الحدث - وكالات
في الرابع والعشرين من أغسطس عام ٢٠١٤، وفي لقائه مع رؤساء تحرير الصحف المصرية شن الرئيس عبدالفتاح السيسي هجوماً على شركة «فضاءات ميديا ليميتد» واتهمها بأنها ذراع إخوانية لتمويل مواقع إلكترونية وقنوات تليفزيونية جديدة لضرب الاستقرار فى مصر. وأشار السيسي في اللقاء إلى أن هناك تحالفًا بين قطر، وتركيا، والتنظيم الدولي للإخوان، ويؤسسون حاليًا عدة شركات وصحف ومواقع إلكترونية، تسعى لبث الفوضى في الأمة العربية، وزعزعة الدولة المصرية.
كان ذلك بالتحديد بعد نحو أربعة أشهر من انطلاق صحيفة “العربي الجديد” التي أصدرتها الشركة المذكورة أي قبل ان تنال شهرتها أو حتى يتعرف عليها القاريء العربي. وشكل السيسي بهجومه دعاية مجانية للصحيفة التي استطاعت أن تستقطب العديد من الكتاب الذين ضاقت بكتاباتهم الصحف ذات التوجهات الحكومية أو المدعومة من الثورات المضادة.
وصبر السيسي بعد هجومه على الصحيفة التي اتهمها بمحاولة زعزعة الدولة المصرية نحو سنة وأربعة أشهر ليقرر مؤخرا قبل نهاية عام ٢٠١٥ بساعات وعشية ذكرى ثورة ٢٥ يناير حجب صحيفة “العربي الجديد” بعد ايام من حجبها في دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية.
هذا الحجب أثار تساؤل المتابعين عن الأسباب التي أدت إلى حظر الصحيفة بالتزامن مع الإمارات والسعودية ولماذا انتظر نظام السيسي كل هذه الفترة ليتخذ قرار الحجب؟
هل “العربي الجديد” ذراع إخوانية؟
تصريحات السيسي وقتذاك أثارت تندر الوسط الإعلامي والسياسي ذلك لأن القائمين على الثورات المضادة ينجحون أحيانا في الصاق صفة “الاخونة” على معارضيهم لكن ليس من السهولة الصاق التهمة بصحيفة تعبر عن سياساتها مع كل ساعة تجدد فيها اخبارها وبسهولة يمكنها ان تجعل التهمة محل سخرية دون أن تنفي انها اخوان أو حتى تدافع عن نفسها.
و”العربي الجديد” كانت فكرة المفكر العربي عزمي بشارة. وبمتابعتها يتبين انها لا تعبر حتى عن افكار بشارة نفسه بل تتعدد فيها الآراء وتحاول الأخبار أن تحترم عقل القاريء وبسهولة يدرك متابعها بأنها نقيض اعلام الثورات المضادة الذي أقام الدنيا صخبا ودناءة وجهلا. والنقطة الأهم التي يراها بشارة انجازاً هي ان القيادات التنفيذية في الصحيفة معظمهم شباب.
ولم تسجل “العربي الجديد” ولعلها اختارت ذلك ما يمكن أن يسمى “اختراقا” صحفياً يتعلق بشؤون داخلية للسعودية أو حتى الإمارات وان كانت تثير ازعاجهما لأنها تنشر خلاف ما ينشره اعلامهما المضاد للثورات وأحيانا كثيرة تسخر من إعلاميي السيسي.
ويتوقف المتابعون حول هذه النقطة بالذات. فالفضاء يحمل صحفا تتبنى خطابا تحريضيا لا تتبناه العربي الجديد ولم تحجبها مصر وبعضها لم يحجب حتى بالسعودية والإمارات. فما الذي أوجع فجأة السعودية والإمارات ومصر “رؤوس حربة الثورات المضادة” ليقرروا بوقت واحد حظر الصحيفة.
للإجابة على هذا السؤال حسب المعلومات التي رشحت لـ”وطن” يتعين أن يتوقف المراقب عند إسمين: عزمي بشارة والإمارات.
الحملة بدأت من الإمارات
بدا واضحاً ان حملة استهداف بشارة من الإعلام المضاد ازدادت حدة في الآونة الأخيرة والأوضح من ذلك أنهم يخوضون حربهم بعقيدة ان بشارة لا يحرض فقط على المطالبة بالديمقراطية بل تعاملوا معه على أساس أنه يحرك المطالبين فيها بأوطانهم.
بذات عقلية المؤامرة التي تحركهم ولا تريهم سببا واحدا مقنعا كاستبداد واعتقال وقمع وفساد وقضاء فاسد يدفع المواطن أن يثور وان لا علاقة لمفكر يؤرخ ويؤطر بطريقته التي مهما اختلفوا معها أو مع افكاره لا يمكن أن تكون هي الدافع لتحريك الشعوب.
وشنت صحف مصر “التي توجه من أمن الإمارات مقابل الرز” على مدار الأشهر الماضية حملة كان ضاحي خلفان قائد شرطة دبي السابق “أعجوبة الإمارات” هو محركها الذي ما ان يغرد ضد بشارة حتى تتناقل صحف مصر تغريداته كمانشيتات رئيسية وأخبار عاجلة. ولأنه رجل يحب التهريج أكثر من الإهتمام بالأمن فلم يستطع أن يخفي معلومة ما يحاك ضد بشارة تلميحاً على الأقل أو ربما أراد ذلك قاصدا حرب نفسية لا يتخلى عنها الأمنيون في الدول العربية الأذكياء منهم والأغبياء .
في يوم الأحد 13 ديسمبر ٢٠١٥ كتب خلفان يقول: “أنا أحذر الآن وموعدنا لن يزيد عن 8 أشهر، خلال هذه المدة يخطط عزمي بشارة فتى الموساد لعملية تخريب كبرى في الخليج العربي، وشق التضامن الخليجي”.
وقال أيضا: مجلس التعاون الخليجي إذا ترك لامثال عزمي بشارة إثارة الخليج العربي. .فسلم لي على التعاون.
كانت كلمات “الشرطي” تشير إلى ان الإمارات قررت ان لا تخوض حربها ضد بشارة منفردة. وهذا ما أكده لـ”وطن” مصدر في أبوظبي قائلا أن السعودية هي الوحيدة من دول مجلس التعاون التي استجابت فورا للمطلب الإماراتي وقد تلحقها البحرين.
وكانت الترتيبات حسب المصدر ان تقوم السعودية أولاً بحجب موقع “العربي الجديد” “رغم تأكيدات بشارة انه لا يشرف على تحريره” ثم تلحقها الإمارات ثم تتبعهما مصر، التي باتت فعلا “تابعة” منذ انقلابها.
ووفق مصدر “وطن” كانت الإمارات نجحت بسهولة في تحريك السعودية لاتخاذ قرار الحظر الذي لا يستهدف “العربي الجديد” فحسب بل كل كتب بشارة والكتب الصادرة عن المركز الفكري والبحثي والأكاديمي الذي يديره كما حدث قبل أسابيع حين منعت كتبه والكتب الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات من المشاركة بمعرض جدة للكتاب.
أما السيسي المرعوب من ثورة عشية ذكرى ٢٥ يناير فقد جاءه الطلب الإماراتي ليذكره بأنه تأخر عن اتخاذ قرار الحظر ١٦ شهرا وخصوصا ان الصحيفة اصبح لها شعبية بمصر في فترة قياسية واستقطبت اقلاما مصرية “ثورية” حتى من داخل المعتقلات.
اذن هي حرب أمنية متصاعدة ضمن حروب شاملة تخوضها أنظمة الثورات المضادة ضد بشارة نفسه لمنع افكاره التي تروج للديمقراطية بالوقت الذي تحاول فيه ان تقنع شعبها بأن الديمقراطية والحقوق والعدالة رجس من عمل الاخوان الشياطين والموساد الذي يخرب الأوطان ويجعلها مثل سوريا والعراق.