كتب الشاعر خالد جمعة قبل 22 ساعة من الآن على صفحته على الفيسبوك التالي:
رسالة إلى محمد عليان، والد الشهيد بهاء عليان:
على خجل يا سيدي أكتب لك، فلأكن صريحاً معك منذ البداية...
دائماً كان الشهداء ـ وما زالوا ـ يضعوننا في مأزق أخلاقي، فنحن نستطيع أن نكتب ما يجعل الناس يبكون عليهم، نستطيع أن نصف ونحن جالسون وراء مكاتبنا لحظة سقوطهم، مشاعرهم، الألم الذي أحسوا به، "لسعة النار في الحشا" كما يقول أحمد فؤاد نجم، نكتب، ثم يأتي شهيد آخر فنحاول أن نعيش مع أمه وحزنها، مع أصدقائه وما يقولون عنه، لكننا في النهاية نمضي لنعيش الحياة، وهم يتوقف بهم الزمن عند لحظة... الرصاصة تلك، قد تعيش كلماتنا، وقد تموت، لكنهم في النهاية هم من قدم أغلى ما يملك لأجل قضية يؤمنون بها، قدموا حياتهم، لا أموالهم ولا كلماتهم، حياتهم، أنفاسهم، نظرات عيونهم، دقات قلوبهم، لا شيء أقل.
كنا نتساءل دائماً عن الظرف الذي تربوا فيه، ولماذا يستقبلون الموت الذي هو نقيض الحياة بكل هذا العنفوان، بك سيدي عرفت كيف يمكن أن ينشأ مثل بهاء، حين تنسبه إلى فلسطين، حين تسميه بهاء فلسطين، حين ترفض أن يطلق عليه أي اسم آخر، صرت أعرف كيف يمكن أن يتربى ولد على أن يكون مثل أمراء الحكايات، ليس وسيماً فحسب، فكثيرون هم الوسيمون، وليس مؤمناً فحسب، فكثيرون هم المؤمنون، وليس عاشقاً فحسب، فكثيرون هم العاشقون، بل كائن يستعيد زمن الفروسية الأول، لم يكن بحاجة إلى شيء غير لحظة حرية يتنفسها دون أن يرى جندياً يدوس أرض مدينته، وأنت سيدي علمته كل هذا، علمته أن يغمض عينيه ويحس بالتراب يتنفس ويئن ويضحك ويشتكي وينثر لغته على أقدام بهاء، علمته أن يقرأ لغة الحجارة التي جلست هناك لمئات السنوات دون أن يفهمها أحد، علمته قوة العشبة الخضراء حين تشق صخرتين وتخرج من بينهما بوردة صفراء تطل على استحياء بعد أن اجتازت التاريخ وعبرت إلى الهواء الذي يحيط بجلالة المشهد.
أقبل يديك اللتين مسدتا رأس بهاء يوماً، عينيك اللتان بكتا في صمت بعد أن انصرف المعزون، قدميك اللتين ارتعشتا قليلاً في طريق المقبرة، أو اللتين سترتعشان في طريق المقبرة، لا فرق سيدي، لا فرق...