعب الذي صمد يحتاج من أشقائه الفلسطينيين ومن العرب ومن كل أحرار العالم، إلى الدعم السياسي والمادي، ويحتاج إلى المأوى وإلى العلاج وإلى إعادة ترميم بنيانه الاجتماعي والاقتصادي.
لقد خاض هذا الشعب معركة الصمود، وصمد رغم الجراح العميقة التي غارت في عقله وجسده، وليس من حق أحد أن يزاود عليه، وعلى من يدعون بأنهم ممثلو هذا الشعب، أن يستمعوا إليه، فقد كان الدرع الإنساني الذي حماهم ولم يرفع الراية البيضاء، كما لم تلوثه ألعاب المحاور الإقليمية، ولم تستطع وسائل الإعلام المسموم أن تشوه وعيه وانتماءه الوطني والقومي وهو الذي يستحق التكريم.